إعلان

محنة فقدان الوظائف.. حكايات عاملين في عين عاصفة كورونا

07:28 م السبت 09 يناير 2021

سوق الموسكي خلال فترة الإغلاق بسبب الوباء

كتب- أحمد شعبان ومحمود عبدالرحمن:

في مارس الماضي، فرض حظر تجول جزئي؛ وانخفض عدد العاملين بالمؤسسات والشركات، ضمن إجراءات صارمة فرضتها الحكومة آنذاك، للحد من تفشي كوفيد19، الذي أصاب أكثر من 700 حالة وقتها، مات منهم 46، وفق بيانات وزارة الصحة عن شهر مارس2020.

ضحايا الوباء المتزايدون يومياً منذ هذه الإجراءات لم يقتصروا فقط على من تمكن الفيروس من اختراق أجسادهم، بل هناك ملايين غيرهم قُطعت أرزاق بعضهم، وهَدد شبح البطالة بعضهم؛ فخلال الأشهر الأربعة التي شهدت الإغلاق الجزئي (من مارس إلى يونيو) خسر 2.3 مليون مواطن وظائفهم، بحسب تقرير وزارة المالية الصادر أواخر نوفمبر الماضي.

كانت رقعة تفشّي الزائر الجديد تتسع يومياً، فواصل زحفه موزّعاً خسائره على أنشطة عديدة، أبرزها الصناعات التحويلية وتجارة الجملة والتجزئة، وخدمات الغذاء والإقامة، ونشاط النقل والتخزين، وكذلك البناء والتشييد، أصبح عاملوها في مهبّ عاصفة جاءت دون سابق إنذار.

ارتفع معدل البطالة إلى 9.6% من إجمالي القوة العاملة، مقارنة بالأشهر التي سبقت هذه الإجراءات الوقائية، حيث لم تتجاوز نسبة البطالة فيها 7.7% من العام ذاته.

طالت تبعات تفشّي الفيروس المستجدّ أحمد مهدي، العامل بإحدى سلاسل محال التجزئة الشهيرة، الذي ساوره قلق يشوبه ترقب ما سيأتي.

كان أحمد يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ ثلاث آلاف جنيه، دفعه للإقدام على خطوة الزواج، قبل نحو 8 أشهر، لكن الوباء أربك حساباته، وما تبعه من إجراءات حظر التجوال الليلي، ومواعيد العمل الجديدة التي صارت أقل، فضعُف الطلب على السلع والخدمات؛ خصوصا أن قطاع التجزئة من أكبر القطاعات وزادت خسائر الوظائف، بإجمالي 624 ألف وظيفة، وفقا لبيانات وزارة المالية خلال فترة الإغلاق.

"أحمد" الذي سافر من قنا إلى القاهرة قبل سنوات من أجل العمل، وجد راتبه انخفض إلى النصف لشهرين متتاليين، قبل أن تقوم الإدارة بإلغاء عقود بعض العاملين كان أحمد من بينهم، فلم يدرِ ماذا يفعل! حاول البحث عن عمل آخر لكن "الدنيا كانت مقفلة ومفيش شغل، كل ما تروح مكان تسأل على شغل يقولك إحنا بنمشي الناس اللي عندنا"، وفق ما يحكي.

بينما داخل أحد مصانع الورق ومنتجات الكرتون بالمنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر، كان علي مراد يعمل ضمن فريق الحسابات المالية، وتوقع وغيره من العاملين تأثير إجراءات الإغلاق عليهم، ظنوا في البداية أنها فترة مؤقتة لن تطول، لكن الشاب العشريني استمر لنحو 3 أشهر دون راتب، في ظل تباطؤ نشاط القطاع الصناعي، وتراجع الطلب المحلي والدولي على منتجات المصنع الذي يعمل به، في الربع الثاني من 2020.

في كل مرة كان يسأل فيها مراد وزملاؤه مسؤولا بالمصنع، ويأتيهم الجواب: "إحنا بنمر بظروف سيئة، ومحدش عارف الدنيا هترسي عليه".

انضم الشاب إلى صفوف البطالة مع 569 ألفاً آخرين يعملون في قطاع التصنيع، وفقاً لتقديرات وزارة المالية.

"المفروض كنت اتجوز بس مش هينفع ومفيش شغل"، يستكمل علي مراد، الذي أجّل زواجه عاما آخر بسبب الظروف التي يمر بها.

بعد فترة الإغلاق وتطبيق الخطة الحكومية للتعايش مع الوباء، مع انتهاء ذروة الموجة الأولى في يوليو الماضي، انتظر أحمد مهدي وزملاؤه بقطاع التجزئة، وكذلك مراد على والعاملون معه بالمصنع تحسن الأوضاع وعودة حركة العمل في القطاعين إلى طبيعتها... فلم يحدث.

امتد أثر الوباء وإجراء مواجهته لقطاعات أخرى؛ حيث فقد مئات الآلاف وظائفهم في العديد من القطاعات الأخرى، كان أبرزها الأغذية والمشروبات والضيافة بعدد 469 ألف وظيفة، بين هؤلاء كان محمد سلطان، الذي ترك عمله بشركة سياحة، كان يعمل بها منذ 5 سنوات.

اضطر الشاب العشريني الذي كان يتقاضى 3500 جنيه، للاستدانة من أصدقائه ومعارفه ليوفر الحد الأدنى لما يسد به الرمق، خاصة مع صعوبة الحصول على عمل آخر، تحت وطأة الوباء، لتكون أسرته ضمن واحد من 50.3% من الأسر المصرية التي لجأت إلى الاقتراض من الآخرين، حسب بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في يوليو الماضي، وأرجع البحث سبب الاقتراض إلى انخفاض أو انعدام دخل هذه الأسر.

منذ أواخر إبريل الماضي، ظل سلطان بلا عمل يمكّنه من عيش الكفاف، وحين عادت قطاعات عديدة للعمل، بعد خفوت ذروة موجة الوباء الأولى، نجح الشاب العشريني في أن يجد عملا في مجال النقل في شركة سياحية أخرى، براتب أقل لا يتجاوز 2000 جنيه، وكان عقل الشاب مشغولا بالديون التي تراكمت عليه خلال فترة الإغلاق، معتبرا نفسه أوفر حظا من غيره، حيث يعاني قطاع النقل والتخزين الذي انضم إليه مؤخرا من خسارة 309 آلاف وظيفة.

وكان نصيب قطاع البناء والتشييد خسارة 288 ألف وظيفة، من بينهم كانت وظيفة مصطفى درويش، عامل تركيب السيراميك بإحدى شركات البناء والمقاولات "قالوا مفيش شغل والشركة هتقف".

وما زال أحمد مهدي الذي يمتلك خبرة تمتد إلى 5 سنوات في العمل بسلاسل المواد الغذائية، ومصطفى درويش الذي يمتهن تركيب السيراميك، ينتظران العودة إلى عملهما ولا يتوقف بحثهما عن وظيفة أخرى في مكان آخر؛ حيث ينفق الاثنان من عملهما المتقطع باليومية "يوم شغل وعشرة مفيش"، فإن استطاعا الحصول على أجرة يومي عمل في الأسبوع، حرصا

على أن تكفي أسرتيهما، بتدبير الاحتياجات اليومية الأساسية فقط.

استقر الحال بـ"على مراد" الذي استغنى عنه مصنع الكرتون بمدنية 6 أكتوبر- معاوناً لإخوته في زراعة قطعة أرض تملكها أسرته، في مسقط رأسه، وإلى جانب عمله بالزراعة، حصل على وظيفة مندوب مبيعات بإحدى شركة المواد الغذائية ببلدته.

وارتضى محمد سلطان العمل براتب قليل مؤقتا، حتى يعود للعمل بالشركة التي تركها، خاصة أن الشركة كانت تعتمد بشكل رئيسي على رحلات الحج والعمرة، لذا كان نزيف خسائرها كبيراً بعدما كسر "كوفيد- 19" أجنحة الطيران في العالم بأسره، فتوقفت الرحلات، واضطرت الشركة إلى التخلي عن العاملي.

يخشى العاملون الأربعة تصاعد وتيرة تفشي الوباء في موجته الثانية، حيث يتجاوز عدد الإصابات الألف حالة يوميا، مع بداية العام الجديد، فيتسبب في تطبيق نفس الإجراءات الوقائية التي شهدتها الموجة الأولى، ولو بنسبة أقل فيسهم في استمرار معاناتهم الاقتصادية.

فيديو قد يعجبك: