إعلان

الدراسة بجوار ابنها.. نصرة تعود للجامعة بعد 40 سنة

01:28 م الجمعة 01 أكتوبر 2021

نصرة سليمان سيدة التحقت بالتعليم العالي بعد 40 سنة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

بكل حماس ذهبت إلى معهد القاهرة العالي للسياحة والفنادق، تتلهف لأول يوم دراسي، طيلة ثلاثين عامًا انتظرت تلك اللحظة؛ ما إن تدخل المكان المُخصص للمحاضرات، يظن الطلاب أنها المُحاضِر، غير أنها تجلس بجوارهم في نفس صفوف التلاميذ، مستعدة مثلهم لأول يومًا دراسيًا، تلتفت الأعين حولها بحثًا عن حكايتها، حتى ذهبت لها عميدة المعهد تسأل السيدة الأربعينية بتعجب "أنتِ إيه حكايتك بقى؟".

الحكاية تعود قبل خمسة وأربعين عامًا؛ حين ولدت نصرة في مدينة صغيرة بمحافظة الإسماعيلية شرق مصر، تعلّقت الصغيرة بالمدرسة وأجوائها، الاستيقاظ صباحًا، صفوفها الدراسية، والعودة لإتمام واجباتها، فضلًا عن التعرف على رفيقات جُدد، غير أن كل ذلك انقطع مُبكرًا في المرحلة الإعدادية "للأسف والدي خرجني من التعليم، لأن عادات المنطقة بتقول اللي يتعلم الأولاد بس".

رافق الشعور بالقهر نفس نصرة، غير أنها عاهدت نفسها بالعودة للدراسة مهما طال الزمن. حينما أتّمت عامها التاسعة عشر، تزوجت وانتقلت للقاهرة، شعرت وقتها أن المرحلة قد حانت لتستكمل حلمها، خاصة بعدما سافر زوجها من أجل العمل بالخارج "كنت عايزة أتعلم أي حاجة، ومكنتش عارفة لسة طريق فصول محو الأمية أبدأ إزاي"، انضمت إلى جمعية المرأة والمجتمع من أجل تعلم مهارات الحياكة، لكن ثمة خدمة أخرى يقدمها المكان، غير من مسار حياة السيدة.

1

أسست الجمعية فصولًا لمحو الأمية للكبار، وقتها كانت نصرة في عُمر العشرين عامًا، التحقت بالفصول وعادت الراحة لنفسها مُجددًا رغم كل الصعوبات "كنت عايشة في بيت عائلي، ومسئولة عن أداء الواجبات المنزلية لحوالي 10 أفراد، لكن رغم كل ده صممت أتعلم".

مجهود مُضني تبذله السيدة صباحًا في المنزل، وتنتظر بفارغ الصبر حلول المساء من أجل بداية استذكار دروسها وحدها، كرّست كل وقت مُتاح لتلك المُهمة، حتى اندهش المعلمون من قدرتها على تحصيل تلك الدرجات في ظل ظروفها العائلية، أنهت فصل محو الأمية وانضمت إلى المدرسة الإعدادية.

مع كل مرحلة دراسية جديدة، تزداد أعباء نصرة ومعها صعوبة المواد، غير أن عزيمتها تُصبح أقوى حتى اجتازت أيضًا مرحلة الإعدادية وحصلت على مجموعًا يؤهلها للمدارس الثانوية "لكن للأسف في الوقت ده ربنا رزقني وبقيت حامل في ابني الأول، فقررت أوقف شوية".

2

طار الزمن سريعًا، دامت مُدة التأجيل لمدة 16 عامًا، مع ثلاثة أبناء كل منهما له مساره التعليمي، احتبست رغبة استكمال الدراسة والالتحاق بجامعة داخل نصرة "كنت وقتها زعلانة أني مكملتش، لكن على الأقل عرفت أتابع مع ولادي عشان يتعلموا كويس".

وكأن أمنية نصرة لا تختبأ بداخلها، شعر أبنائها بذلك، حاولوا دعمها لتعود إلى حلمها مُجددًا، ذات يوم فاجئها ابنها الأكبر حينما تم قبوله للدراسة في الثانوية الفندقية "ماما أنا عايزك ترجعي للثانوي تاني، ومتخافيش هنذاكر سوا"، اندهشت السيدة صاحبة الـ45 عامًا من الطلب "بعد العمر ده كله؟ لا صعب".

لكن لم يكن الأمر عسيرًا مادام بجوارها أسرة داعمة؛ تقدم ابنها بطلب الدراسة لها "وبقيت أصغر منه بسنة في المدرسة، عشان القلق ميبقاش مُضاعف". بجوارها ظل محمد مُرافقًا لرحلتها في الثانوية الفندقية، يُذاكر لها الدروس الصعبة، يُراجع معها قبيل الامتحانات، يطمئن قلبها بأنها تستطيع اجتيازه "وجوزي وباقي الولاد بقوا يهتموا بالبيت في الأوقات اللي زي دي".

3 (2)

صار لمنزل السيدة الأربعينية أمنية واحدة "ماما تنجح وتدخل جامعة". انقلب المنزل لخلية نحل خلال الامتحانات، الكُل يقدم خدماته من أجلها "وجوزي ساعدني جدًا في الفترة دي"، حتى استطاعت النجاح والالتحاق بمعهد القاهرة العالي في المقطم.

في البدء طاردت نظرات التعجب السيدة الأربعينية داخل المكان "البنات كانوا بيفتكروني أم طالبة، أو الدكتورة اللي هتدرس لهم"، لكن الدهشة تُصيبهم حينما تجلس بجوارهم في صفوف الطلاب، حتى تواصلت معها عميدة المعهد تستفسر عن حكايتها "من وقتها والكل هناك بيحترمني، العميدة بتقف جنبي لو احتجت حاجة، والبنات بيسألوني أنا عملت ده إزاي عشان نفسهم أمهاتهم كمان يكملوا تعليهم".

4 (2)

قبل أيام؛ كرّمت جمعية المجتمع والمرأة 25 متحررة من الأمية، في المركز الثالثة عشر حلّت نصرة بين المتوّجات، وفي الحفل الذي أقيم في مركز التعليم المدني بالزمالك، تواجدت برفقة زوجها وابنتها الصغرى رنا. على المنصة صعدت السيدة الأربعينية تتسلم درع التكريم، يمر أمامها شريط حكايتها مع التعليم، فيما تقف صغيرتها تذرف دموع الفخر، ولا تترك هي ووالدها هواتفهم المحمولة، محاولين التقاط صورًا تذكارية لرحلة استثنائية للسيدة نصرة.

5

"نعمة التعليم".. سيدة خمسينية تمحو أميتها: ساعدني لفهم متلازمة ابني

أخفت عن أسرتها و"اشتغلت" عاملة نظافة لتتعلم.. حكاية صعيدية مع محو الأمية

هزمت الأمية.. القلم سلاح سيدة فلسطينية أمام الاحتلال (حوار)

التعليم في الكِبر.. 4 شقيقات يصنعن المستحيل لمحو الأمية (صور)

في أرقام.. معلومات عن محو الأمية حول العالم ومصر (انفوجراف)

فيديو قد يعجبك: