إعلان

داليا محرز.. لما الدولة تضحي بالدكتور والمريض

10:24 م الإثنين 09 نوفمبر 2015

داليا محرز

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي، كانت أخر مهمة للطبيبة الشابة داليا محرز، عادت في حالة إعياء شديد، من العيادة المتنقلة بالقنطرة غرب، لم تكن المرة الأول التي تخرج بها طبيبة صحة الأسرة لقرى الإسماعيلية، لكنها الأولى للمرض، الذي تمكن منها، بعد تشخيص أنه نتيجة بكتيريا الالتهاب السحائي، لتدخل بدائرة من الإهمال لم تتوقف عند بدل العدوى، فما لبث أن مرت 8 أيام حتى لفظت الطبيبة أنفاسها الأخيرة بغرفة "العزل" الطبي بمستشفى الجامعة التخصصي يوم 5 نوفمبر الجاري.

عاد المهندس هشام محمد لمنزله يوم الاثنين 26 أكتوبر، في إجازة من عمله بشرم الشيخ، كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، حاول أن يستريح من تعب السفر، حتى تعود زوجته من عملها بوحدة المستقبل "هي مسؤولة عن حملة التطعيم ضد الحاصبة"، غير أن الوجهة تغيرت ذلك اليوم "اتصلوا بها وقالوا لها عايزينك غي عيادة متنقلة"، أخبرت الطبيبة زوجها، المعتاد على خروج زوجته 3 مرات أسبوعيًا في وحدات متنقلة خارج الإسماعلية، بالإضافة إلى القوافل الطبية التوعوية، فضلا عن استقبالها لنحو 180 حالة باليوم في الوحدة الثابتة كما قال الزوج.

في تمام الحادية عشر والنصف ظهرا اتصل "هشام" ليطمئن على "الدكتورة داليا" –كما يناديها أسرتها- أخبرته أنها ستعود للبيت في غضون نصف ساعة "كان صوتها مجهد وتعبان شوية" كذلك لمس الزوج حال والدة ابنه "أحمد" كما قال في حديثه لـ"مصراوي"، وتأكد ما استشفه باتصال الممرضة المرافقة لها بعد نحو ربع ساعة وقولها "الدكتور داليا جالها ضيق نفس، وقعدت تعيط وترّجع وأغمى عليها واحنا رايحين على المستشفى العام".

فزعًا ذهب "هشام" للمستشفى، ليجد زوجته مستلقية على سرير بقسم الطوارئ، لا وجود لطبيب، أخذ ينادي كي يتحدث لأحد، لكن دون مجيب، كانت "داليا" في كامل وعيها، حتى أنها تحدثت له كي يعودا للمنزل، فهي قادرة على الحركة وضغطها انضبط شيئا ما، ما وجد الزوج غير ذلك السبيل، خاصة وأنه "مفيش أي اهتمام..ملقتش حتى حد استأذنه أني أخدها"، وبالفعل خرجت الطبيبة على قدميها، لكن التعب لازال بها، فيما كانت الساعة نحو الواحدة ظهرا.

____1
ساعات قضاها الزوج جوار الطبيبة المصابة بمرض لم يُكتشف إلا بعد 3 أيام، يُخفض حرارتها المرتفعة، التي لم تتكفل المستشفى بفعل ذلك أو ينتبه أحد حتى لهذا حسب الزوج. تحتضن "داليا" وليدها ذي العام والتسعة أشهر، يغّطا في نوم يبدو هادئ، إلى أن انتفض "هشام" لحال زوجته "حسيت إنها بتخبط برجلها وهي نايمة افتكرتها بتحلم، لقيتها فاقدة الوعي". قيء، عين تُحملق بشدة، تشنجات، فانطلق الزوج بها إلى المستشفى الجامعي العام.

حال المستشفيين الحكوميين المستقبلين لـ"داليا" كان صادما لزوج الطبية "إزاي يعالجوا دكاترة أو حتى عيانين عاديين"، ففي الأول لم يكشف أحد على زوجته، أما المستشفى الجامعي العام، لم يكن هناك مكان، ولأجل كونها طبيبة، قرروا الإبقاء عليها في "استراحة الدكاترة"، والتي يصفها "هشام" بأنها "غير أدمية"، بعينه رأى العنكبوت المحيط بالمروحة، وذاك "الجردل" أسفل المكيف، لكنه تعلق بأمل كلمات طبيب كبير بالسن "إن الله تطلع على رجلها"، وبالفعل عاد الزوج بصحبة الطبيبة للمنزل لكنها لا زالت فاقدة للوعي "قالوا لي روح بيها دي حالة نفسية خليها تحت الملاحظة 24 وهتبقى كويسة".

القلق يكاد يفتك بالزوج؛ زوجته الطبيبة باتت مريضة، تدور في ركب المرضى، لا تجد اهتمام ولا يعرف زملائها تشخيص مرضها، ليمر اليومين دون تغيير، ويصير السبيل الوحيد، الذهاب لمستشفى ثالث لكن خاص، فكانت الوجهة للمستشفى الجامعي "التخصصي"، وهناك لا شفاعة لمريض إلا "ماله"، فقبل الدخول للطوارئ طولب الزوج بدفع 500 جنيه، وعلى الفور استجاب لأجل الاهتمام بزوجته، وبمجرد أن فحصتها إحدى الطبيبات، أعلنت عن تشككها بانها أعراض مرض الالتهاب السحائي، وطالبت بحجز "داليا" في العناية المركزة، وهذا كان يعني دفع 5 آلاف جنيه، ويؤكد "هشام" أن المستشفى يعلم أن زوجته طبيبة لكنهم أخبروه بعدم وجود تأمين يكفي لعلاج الطبيبة "يعني لو معناش فلوس مكناش هندخل ويبقى هتموت وقتها" قال الزوج بأسى.

لم تقف المعاناة حد دخول الطبيبة عبر الوسائط، والمعارف للمستشفى، بل استمرت حتى في معرفة نوع المرض، فرغم أن المستشفى خاص، لكن التحاليل طالبوا الزوج بإجرائها في معمل بالخارج، وكذلك الأدوية حسب قوله، وظهرت النتيجة صباح الخميس 29 أكتوبر بتأكيد إصابة "داليا محرز" بالالتهاب السحائي، وضرورة إعطاء مضاد حيوي لكل من حولها "وتحملنا تكلفة الأدوية لينا وللدكاترة والممرضات عشان محدش يتأذي" حسب قول "هشام".

____2

بعد أربعة أيام من المرض، شُخصت أخيرا حالة "داليا"، لكن نوع البكتريا المسببة تحديدا عُرفت بعد 3 أيام أخرى، وظلت الطبيبة بغرفة "العزل" بالعناية المركزة تتلقى العلاج "وكل يوم كنا بنقول يارب إن المخ يفضل شغال" حتى رؤية أخيرة مساء الأربعاء 4 نوفمبر، واستقبل الزوج وعائلة الطبيبة ذات الـ29 عاما باليوم التالي بالسادسة صباحا خبر وفاتها "المرض أصاب منطقة معينة في المخ وخلاص أمر الله نفد" قال "هشام"، فيما يخفت صوته حزنا، بذكر ابنه "أحمد" الذي بات له أبا وأما وهو لا زال رضيع سيكمل عامه الثاني شهر يناير المقبل.

أصدرت وزارة الصحة يوم الجمعة 6 نوفمبر بيانا، تقول فيه إن الطبيبة ابنة الإسماعيلية توفت نتيجة تعرضها لحادث سير أدى إلى كسر في قاع الجمجمة، ونفت أن سبب وفاتها عدوى الالتهاب السحائي، جاءت تلك الكلمات قاسية على نفس "هشام"، فذلك الحدث وقع قبل خمسة أعوام، تزوجت بعدها الطبيبة منذ نحو عامين، وطالما وجدها في غاية النشاط والإخلاص لعلمها حسب قوله، حتى أنها ارتضت الانتداب لوحدة المستقبل البعيدة عن سكنهم، بعد أن كانت مسؤولة وحدة الحرفيين بمدينة الشيخ زايد الأقرب لها، لكنها خضعت للوائح، ولم تُقصر في عملها، الذي بلغ مرتبها منه بالكاد 2000 جنية بعد تحرك الأطباء الأخير، "كانت بتشيل شغل 3 دكاترة غير شغل البيت"، ومع ذلك لم يرها يوما مريضة مثلما حدث الأيام الماضية.

____3

لا يوجد تطعيم إلزامي للأطباء، كي يقي الطبيبة المشتغلة لنحو 4 سنوات، احتمالية الإصابة بالمرض، كما ليس هناك أي إجراءات احترازية من أدوات الحماية تُوفر داخل المستشفيات أو أثناء القوافل الطبية "تطعيم الالتهاب السحائي اتطبق على المواليد اللي قبل 88 واللي بعد ما اخدوش حاجة" حسب قول أحمد الأسيوطي زوج شقيقة الطبيبة -والممتهن للطب أيضا- ولأن الشابة مواليد 87 فسقطت من التطعيم حتى لحظة مرضها، الذي ظلت تتعالج منه طيلة بقائها بالمستشفى على نفقة أسرتها الخاصة، ولم يُستجاب لأي دعوة ليغطي التأمين علاجها "كلمنا الناس في الوزارة واتقال لنا قدموا لنا كشف بالنفقات وهنبحث الموضوع ونشوف"، فبدل العدوى الــ19 جنيه لا يمكن له أن يغطي بأي حال من الأحوال التكاليف.

تمنى "هشام" لو أن وزارة الصحة اكتفت بالترحم على زوجته الطبيبة، وعرض الأمور بمصداقية "ويتقال دي بنت وزارة الصحة وماتت وهي بتأدي شغلها"، حينها ربما مر الأمر بسلام، لكن الحسرة زادته بعد كلمات النفي، والإنكار، غير المقدمة أو المؤخرة لشيء.

ما كان بتفكير "هشام" سوى زوجته حتى وفاتها، فمع "هبة" الأطباء، والوقفات الاحتجاجية المدفوعة بواقعة وفاة الطبية "داليا"، قرر رغم مصابة الأليم ألا يغادر الجمع، متمنيا أن يكون وفاة زوجته "فتحة خير" على الأطباء، فينالوا قدرا من الاهتمام "أكيد مش تمن الدكتور 19 جنيه بدل عدوى"، ويراعى بسطاء الحال، ولا يُهدر حق طبيب تُوفي أثناء عمله، فيصبح بلا معاش ولا تأمين لأنه لم يمر على عمله 5 سنوات، كما حدث مع والدة ابنه "مش عايز اللي حصل يتكرر لأسرة تانية.. وإن كان أنا عندي ولد في غيري عنده 3 و4 أولاد".

____4

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان