إعلان

 رمضان شهر الانتصارات.. عين جالوت نموذجًا

د. مصطفى محمد عوض

رمضان شهر الانتصارات.. عين جالوت نموذجًا

09:57 م الأربعاء 06 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. مصطفى محمد عوض
مدرس التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر
وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية


إن شهر رمضان الكريم ليس كما يتخيله البعض، عبارة عن الخمول والكسل والإهمال، والركون إلى الراحة والدعة، وتقليل ساعات العمل والإنتاج والدراسة، وغير هذه الأمور التي نشاهدها في مجتمعاتنا اليوم، حتى أصبح الشعار السائد في شهر رمضان لدى الكثير من الناس أنا في رمضان صائم مرادفة للجلوس في البيت وعدم العمل والخمول.

ولكن المتتبع لتاريخ أمتنا المجيد، يجد أن رمضان بالنسبة لصحابة رسول الله ، ولسلفنا الصالح وأجدادنا هو عبارة عن النشاط في كافة مناحي الحياة سواءً الدينية أو الدنيوية، والحقيقة أن هذا هو جوهر الصيام، فقد ارتبط رمضان في عقلية هؤلاء الأجداد بالعمل والجهاد، بل كان رمضان بالنسبة لهم هو موسم الانتصارات المتعددة، فمن منا لا يعرف انتصار المسلمين في بدر الكبرى في 17 من رمضان سنة 2هـ/ 624م، ومن ينسى انتصار المسلمين وفتح مكة في شهر رمضان سنة 8هـ/ 630م، ومن لا يذكر انتصار المسلمين في معركة البويب في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في رمضان سنة 13هـ/ 634م، وانتصارهم وفتح جزيرة رودس التي تقع في البحر المتوسط في رمضان سنة 53هـ/ 673م، وفي 25 رمضان سنة 658هـ/ 30 أغسطس 1260م حدثت الموقعة التي هزَّت أرجاء الأرض بكاملها وهي موقعة عين جالوت التي ستكون محور الحديث اليوم، ومن ينسى انتصار المصريين العظيم في السادس من أكتوبر سنة 1973م في 10رمضان 1393م:
تُعد موقعة عين جالوت واحدة من أبرز المعارك الفاصلة والمهمة في تاريخ المسلمين؛ لأنها حدثت في وقت اضطربت فيه أحوال العالم الإسلامي كله على وجه العموم، وبلاد الشام على وجه الخصوص؛ نتيجة الغزو التتري الخطير، فلم يمضي سوى ستة عشر يومًا على استيلاء هولاكو على حلب حتى شرع في التوجه صوب دمشق، والتي هرب منها أهلها خوفًا وذعرًا من هجمات هولاكو المدمرة، وتوجهوا صوب مصر؛ للإحتماء بها وبأهلها، وتابع هولاكو هجمته الشرسة على العالم الإسلامي فاجتاح بعلبك، وسار منها صوب غزة وبانياس، وأسعروا البلاد حربًا، وملأوها قتلًا ونهبًا.

ومن غزة أرسل رسالة على عجل إلى حاكم مصر سيف الدين قطز يهدده فيها، ويطلب منه الاستسلام، ويقول فيها: «يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من أحلّ عليه غضبه...، فأتعظوا بغيركم...، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا،....».

ولكن سيف الدين قطز لم يجبن أمام هذا التهديد، واستشار أصحابه فيما يفعل، وثبت رأي الجميع على ضرورة الخروج لقتال هؤلاء التتار الذين يجتاحون العالم الإسلامي، والدور الآن على المصريين ومعهم حكامهم المماليك.
وبعد التشاور وجه سيف الدين قطز رسالة إلى هولاكو يقول فيها: «بعد البسملة: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، فكتابكم يخبرنا أنكم مخلوقون من سخط الله، ومسلطون على من حل عليه غضب الله، وأنكم لا ترقون لشاك، ولا ترحمون عسيرة باك، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، فذاك أكبر عيوبكم وهذه من صفات الشياطين لا من صفات السلاطين، ويكفيكم هذه الشهادة الكافية وبما وصفتم به أنفسكم...».

وأعد قطز العدة للقاء التتار، وأرسل الظاهر بيبرس على رأس مجموعة من الجيش المصري ليتحسس أخبار العدو، وكان التتار قد وصلوا إلى غزة فلما اقترب منهم بيبرس انسحبوا منها، ودخلها المصريون، وبعد وقت قليل تحرك سيف الدين قطز من مصر في شهر رمضان سنة 658هـ/أغسطس 1260م، بجيش كبير يفوق العشرين ألف مقاتل حتى وصلوا إلى بحيرة طبرية، وهذا الجيش الكبير الذي خرج من مصر أزعج الصليبيين في عكا فخرجوا إلى السلطان قطز وعرضوا عليه المساعدة ولكنه شكرهم واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه.

والسؤال المطروح الآن: لماذا سميت هذه المعركة باسم معركة عين جالوت؟
والجواب نسبة إلى سهل عين جالوت الذى يقع بين مدينة بيسان شمالاً ومدينة نابلس جنوبًا فى فلسطين.

وفي تلك الأثناء ترك هولاكو المنطقة عائدًا إلى حاضرة التتار في آسيا، وجعل خليفته كتبغا ينوب عنه في قتال المصريين وحكامهم المماليك، والذي تقدم إلى عين جالوت قرب بيسان في فلسطين ودارت المعركة في يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ/ 30 أغسطس 1260م، وقد وضع المصريون بقيادة المماليك خطة مفادها أن يترك الجيش المصري الجيش التتري ليدخل لسهل عين جالوت من الشمال، ولم يكن فى السهل أحد من المصريين، حيث كانوا يختبئون خلف تلال عين جالوت، وتخرج مقدمة الجيش المصري فقط بقيادة الظاهر بيبرس، والهدف من وراء هذه الخطة حتى يظن التتار أن مقدمة جيش المصريين هي الجيش كله، وبدأت مقدمة الجيش فى النزول من أحد التلال لسهل عين جالوت، وتتابعت حركة النزول للجيش المصري، وهكذا استطاع سيف الدين قطز أن يقود المعركة عن بعد، ووقف ركن الدين بيبرس بقواته على المدخل الشمالى لسهل عين جالوت.

وفي بداية المعركة تفوق التتار ولكن قطز ثبت في القتال وألقى خوذته على الأرض وصاح في جيشه وا إسلاماه ثم حمل على التتار حملة صادقة زعزعهم فقتل كتبغا القائد التتري خليفة هولاكو وكثير من رجاله ومن نجا منهم ولى الأدبار.

ولاشك في أن موقعة عين جالوت كانت نقطة تحول خطيرة في التاريخ، ومهما يقال من أن التتار كانوا بوصولهم إلى عين جالوت قد بلغوا نهاية الشوط في حركتهم التوسعية في اتجاه بلاد الشام ومصر، وأنه كان لابد وأن تنتهي هذه الحركة بالتوقف عند نقطة معينة فإن الذي يهمنا الآن هو القول بأن موقعة عين جالوت أنقذت الشام ومصر من خطر التتار، وجعلت دولة التتار تقف عند نهر الفرات، وقد درات هذه الموقعة في شهر رمضان والمصريون صائمون ليحققوا أروع بطولة ويسجلوا بطولة نادرة لأناس صائمون، ويعرفوا الدنيا بأن الصيام لم يكن يومًا ما مانعًا من العمل والجد والجهاد وحماية الأوطان، بل على العكس تمامًا من ذلك، وهذا ما يجب أن نصحح به اعتقادنا.

إعلان