إعلان

في ذكرى وفاة عبد الحليم محمود: محطات فارقة في حياة شيخ الأزهر الأسبق و"رائد الصوفية"

04:21 م الأحد 17 أكتوبر 2021

عبد الحليم محمود

كتبت – آمال سامي:

"رحل عن الدنيا رجل من الأخيار. رجل اتقى الله وآمن برسوله فآتاه الله كفلين من رحمته و جعل له نورا يمشي به . كالأنفاس الطاهرة الهادئة والنسمات الوادعة في صمته و صوته و جميع سمته . كان وفي السير على هذا الطريق غير ملق باله لنقد الناقدين ولوم اللائمين . لم تكن له شخصيتان بل شخصية واحدة اتسقت اتساقا باهرا مع نور الشريعة والحقيقة معا وكان يذكر كلما ذكر الإخلاص والطهر والتقى ذلكم هو الإمام الأكبر عبد الحليم محمود.. عاش حياته متبتلا مخبتا أوابا وكان يحمل كل خصائص العلماء الذين كتب لهم أن يكونوا للناس قدوة وأمة وروادا. كان للمتقين إماما ( عبد الحليم محمود) اسم عظيم لرجل عظيم .. رجل شرف به الإسلام كواحد من أبنائه و علم من أعلامه".. كان هذا نعى المفكر الكبير خالد محمد خالد للإمام عبد الحليم محمود في صباح يوم وفاته، فبعد عودته من الحج في 16 من دي القعدة 1498هـ الموافق 17 من أكتوبر 1978م توفى الشيخ الإمام بعد إجراءه عملية جراحية بالقاهرة عن عمر يناهز 68 عامًا بعد مشوار كبير مع الأزهر الشريف يحمل الكثير من المواقف والمحطات الهامة والمؤثرة في تاريخ الأزهر، وفي تاريخ الإمام رحمه الله.

ينتهي نسب الشيخ الإمام عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف السابق، إلى سيدنا الحسين رضي الله عنه، وقد ولد في قرية أبو أحمد بمدينة بلبيس محافظة الشرقية في الثاني عشر من مايو 1910م، ولأسرة عبد الحليم محمود تاريخ طويل في القرية، إذ انشأها جده ونسبت إليه حتى تغير اسمها الآن لقرية السلام، وهناك أنشأ مسجدًا قبل وفاته وأوصى بأن يدفن به، وبالفعل تم له ذلك، فدفن في ضريح منفصل عن المسجد كما أوصى، وتحتفل القرية بذكرى وفاته في كل عام ويحضر الاحتفال عدد من الدعاة والائمة والعلماء، ويأتي إليها محبوه من عدد من البلاد العربية أيضًا.

في السطور التالية نرصد أبرز المواقف والعلامات البارزة في حياة الإمام منذ عمل مدرسًا بالأزهر، وحتى أصبح شيخًا له:

- أثناء عمله كمدرس لعلم النفس في كلية اللغة العربية، أعد مذكرة بعنوان "الأزهر في دور الاحتضار" انتقد فيها الأزهر وطالب بتطويره وإصلاحه، وأدى ذلك إلى تحويله إلى التأديب.

- تولى الأمانة العامة لمؤتمر علماء المسلمين، وحينها كان أيضًا أمينا عامًا للمجمع، وفي تلك الفترة تصدى لمحاولات تحريف بعض آيات القرآن، وقام بتأسيس عدة لجان منها لجنة المسجد الأقصى ولجنة إحياء التراث الإسلامي.

- أثناء تولي الرئيس السابق جمال عبد الناصر الحكم، قال في إحدى خطبه عن شيوخ الأزهر: "إنهم يفتون الفتوى من أجل ديك يأكلونه" وكان حينها عائدًا للتو من فرنسا، وكان يرتدي البدلة، وغضب وشعر بالإهانة التي لحقت بالأزهر، فقام بارتداء الزي الأزهري وطلب من زملاءه ذلك.

- كان له دور كبير في التعبئة المعنوية للقوات المسلحة إثر هزيمة 1967 مع غيره من علماء الأزهر، وكانت رؤياه عن نصر اكتوبر بشرى عظيمة به، حيث رأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعبر قناة السويس ومعه عدد من العلماء المسلمين وخلفه القوات المسلحة، وأخبر الرئيس الراحل أنور السادات بهذه البشارة.

- في قضية جماعة التكفير والهجرة، استعانت المحكمة العسكرية بعدد من العلماء لإبداء الرأي في فكر الجماعة، إلا أن الشيخ رفض ذلك وأعلن أسبابه في بيان له قائلًا: "المحكمة لم تمكن علماء الأزهر من الاطلاع على آراء هذا التنظيم أو الاستماع إلى شرح من أصحابه، والاطلاع على كافة الظروف التي أدت بهم إلى هذا الفكر، واكتفت بأن عرضت عليهم المحضر الذي سجلته النيابة من أقوال ومناقشات، وهذا لا يرقى أن يكون مصدرًا كافيًا يقوم عليه بحث العلماء".

- رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي روجه البعض بتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات وقال: "لا قيود على الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيود على التعدد إلا من ضمير المسلم".

- أثناء توليه الأزهر صدر قرار جمهوري يكاد يسلب من شيخ الأزهر كافة سلطاته ونفوذه، وأثار ذلك غضب الإمام لاهتزاز مكانة الأزهر في مصر والعالم العربي إثر ذلك القرار، فقدم استقالته في يوليو 1974، بعد أقل من ثلاثة أشهر فقط على توليه المنصب، وقدم خطابًا إلى السادات يشرح فيه أسبابه وأن الأمر لا يتعلق بشخصه وإنما بمكانة الأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي، ورغم محاولات اثناءه عن استقالته إلا إنه تمسك بها، وامتنع عن الذهاب لمكتبه ورفض الحصول على راتبه وطلب تسوية معاشه، ولكن الرئيس السادات أصغى لمطالباته وأصدر قرارًا يحفظ لشيخ الأزهر مكانته، وجاء في القرار: "شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر". وأصبح شيخ الأزهر بعدها يعامل معاملة الوزير من حيث الراتب والمعاش وتم انهاء الأزمة وعاد الشيخ لمنصبه مجددًا.

بلغت مؤلفات الإمام عبد الحليم محمود حوالي مائة كتاب سواء في التأليف أو التحقيق أو الترجمة، و كان التصوف محور مؤلفاته الأساسي، فهو من رواد التصوف في العصر الحديث، ومنها كتاب: قضية التصوف: المنقذ من الضلال، وقضية التصوف: المدرسة الشاذلية، وكتبه أيضًا عن أقطاب التصوف: السيد أحمد البدوي وسفيان الثوري وغيرهم. وأيضًا له عدة مؤلفات في الفلسفة الإسلامية أهمها "التفكير الفلسفي في الإسلام" الذي يتناول فيه علم الفلسفة من منظور إسلامي ويؤرخ فيه للفلسفة الإسلامية وتياراتها، وللإمام كذلك عدة كتب في الفلسفة اليونانية والأخلاق. وكتب الإمام أيضًا بالطبع عدة مؤلفات في السيرة النبوية أبرزها: "السنة في مكانتها وتاريخها" و "دلائل النبوة ومعجزات الرسول".

فيديو قد يعجبك: