إعلان

الإيجار القديم أمام "الحوار الوطني": ما قصة أزمة "الشقق المغلقة"؟

06:22 م الأربعاء 17 مايو 2023

شقة مغلقة بعقار قديمة - تصوير: مارينا ميلاد

تقرير -مارينا ميلاد:

إنفوجرافيك - مايكل عادل

تتلقى سيدة خمسينية مبلغًا زهيدًا من أشقائها كل شهر. ذلك المبلغ الذي لا يتجاوز المائتي جنيه يمثل نصيبها من إيجار الوحدات السكنية بالعقارات التي يملكونها بمنطقة روض الفرج والخاضعة جميعها لقانون الإيجار القديم.

لم يزد ما تتقضاه نشوى شاكر مع الوقت رغم زيادة أسعار كل شيء حولها، ما دفعها لتقول: "نحن بالاسم أصحاب ملك، لكننا لا نستطيع العيش جيدًا!".

يحدث ذلك في وقت يتجدد فيه الحديث عن أزمة قانون الايجار القديم والوحدات السكنية المغلقة، بالتزامن مع محاولات طرح القضية في جلسات الحوار الوطني الجارية هذه الأيام.

تتمنى "نشوى" وغيرها أن تفلح تلك المحاولات هذه المرة، لكن المستشار محمود فوزي (رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني) قال خلال تصريحات له "إن ملف قانون الإيجار القديم لا يقع ضمن القضايا المقرر مناقشتها ضمن الجلسات، ولكن اللائحة التابعة لمجلس الأمناء تجيز استحداث لجان أو موضوعات جديدة كلما وجب ذلك".

بين الحين والآخر، تتعثر "نشوى" وأشقاؤها أمام المتطلبات العادية لعقارتهم، كالصيانة أو دفع مستحقات المياه وغيرها. السبب، كما تذكره، هو وجود شقق مغلقة نتيجة لسكن أصحابها بمناطق أخرى، ما جعلهم يأتون على فترات متباعدة لدفع ما عليهم بجانب الإيجار المتراكم.

لدى "نشوى" في كل عقار من العقارات الثلاثة نحو ثلاث أو أربع شقق مغلقة، لا تجد سبيلا مع أصحابها للتنازل عنها، وهو ما يزيد الأمر سوءًا بالنسبة لها. إذ تتراوح الإيجارات ما بين 15 وحتى 50 جنيهًا مقابل تأجير وحدات سكنية وتجارية، ما تصفه بـ"الظلم الشديد"، حيث لا يصل ما تربحه سنويا للحد الأدنى للأجر الشهري (3500 جنيه).

فتقول: "هذه المبالغ هي مصدر دخلي الوحيد. فكيف يمكنني العيش بها في ظل الوضع الحالي؟".

لم تتزوج "نشوى"، ولا تستند على عمل أو معاش. فوالدها الذي كان يعمل أعمال حرة، ترك لها تلك العقارات بعد وفاته منذ 18 سنة. وخلال تلك السنوات؛ لم تستطع التقديم لمشاريع الإسكان، كذلك بعض الخدمات باعتبارها "من ذوي الأملاك"، لكن الحقيقة أنها تتقاسم مع أشقائها التسعة هذا الإيجار الضعيف.

يعود تاريخ العقارات التي تملكها "نشوى" إلى أعوام 1955، 1978، و1986. وهي الفترة التي تأرجحت فيها قوانين تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، لكنها في أغلب الأحيان مالت لصالح المستأجر.

فأول قانون نظم تلك العلاقة المتوترة كان عام 1920، ونص على عدم جواز طرد المستأجر من الوحدة إلا بحكم محكمة يستند إلى عدة قواعد، أبرزها عدم سداد قيمة الإيجار. تلاه قانون عام 1941 الذي يمنع المؤجر من زيادة القيمة الإيجارية. ثم حلت ثورة يوليو 1952 لتخفض قوانينها القيمة الإيجارية.

ولم يمنح المؤجرين مزايا سوى قانون تنظيم إيجار الأماكن المفروشة الصادر عام1977، إلا أن الملاك ظلوا يطالبون بتعديلات تشريعية، فصدر قانون عام 1981 لتحقيق التوازن بين الطرفين، وأشركهما في قيمة صيانة المبنى، وزاد من إيجار الأماكن المخصصة لغير السّكنى.

استغلت سعاد إبراهيم تلك القوانين التي ذهبت تجاه مصلحة المستأجرين، واستأجرت شقتها مقابل 4 جنيهات عام 1961 بمنطقة حدائق القبة التي كانت تمتلأ بالفيلات الراقية.. زوجت بها ابنتها "أماني"، فصار لها أحقية البقاء بالشقة بعد وفاة والدتها وبنفس قيمة الإيجار.

ورغم أنها انتقلت بأسرتها إلى شقة تمليك بمنطقة أخرى منذ عام 2016، إلا أنها لازالت تحتفظ بشقة والدتها مغلقة، على أن تدفع إيجارها كل ستة أشهر أو سنة. وفي تلك السنوات، لم تستجب لإلحاح صاحبة العقار بالتنازل عن الشقة إلا بعد الحصول على مبلغ يتفقا عليه، فتقول: "ببساطة، لماذا أتنازل عنها دون فائدة!".

تتعجب "نشوى" كمالكة من شروط المستأجرين المماثلة لشرط "أماني"، متسائلة: "كم دفعوا طوال هذه السنوات، لأعطيهم مبلغ مقابل استرداد الشقة؟".

340840348_1887355021637010_6659092660857763455_n

على ناحية أخرى، يوافق بعض الملاك على دفع مبلغ للمستأجر، كما حدث مع "روحية علي" للتنازل عن شقتها المغلقة بمنطقة العمرانية مقابل 150 ألف جنيه، لكنها رفضت أيضًا، مثلما رفضت كل اقتراحات تأجيرها من الباطن.

فسكنت "روحية" منطقة أفضل، لكنها تدفع مقابل ذلك إيجارا جديدًا قدره 6 آلاف جنيه شهريًا، على أن يزيد كل عام، وهو ما لا تضمن سداده فيما بعد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة وأنها تعتمد على معاشها فقط.

تقول "روحية": "هذه الشقة هي الذكريات والآمان لنا، فلا يمكنني التفريط بها".

وعلى الرغم من أنها تتفهم جيدًا وجهة نظر الملاك أمثال "نشوى"، لكنها لم توافق على اقتراح مالك بيتها بزيادة قيمة الإيجار قبل أربع سنوات معللة ذلك بـ"الالتزام بالقانون"، الذي يلزمها بدفع 55 جنيهًا فقط منذ عام 1990.

اعقب ذلك التاريخ الذي استأجرت فيه "روحية" بست سنوات، تدخل للدولة من خلال "قانون الإيجار الجديد" عام 1996، الذي أقر تحديد مدة العلاقة الإيجارية والاتفاق عليها بين الطرفين. القانون الذي يطبق على شقتهم الثانية ويضطرهم إلى دفع مبلغ كبير.

ما فعلته هذه السيدة وغيرها بالشقق القديمة عاد عليها في إيجار شقق جديدة، وفقا لما يراه أحمد البحيري (المستشار القانوني لما يسمى برابطة المضارين من الإيجار القديم). إذ يقول: "حين يزيد المعروض يقل السعر، إضافة إلى رواج ميزانية الدولة لأنها ستفرض على الشقق القديمة ضرائب عقارية".

330228823_704005238128477_7525731152600991154_n

تشعر "نشوى" بحظها السيء كونها ليست من هؤلاء المؤجرين بالأسعار الجديدة، إنما وفقا لقانون تصفه بأنه "عفا عليه الزمن". لم يتحرك فيه شيء إلا حين قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس من عام 2021، "إن الملكية يجب أن تعود لها قيمتها. فهناك شقق في وسط البلد إيجارها 20 جنيها وقيمتها ملايين!".

بعدها؛ صدق "السيسي" على تعديل قانون الإيجارات القديمة رقم 10 لسنة 2022، والذي نص على زيادة القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًّا بدءًا من مارس 2022، على أن تستمر بنفس النسبة حتى 2027، لتنتقل بعدها الوحدة إلى المالك بالقانون.

وتسري تلك الزيادة على الأماكن المؤجّرة للأشخاص الاعتبارية كالجهات والشركات لغير غرض السكن، وهو ما لم يعد بأي فائدة على "نشوى" التي لم تؤجر وحداتها لمؤسسات. فتقول باستنكار: "أين السكني والتجاري من الزيادة؟، وحتى إن زادوا فلابد أن تكون الزيادة منطقية".

341012785_936020154261752_6180142086806752270_n

تتمنى "نشوى" وغيرها من آلاف الملاك الذين دشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أن تجد أزمتهم طريقا إلى جلسات الحوار الوطني لعلها تحدث شيئًا، وهو ما عبروا عنه في تعليقاتهم على صفحة الحوار الوطني الرسمية. وفي غضون ذلك، يقول أحمد البحيري (المستشار القانوني لما يسمي برابطة المضارين من الإيجار القديم) أن "تلك العقارات القديمة ستسقط مع مرور الزمن إن لم تصان وتٌرمم، فإن كان المالك يضار في ماله فالمستأجر يضار في حياته".

بينما يرى محمد عبد العال (المستشار القانوني لما يعرف برابطة المستأجرين) أن الحوار الوطني ليس مكانًا لتلك القضايا الفئوية التي تخل بأهدافه، حسب قوله. ويعتقد أن الهدف من كل ذلك هو طرد السكان للاستثمار من جديد. فمسألة الشقق المغلقة في رأيه يمكن حلها برفع دعوى واثبات الترك النهائي للوحدة لاستردادها.

ووسط الجدال الدائر بين الطرفين، يدرك المستشار محمود فوزي (رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني) أن الإيجار القديم"قضية مجتمعية هامة"، كما يقول، لكنه يكمل قائلا: "المسألة تحتاج إلى توازن دقيق جدا، لأن هناك 50% مصلحة مستأجر و50% مصلحة مالك. ولديها أبعاد قانونية دستورية حاكمة، وحرية الحركة فيها ليست كبيرة".

تسمع "نشوى" هذا الحديث، وهي تهز رأسها ثم تقول: "ماذا سنفعل؟، سننتظر القانون".

اقرأ أيضا:

تراث مَحذوف: مبانٍ تراثية خارج "قوائم الحماية"

فيديو قد يعجبك: