إعلان

أهل المحبة (3)- خُدّام ضيوف آل البيت (بروفايل)

01:58 م الثلاثاء 14 يوليه 2020

خُدّام ضيوف آل البيت

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

الصورة الرئيسية-محمود بكار:

كانت الأزقة المحيطة بمسجد السيدة النفيسة تتسع بالكاد لموطئ قدم. بدأت أيام المولد والمحبون يأتون من أنحاء الجمهورية، خيام الإنشاد منصوبة، تتداخل فيها أصوات المداحين بقرع الملاعق والأواني، ينتظر جالس على المائدة ما تشتهيه أنفس الراغبين، تمر عجوز وبحوزتها حقيبة سوداء، تتخذ مستقرًا ضيقًا بجانب ضريح قديم، تفرش ما لديها؛ أرغفة الخُبز والطعمية، تعرضهم على الزائرين بلا مقابل، تُنافس الموائد الكبيرة، يعرج عليها أحدهم، يتناول شطيرة مُثنيًا عليها فترد "حاجة متليقش بالست.. لعلنا ننال بيها الشفاعة عند ربنا".

كم من مولد وضريح وشيخ يُحتفى به في مصر؟، كم طبق يدور بين الضيوف يُطعمهم، وأكواب تسقيهم، وابتسامات تجبر ضيق السائلين، تُذكرهم أن الجميع سواء، يجلس البسطاء للأكل بجانب القادرين، يتلمس الفقير الطعام، وينتظر الغني البركة، وبينهما يطوف خادمو الموالد، مَن وهبوا أنفسهم لمساعدة القادمين، ليس بملئ البطون فقط، تارة بتوفير أماكن مبيت، أو مساعدة مادية، الخير فيهم، قليله كثير، تتفاوت صورهم ولا تنتهي حكاياتهم.

بعضهم وُلد ليجد عائلته تنصب الخيام في الموالد، شمّر ساعديه وانضم لهم، شاهد والدته تطهو لضيوف المولد بالحب، تقف 12 ساعة دون كلل، لا تأكل أبدا مما تصنع "دا من ربنا ورايح لربنا ملناش نصيب فيه"، ترحب بطلب "درويش" يتمنى تناول "الكبدة"، يُعطيها صحن متسخ، فتأخذه بطيب خاطر، تغسله حتى يُشبه الجديد، وتضع فيه ما لذ وطاب، يسألها المزيد، فتعطيه، يأكل حتى يمتلئ وتقف هي على خدمته، التقط الابن منها حُب الخدمة، صار يعلم أن نصف الإنفاق "صبر" على مكاره الناس.

المكان لا يهم. في وسط القاهرة أو بمحافظة طنطا، أو على أطراف الصعيد، الفكرة واحدة. بعض الخُدّام لا يكتفون بتحضير الطعام، أقاموا استراحات داخل أماكن مهجورة للزائرين، كما فعل أحدهم في وادي حميثرة عام 1980، أراد إكرام زائري الشيخ أبو الحسن الشاذلي، القليلين وقتها. لم يتخيل أن الناس سيألفون المساحة المقفرة فيما بعد، يحجون للمولد كل عام، أنفق من وقته أكثر ما فعل مع المال، لم يوقفه العمل الحكومي عن مبتغاه، يكاد يقترب من الستين عامًا ومازال يبحث عن موالد أخرى ليخدم فيها، ينتظر الخروج على المعاش ليتفرغ تمامًا، يسمع عن ضريح التابع أويس القرني للمرة الأولى منذ أسابيع، يعرف أنه في مركز أطفيح بالجيزة، فيقرر أن يكون وجهته الأولى ما إن تسنح الظروف.

للخادم فلسفة. لا يتعلق الأمر بإطعام الطعام، يوقن باحتياجه للسائل أكثر مما يحتاجه، يؤمن أن للمساكين كرامات، تتجلى إذ يمر أحدهم على الخيمة سائلاً الموجودين عن طعام، يقدمون له ما لديهم؛ بعض التوابل فقط وكسرات خُبز، يشبع الرجل ويرحل، وما إن يختفي حتى يُحضر آخر لحم وأرز ودجاج وخضار، يفيض عن حاجتهم لأيام المولد ويوزعون البقية على المحتاجين. ترافقهم الألطاف الخفية طوال الوقت، تربت على أكتافهم وتنقذهم، حينما يعدهم أحدٌ بطعام ويحنث بكلمته، تتهافت عليهم العطايا من جهات أخرى، فيما يزهدون الطعام، يأكلون طوال أيام الخدمة خُبز وجبن فقط، تتعفف أنفسهم قبل الأمعاء أو كما يقول أحدهم "ربنا بيشبّعنا".

المولد ليس الجنة. يُبقي الخادم عينيه مفتوحتين، ربما يتعرض للسرقة فلا يثنيه ذلك عن مهمته، قد ينهره أحد السائلين، يتطاول عليه حتى، لكنه يكظم غيظه، يُدرب نفسه على التغافل والصبر، يوشك أحيانًا أن يتخلى عن الخدمة فيُقابل متطوعًا أتى ليعطيه كل ما يملك؛ كيس ملح، يرجو منه وضعه في الطعام لينال شرف المشاركة، يخجل الخادم من نفسه، ويولي وجهه شطر ما اعتاد فعله.

اقرأ أيضًا:

أهل المحبة (2)- حكاية السمّيع "إكس" (بروفايل)

"وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا".. هل مسّكَ خشوع "المنشاوي"؟ (بروفايل)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان