إعلان

بين "القطر" و"ميدان التحرير".. عوالم حقيقية رصدها وحيد حامد في أعماله الفنية

08:47 م السبت 02 يناير 2021

صورة من الفيلم

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

داخل الاستديو وقف عم سعيد "المصوراتي" يتحدث بلهجة حنونة مع بائع الطماطم، مُحاولًا إقناعه ارتداء جلباب ناصع البياض "عشان الصورة تطلع حلوة"، ثم اتجه عم سعيد إلى الكاميرا الفوتوغرافية ضاغطًا على زر التصوير راضيًا عن نفسه ودوره كـ"مصوراتي"، ذاك الفيلم الذي يتحدث عن مصور فوتوغرافي هجر الاستديو الخاص به، وانتقل إلى القاهرة لاجل ابنته التي راحت تدرس طب القصر العيني، كان الاستديو هو المكان الذي يتألق فيه عم سعيد، الجِذر الذي ربطه بالمكان الذي يعيش فيه، وعبر الاستديو استطاع المُشاهد فهم شخصيته والإحساس بها.

المكان أحد العناصر المُهمة جدًا التي استطاع السيناريست الكبير، وحيد حامد، التعبير عنها في أفلامه ومسلسلاته، ليس في "اضحك الصورة تطلع حلوة" فحسب، بل في جميع أعماله الفنية، وقد ترك اليوم وحيد حامد - الذي رحل عن عمر يناهز الـ77- مساحة كبيرة خاوية في ذاكرة المصريين عن بلدهم ومناطق ربما لن نجد من يكتب عنها، كما كتب وعبّر.

استوديو التصوير

عبر أعماله كان حامد يُحاول دومًا أن يكون أمينًا وصادقًا-هكذا قال في أحد حواراته الصحفية- لذا كان من الواضح بالنسبة للناقد "أندرو محسن" أن السيناريست الكبير يدرس شخصياته جيدًا، ويربط كل شخصية بالمكان الخاص بها "هو مش مجرد اختيار عشوائي للمكان، وبيرمي الشخصيات وخلاص"، لكنه يهدف إلى تفاعل الشخصيات داخل البيئة الخاصة بها، كما فعل في اختيار الاستديو لشخصية عم سعيد المصور "ده بيكون أساس الشخصية والتعريف بيها"، ويضيف مُحسن أنه كان من الطبيعي رؤية صدمة المصور بعد ذلك حين يذهب إلى القاهرة، ويُحاول العمل بعد ذلك كمصور حر بمنطقة الكورنيش "ويتفاجأ من المصور التاني اللي بييجي يتخانق معاه ويقوله دي منطقتي".

"القهوة البلدي"

في أفلام وحيد حامد كانت "القهوة البلدي" مكان محوري لشخصياته، يُدلل محسن على ذلك بفيلم "اللعب مع الكبار"، حيث إنها مكان اللقاء بالنسبة لحسن بهلول-الذي لعب دوره عادل امام- "ده مكان مهم للشخصية وللبيئة اللي بينتمي ليها، وكمان التليفون جوة القهوة ودي كانت وسيلة اساسية عشان الناس مكنش عندها تليفونات جوة البيوت"، وهذا ما رأته أيضًا الناقدة رشا حسني حيث استخدم حامد المقهى أيضًا لأهميتها لدى شخصيات مسلسل "العائلة"، حيث ترى أن لها خصوصية شديدة داخل العمل الدرامي الذي يحكي عن علاقة سكان عمارة ببعضهم البعض أثناء حرب الاستنزاف وما بعدها من نتائج سيئة منها التطرف الإرهابي "وده طبيعي عشان هي مكان التجمع بتاع الناس، في وقت مفيهوش كافيهات ولا نت"، كذلك تجد خصوصيته في أنه كان موقع لتفجير إرهابي أيضًا.

التروماي ووسط البلد

في أحد المشاهد الخاصة بفيلم "اللعب مع الكبار"، فجأة يجد حسن بهلول أمامه ضابط أمن الدولة-الذي يلعب دوره حسين فهمي- داخل التروماي، فيقول له مُستغربًا "هو انتوا بتركبوا التروماي زينا بردو"، كان وسيلة المواصلات تلك طريقة تعبير السيناريست عن حال بهلول "وازاي قدر حامد يستغل التروماي عشان هي وسيلة مواصلات بسيطة لشخص مهمش زي بهلول"، كذلك استخدام منطقة وسط البلد، وتحديدًا ميدان طلعت حرب، مكان لقاء ثاني لبهلول وضابط أمن الدولة، والذي يتحدثان فيه عن ارتباطهما بالقاهرة "وتعتبر هنا وسط البلد رمز للحب ده، فاختيار المكان هنا مش مجرد مكان حلو وخلاص".

مجمع التحرير

وأحيانًا يُصبح المكان عند وحيد حامد بطل رئيسي، كما فعل في فيلم "الإرهاب والكباب"، حيث يلتقي أبطال الفيلم داخل مجمع التحرير، وبسبب معوقات إدارية يتحول بطل الفيلم إلى مُتمرد، وينضم إليه بعض الموجودين داخل المجمع أيضًا، ويُرجّح محسن بأن حامد لابد أنه قام بدراسة لاختيار المكان بعناية "لأنه مختارش أي وزارة مثلا، لكن هو اختار مجمع التحرير وهو قلب الورق الحكومي كله، وكمان مكان وسط ميدان التحرير اللي يعتبر رمز لمصر"، كذلك تتبنى نفس وجهة نظر رشا "لأنه مكان بيروقراطي روتيني"، وينبع ذكاء اختيار المكان أيضًا في أنه موقع يلتقي فيه ناس من مُختلف الأعمار والطبقات "فنلاقي فيه العسكري، والشخص اللي بيشتغل كماسح أحذية، وفتاة ليل وواحد هربان من مراته ورايح ينتحر".

القطار

القطار أحد الأماكن المهمة التي استخدمها وحيد حامد بأشكال متعددة في أعماله؛ فعلى هامش الحياة يعمل بطل فيلم "المنسي"-الذي لعب دوره عادل امام-، والقطار هنا يعتبر مكان محوري، حيث يعمل المنسي كعامل تحويلة ويلتقى بامرأة حسناء-تلعب دورها يسرا-، وترى رشا أن المكان ملئ بالرموز، حيث يعتبر أساس لشخصية مُهمشة وهي المنسي، كما أنه رمز للعلاقة المُستحيلة بين المنسي وغادة "كأنهم سكتين قطر مبيتلاقوش"، وفي أحد المشاهد الدالة حين تقف يسرا على الجانب الآخر من السكة الحديد.

كذلك ظهر القطار كمكان أساسي في الفيلم التليفزيوني "أنا وانت وساعات السفر"، الذي يحكي عن لقاء يحدث بين رجل وحبيبته السابقة داخل القطار الذي يتعطل، فيتجاذبا الحديث.

في حوار صحفي سابق كان وحيد حامد يقول إن من أهم مواصفات السيناريست الجيد أن يحب المهنة لدرجة العشق، وأن يكون لديه الخيال والثقافة غير العادية، وهو ما يُشير إليه أيضًا محسن حيث يرى أن حامد يدرس أبعاد المكان وشخصيات حتى الثانوية منها "فلو هيجيب حارة مثلا مش هيجيب الصورة النمطية عنها، زي إن كل اللي فيها جدعان، أو كلهم فقرا، هيعمل حالة تنوع زي الواقع بالظبط".

فيديو قد يعجبك: