إعلان

تسعيرة الأرز على موائد المصريين.. من المتسبب في الأزمة؟ (تقرير)

12:16 م الثلاثاء 18 أكتوبر 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- عبدالله عويس:

يحتل طبق الأرز مكانا مميزا على كثير من موائد المصريين. رفيق عديد من الأكلات التي يفضلونها. يضربون المثل بعدد حباته للدلالة على الكثرة، لكنه الآن في وضع مختلف. ارتفعت أسعاره مؤخرا، واختفت بعض أصنافه من الأسواق، ليحدث جدلا كبيرا، واتهامات متبادلة، خلال الأيام الماضية، وأزمة خَلقت من «الحبّة قُبة».

داخل سوق شعبية بحي شبرا بالقاهرة، وقفت صفاء عبد الخالق، أمام متجر يبيع المواد الغذائية. تناقش البائع في أسعار الأرز. كان الرجل قديما يضع لافتة بالسعر فوق أجولة الأرز، لكنها الآن مختفية بعد أن ألزمت الحكومة التجار ببيع الأرز بـ12 جنيها للسائب و15 جنيها للمعبأ، فالمخالفة تعني تعريض المخالف لغرامة تبدأ من 100 ألف جنيه إلى 5 ملايين جنيه.

ورغم قرار السعر الإلزامي للأرز، الذي بدأ تنفيذه في مطلع سبتمبر الماضي، بعد نشر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 66 لعام 2022، بتحديد السعر الإلزامي للبيع، إلا أن الأرز زاد سعره بعد القرار أيضا، قبل أن تشهد بعض الأصناف اختفاء من الأسواق: «الرز وصل في وقت من الأوقات لـ20 جنيه لبعض الأنواع، طبعا كان غالي جدا فكنا بنجيب الأرخص، لكن دلوقتي كله غلي» تحكي صفاء.

تعمل السيدة مدرسة لمادة الرياضيات للمرحلة الابتدائية، ولديها زوج و3 أبناء، يتناولون وجبات مختلفة يوميا، يكون الأرز حاضرا في بعضها، وبشكل شبه يومي. يخبرها التاجر أن سعر الكيلو يبدأ من 14 جنيها وصولا لـ16 جنيها، بحسب فرز الأرز وما إذا كانت حباته رفيعة أو عريضة، وذلك للسائب، في مخالفة واضحة للقرار الذي اتخذته الحكومة. تنصاع السيدة المجبرة على الشراء بذلك السعر وتقرر المضي قدما في عملية الشراء: «أنا كنت بشتري جاهز ومتعبي، لكنه دلوقتي غالي، وكمان مش موجود كل الأنواع، ومش عارفة المشكلة فين ولا مين مسؤول».

كان تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية توقع انخفاض إنتاج مصر من الأرز في موسم ٢٠٢١/٢٠٢٢ بنسبة تصل لـ٢٨٪ مقارنة بالعام الماضي، وتوقع أن يكون 3.19 مليون طن، مقابل ٤.٤ مليون طن في ٢٠٢٠/٢٠٢١ وقال التقرير إن هذا الانخفاض سببه تقلص المساحة المزروعة من الأرز.

وحول أسباب التراجع في الإنتاج قال تقرير الوزارة إنه بسبب عدم تحقيق الفلاحين مكاسب من الأرز ما دفعهم لزراعة الذرة لارتفاع سعره، إضافة إلى القوانين التي وضعتها وزارة الموارد المائية والري للحد من زراعة الأرز غير المشروعة والغرامات الموقعة على المخالفين. لكن صفاء لم يعنيها كل تلك التفاصيل، بقدر ما اهتمت أن تنتهي تلك الأزمة: «يعني حتى لو في سعر إلزامي فهو مش موجود على الأرض، والأسعار مختلفة من مكان للتاني».

يختلف سعر كيلو الأرز السائب من منطقة لأخرى، تقول سيدة في السوق عينه، إن الكيلو يباع في مدينة السلام بـ13 جنيها وصولا لـ15 للسائب، فيما تقول أخرى إنه يباع في منطقتها بـ15 جنيها وصولا إلى 18 للكيلو في حي الدقي. وهناك في ذلك الحي، وقف حسام أبو السعد أمام أجولة الأرز، يزن منها للمشتريين ما يرغبون. توقف الرجل منذ سنوات عن بيع الأرز المعبأ، ويعتمد على السائب فقط.

«أنا الكيلو بيبدأ عندي من 15 لحد 18، وده بيبقى نمرة 1، والحبة عريضة ونضيفة، لا فيها كسر ولا غيره، وليها زبونها» يحكي الرجل الذي يخشى أن تطاله الغرامة، لكنه في الوقت نفسه لا يلتزم بها، باعتبار أنه اشترى الأرز بأسعار مرتفعة بعد قرار الحكومة بالسعر الإلزامي: «اللي حصل إن الفلاح والمضارب قفلوا على الرز، فالسوق عطش شوية، وبناء على العرض والطلب قام السعر زاد».

وكانت الحكومة المصرية قد ألزمت المزارعين بتوريد طن أرز شعير عن كل فدان، ما يعادل نسبة 25% من الإنتاج، وتغريم الممتنعين بعقوبات مالية، وحرمان من الدعم، وذلك بهدف تأمين مخزون استراتيجي كاف للحكومة من السلعة التي يتناولها المصريون على موائدهم، وتستهدف وزارة التموين والتجارة الداخلية توريد مليون ونصف المليون من أرز الشعير من المزارعين: «أنا كل ما أسأل على سلعة أو حاجة يتقال أصل غليت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وده مش منطقي ولا طبيعي، أكيد في أسباب تانية» تحكي صفاء التي

وفي ذلك يقول صدام أبو حسين، نقيب الفلاحين المصريين، إن أزمة الأرز تعود إلى التجار بالأساس، الذين اشتروا كميات كبيرة من الأرز لبيعها بأعلى سعر، لكن وبمنطق السوق فإنه مع انخفاض الأسعار فعليهم التخفيض، لكنهم لا يرغبون في الأمر، لعدم تحمل الخسارة: «لكن عندنا فائض في الأرز، وكمان موسم الحصاد بتاعه بدأ من شهر سبتمبر ومكمل لحد أكتوبر، وغالبا لا بنصدره ولا بنستورده».

وحظرت الحكومة المصرية تصدير الإنتاج المحلي من الأرز خلال الموسم الحالي، ووافق مجلس الوزراء على استمرار سريان إغلاق التصدير لحين تأمين احتياجات السوق المحلي، كإجراء بدأ في 2008 لكن يتم تعطيله بين حين وآخر. وفي يونيو الماضي، صرح مجدي الوليلي عضور غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، بأن مصر تعاقدت على استيراد 50 ألف طن من أرز الشعير رفيع الحبة. وهي أول شحنة تستوردها هيئة السلع التموينية منذ 2019، وذلك بعد ارتفاع سعره بشكل كبير حتى وصل إلى 11 ألف جنيها بالمضارب قبل عيد الفطر الماضي.

وبحسب نقيب الفلاحين فإن المزارع يورد طن الأرز بـ6 آلاف و700 جنيه مصري لوزارة التموين، والفدان الواحد قد ينتج 4 أطنان مثلا، لكن الفلاح يبيعه بـ9 آلاف جنيه للمضارب، ويحصل المزراع على مبيدات وسماد، كما تتيح الدولة الزراعة في أحواض معينة، وبالتالي فهي فرصة جيدة للفلاح: «لكن ثقافة التخزين والتكالب على الشراء هي اللي سببت الموضوع ده والزيادة دي مش حاجة تانية».

وبحسب وزارة الموارد المائية، فإن ٩ محافظات في مصر مصرح لها بزراعة الأرز في عام ٢٠٢٢، وهي محافظات الإسكندرية والبحيرة والغربية وكفر الشيخ والدقهلية ودمياط والشرقية والإسماعيلية وبورسعيد. وتبلغ إجمالي المساحة المصرح بها ٧٢٤٢٠٠ فدان في مصر. وتقوم أجهزة وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بتوزيع المساحات المصرح بزراعتها على جمعيات وأحواض زراعية، كما تحدد أسماء ومساحات من صرح لهم بزراعة الأرز، وترسل تلك المعلومات للإدارات العامة للري. وهذه المساحة تقلصت عبر سنوات بعدما كانت تصل لنحو مليون ونصف المليون فدان.

لكن محمد أبو يوسف، وهو أحد كبار بائعي المواد الغذائية في محافظة الشرقية له رأي مختلف: «الحكومة دلوقتي سعرته بـ12 طب أنا شاريه بـ14 فهعمل إيه في اللي عندي» يحكي الرجل الذي توقف عن بيع الأرز منذ أسابيع نتيجة ذلك، وتخلص من المخزون الذي لديه: «المعبأ جملته أصلا كان واقف علي بأكتر من 15 لبعض الأنواع، فأبيعه إزاي بـ15، وكان قبل التسعيرة السايب ممكن يقف على بـ12 ويتباع لتاجر التجزئة أغلى من كده، والمعبأ بـ15».

يقول الرجل إن الموسم الجديد كان من شأنه أن يقلل أسعار الأرز قليلا، كعادة سنوية، ومع زيادة الطلب وتكالب المواطنين على الشراء والتخزين ارتفع سعره، فكلما زاد الطلب زادت قيمة السلعة، وحين ألزمت الحكومة التجار بسعر محدد، كان لدى البعض مخزونا يخشى أن يبيعه بتلك الأسعار، ولاحتياج الناس إلى الأرز، فإنهم يبيعونه بالسعر الذي يريدونه في غفلة من الرقابة. وتحتاج صفاء التي تعد وجبات الطعام لنفسها و4 من أفراد أسرتها إلى كيلو ونصف الكيلو من الأرز ليكيفيها على مدار يومين: «وممكن يتبقى منهم شوية، لكن الرز عليه اعتماد كبير بالنسبة للوجبة عندي وفي أغلب البيوت المصرية».

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أصدر معدلات إنتاج ومتوسط نصيب الأفراد لبعض السلع المهمة، وكان الأرز أحدها، وبلغ الإنتاج منه ٤.٢ مليون طن عام ٢٠٢٠/ ٢٠٢١ مقابل ٤.٤ مليون طن لعام ٢٠١٩/ ٢٠٢٠ بنسبة انخفاض قدرها ٤.٥٪ على خلفية انخفاض المساحة المنزرعة بالأرز. ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الأرز ٢٨.٣ كيلو جراما في عام ٢٠٢٠/٢٠٢١ مقابل ٢٩.٦ كيلو جراما في ٢٠١٩/٢٠٢٠ بنسبة انخفاض نسبتها ٤.٥٪.

يقول رئيس شعبة الأرز، باتحاد الصناعات، رجب شحاتة في تصريحات متلفزة إن سعر الأرز السائب يتراوح بين 10 جنيهات و12 جنيها بحسب درجة جودته، ويصل المعبأ لـ15 جنيها، مشيرا إلى أن مصر أنتجت ما بين 6 إلى 7 ملايين طن أرز هذا العام، مرجعا الأزمة إلى سلوك المواطنين، الذين يقومون بخلق أزمة دون وجودها. لكنه حديث يعتبره مواطنون غير صحيح.

فبالنسبة لصفاء فإنها تشتري الأرز بحسب احتياجات أسرتها، ولم تخزن منه شيئا، شأنها شأن كثيرين في مصر، لكن للأزمة أسباب أخرى لا تعرف سرها، وتأمل أن تمضي تلك الأزمة سريعا، فالأسعار المتزايدة في كل السلع باتت تثقل كاهلها شأن شأن كثيرين في مصر.

فيديو قد يعجبك: