إعلان

صعود دول وأفول أخرى ونهاية العولمة..دراسة تتنبأ بعالم ما بعد كورونا

02:25 م الأحد 05 أبريل 2020

عالم مابعد كورونا

كتب- أحمد شعبان:

3 أشهر مرّت، ولا يزال العالم يعيش تحت وطأة "زلزال" كورونا. لا صوت يعلو فوق صوت مكافحة الفيروس المستجدّ، الذي طالت أخطاره الجميع، شرقاً وغرباً، تاركاً بصماته على مختلف مناحي الحياة، أجلس نصف سكان العالم في منازلهم، أغلق المدن، أضرّ بالاقتصاد، وفوق ذلك حصد أرواح أكثر من 58 ألفاً، وخلّف عدد مصابين كسر حاجز المليون، للحد الذي جعله "أكبر تحدٍّ يواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية"، على حد تعبير أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة.

كغيره من الأزمات الكبرى والأوبئة العابرة للحدود، أحدث وباء "كورونا"، الذي ظهر في الصين لأول مرة في ديسمبر الماضي، تحولّات كبيرة متسارعة، على مستويات عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية وصحيّة، ولا يزال. ففي الوقت الذي لا يزال العالم يخوض حربه ضد الوباء؛ بدأ واقع جديد يتشكّل، بتعقيدات ومفاهيم مختلفة، ستساهم في رسم ملامح عالم ما بعد كورونا، الذي لن يكون كسابقه، فيما يتصاعد الجدل وتكثر التحليلات التي تحاول التنبؤ بمستقبل العالم بعد انحسار الوباء، خاصة وأن ما ترتّب على ظهور الفيروس، كلحظة فارقة في التاريخ البشري، من تداعيات، يأتي ضمن "نقاط التحوّل المركزية"، التي ستترك تساؤلات كبرى حول السياسة المحلية، والسياسة والعلاقات الدولية في عالم معولم، على ما جاء في دراسة، نشرها مؤخراً مركز المستقبل للدراسات والبحوث.

1

مفاهيم زمن كورونا

من الحرب الأهلية الإنجليزية في القرن السابع عشر إلى الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، ومن الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوقيتي، وصولاً إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، وما تلى ذلك، من أزمات واضطرابات شديدة التعقيد والغموض؛ يُفرز العالم مفاهيم جديدة، تحاول استيعاب الواقع الجديد الملتبس، بحثاً عن مداخل ومقاربات للتفسير والوصف والتنبؤ. استعرضت الدراسة التي حملت عنوان "كيف ترسم المفاهيم المتداولة ملامح ’عالم ما بعد كورونا’؟"، الأوضاع المستجدة التي فرضها الفيروس، في البدء، قبل أن تنطلق منها لرسم صورة لما بعد الوباء.

في زمن كورونا، صارت "سياسة الأوبئة"، المتبعة لاحتواء الفيروس المتفشّي، من قبل السلطات التنفيذية في الدول، في صدارة المشهد، وبقدر النجاح في احتواء تداعيات الوباء، وتحصين الاقتصاد والمواطنين من توابعه الكارثية، سيتحدد المستقبل السياسي للقيادات الحالية، وحسبما تقول الدراسة، تبرز عوامل عدة تحدد مدى نجاح الدول في التعامل مع "أزمة كورونا"، أولها هو التكيّف مع عدم اليقين الذي غلّف ظهور وتفشّي الفيروس المستجدّ، الذي باغت العالم، وبات على الجميع التعامل معه، دون توافر معلومات كافية عن طبيعة الفيروس، ووسائل انتشاره، والمدة الزمني لإنتاج مصل مضاد لكورونا.

وحتى يظفر العالم بذلك، يبقى حائط الصدّ هو كفاءة نظم الرعاية الصحية المختلفة، ومدى قدرتها على اكتشاف الإصابات بسرعة عبر اختبارات العدوى، وتتبع المخالطين، وامتلاكها الطاقة الاستيعابية اللازمة للتعامل مع الأعداد الكبيرة من المصابين، حال تفشّي العدوى، وتخصيص مناطق للحجر الصحي وأخرى للعزل.

2

بالتوازي مع العاملين السابقين، يمضي الباحث محمد عبد الله يونس، معدّ الدراسة، قائلاً إن الفاعلية في مواجهة الفيروس المستجدّ، ترتبط بوجود دولة قوية ومجتمع متماسك، كذا بسرعة تبنّي إجراءات مواجهة مشدّدة، مثل إغلاق الحدود ووقف الدراسة والفعاليات المختلفة، وحظر الرحلات الجوية للدول المُصابة، وهو ما بادرت به دول مثل سنغافورة وتايوان، فالأولى التي جاوز عدد المصابين فيها بـ"كوفيد-19" الألف بقليل، تحديداً ألف و49 مصاباً، فضلاً عن 4 وفيات فقط، ووصل عدد المتعافين إلى 266 حالة، لتتمكن – حسب الدراسة- من السيطرة على انتشار الفيروس نسبياً، بسبب اتخاذ إجراءات فورية مشددة منها وقف الرحلات الجوية مع عدة مدن صينية لمنع انتشار العدوى، فضلاً عن إجراء اختبارات لجميع مرضى الالتهاب الرئوي، وإعلان حالة الطوارئ، وهو ما فعلته تايوان أيضاً، التي فرضت إجراءات مشددة للحجر الصحي، حال وجود إصابات بـ"كوفيد- 19"، لتصل عدد الإصابات المؤكدة بها إلى 399 حالة، و5 وفيّات، فيما تعافت 45 حالة.

أربك "كورونا" الجميع، لكنّ ثمّة اختلافات في استجابات الدول وتعاملها خلال الأزمة، على قدر تباينها في طريقة الإدارة. الدول المركزية طالتها خسائر جراء الفيروس، لكن إجراءاتها كانت أكثر سرعة وصرامة، مقارنة بالدول الأقل مركزية والأقرب للفيدرالية، فخسائرها على أثر كورونا أكبر وأشد، تعرج الدراسة إلى المقارنة بين دولتين؛ الصين –بؤرة انتشار كورونا الأولى- وإيطاليا، فالأولى اتخذت إجراءات مشددة لفرض حظر التجول والحجر الصحي في المناطق الموبوءة، فيما تأخّرت الثانية في اتخاذ إجراءات مكافحة الوباء، وفي الوقت الذي تراجعت فيه معدلات الإصابة في الصين، لدرجة عدم تسجيل أي حالات إصابة جديدة في يوم 18 مارس الماضي، كان كورونا يُحكم قبضته على إيطاليا، فقدت الدولة الأوربية السيطرة على انتشار الفيروس، فجاوز عدد إصاباتها ووفياتها الصين في 20 مارس، واحتلت رأس قوائم إحصاءات كورونا، بأعداد وصلت حتى يوم 3 أبريل الجاري إلى 15 ألف حالة وفاة، وإصابات تقترب من 120 ألفاً.

على مستوى المجتمعات، تفاوتت كذلك فاعلية مواجهة كورونا، نظراً للتمايزات الثقافية، من حيث درجة الالتزام والانضباط، وتبني الإجراءات الصحية التي تفرضها السلطات، والقدرة على تطبيق العزل الاجتماعي، تجنباً للعدوى، وهي العوامل والقيم التي مكّنت دول آسيوية، مثل سنغافورة وتايوان من مواجهة الفيروس، متسلحين بخبرات التعامل مع أوبئة سابقة مثل فيروس سارس، ما جعلهم في وضع أفضل نسبياً، مقارنةً ببعض الشعوب في الدول الغربية والدول النامية، حيث القيم الثقافية المرتبطة بالتجمعات والتفاعلات والأنشطة الاجتماعية، تحظى بزخم كبير.

"صعود وتراجع"

من بين إيجابيات قليلة لوباء كورونا، الصعود الكبير لمكانة الأطباء والعلماء في المجتمع. ففي الوقت الذي تراجعت الثقة في السياسيين ببعض الدول وآراءهم في أزمة كورونا، كانت آراء الخبراء والمتخصصين بالقطاعات الصحية وهيئات مكافحة الأوبئة والأمراض، تحظى بثقة المواطنين، ينتظرون العلماء وتصريحات مسئولي منظمة الصحة العالمية أكثر من غيرهم، يتابعون أخبار تطوير لقاحات وأمصال للعلاج بشغف، وعرجت الدراسة على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين هوّن في البدء من شأن الفيروس وأخطاره، واعتبره مجرد حدث عابر يمكن مواجهته بتدابير صحيّة محدودة، ما وضعه في مرمى نيران النقد، خاصة عقب تزايد معدلات الإصابة حول العالم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي سجّلت أعلى معدلات إصابة بـ"كوفيد-19"، بعدد مصابين بلغ 261 ألفاً و438، فيما بلغ عدد الوفيات 6 آلاف و699، بحسب آخر إحصائية حتى مساء يوم 3 أبريل الجاري.

3

توالت الانتقادات لترامب، بعدما طرح إمكانية استخدام بعض العقاقير لعلاج كورونا، فعارضه أنتوني فوتشي مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، ونفى الأخير قرب تطوير لقاح للفيروس، ما يعزز من تراجع الثقة لدى السياسين، بحسب الدراسة، وهو ما أكده استطلاع رأي أجرته مؤسسة GZERO الأمريكية، والمختصّة بتحليل المخاطر والسياسات في العالم، ففي حين وصلت نسبة عدم الثقة في الحكومة الإيطالية إلى 36%، كانت نسبة الثقة في مسئولي الرعاية الصحية 63%.

4

وترجّح الدراسة أن الدول ستعيد النظر في كفاءة نظم الرعاية الصحية، حيث كشفت الأزمة انكشاف هذه النظم في العديد من دول العالم المتقدمة والنامية على السواء، بحيث تعيد الدول انخراطها في هذا القطاع بعدما تركته جزئياً أو كلياً للقطاع الخاص.

"كل أمّة لنفسها"

في مواجهة وباء كورونا العابر للحدود، اختارت الدول الانكماش على نفسها وارتأت سياسات الانعزالية والإنغلاق، طريقاً للنجاة، آليات التعاون الدولي كانت غائبة، وصار منطق الجميع "كل أمة لنفسها"، بالرغم من بعض المساعدات الدولية للدول الأكثر تأثراً. فرض كورونا- حسب الدراسة- نوعاً من "العزلة البيولوجية"، بدأت من عزل الأقاليم والمقاطعات الصينية التي تفشّى فيها الفيروس أولاً، ثم فُرضت العزلة على الصين نفسها من قبل دول العالم.

فيما بدا لافتاً التعامل بصورة منفردة مع أزمة كورونا، في أوروبا مثلاً، التي تأخّرت في تلبية استغاثات دولها الأكثر تضرراً بكورونا، مثل إيطاليا، التي بدت متروكة لمصيرها المظلم، طغت مشاعر العزلة والإحباط على الإيطاليين، بعدما تقاعس الاتحاد الأوروبي عن مد يد العون لها، في حين تلقّت مساعدات مختلفة من دول الصين وروسيا وكوبا.

زمن كورونا ليس كغيره، فرَضَ عزلة إجبارية، تضاءلت أمامه مشكلات وأزمات محلية وعالمية كبرى، والحال أن هذه العزلة والنزعة القومية سيعقببها حذر وتحفّظ، تجاه العودة مجدداً للانخراط في العالم عقب انتهاء الأزمة، على ما ذهبت الدراسة، وهو ما خلص إليه أيضاً، تحليل نشرته دورية "فورين بوليسي" الأمريكية، التي استطلعت آراء وتقديرات مسئولين سابقين ومفكرين في مجال العلاقات الدولية، بحثاً عن إجابة عن تداعيات كورونا على النظام الدولي وتوازناته، وقد بدا لافتاً تقاطعات رؤاهم المختلفة حول تعزيز دور الدولة القومية بعد كورونا.

5

على أثر ذلك، فإن تكتلات إقليمية، مثل الاتحاد الأوروبي يجد نفسه أمام ضغوط كبيرة، وأسئلة كبرى حول جدوى وجوده وإعادة تعريف وظائفه، فالانتقادات الإيطالية للاتحاد الأوروبي تتوالى، للحد الذي جعل رئيس وزراء إيطاليا يحذّر، قبل أسبوع، من أن الاتحاد "قد يفقد سبب وجوده"، مشدداً على أهمية "عدم ارتكاب أخطاء فادحة في مكافحة كورونا". فيما توقّع كيشور محبوباني، وزير خارجية سنغافورة السابق، تفكّك الاتحاد الأوروبي "بعد فشله في مواجهة الأزمة على مستوى أعضائه"، على ما نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

"نهاية عصر العولمة"

تطرّقت دراسة مركز المستقبل بشكل مفصّل إلى خريطة المفاهيم الجديدة التي صاحبت أزمة كورونا، سواء فيما يتعلّق بإجراءات المواجهة، وصعود مصطلحات مثل التباعد الاجتماعي والعزل والحجر الذاتي ومناعة القطيع، فضلاً عن الحديث عن "اقتصادات كورونا" وما يتعلق بتكيف دول العالم مع الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي اتخذت للحد من تفشّي الفيروس المستجد، و"رأسمالية كورونا" وما يقصد به من تمكن بعض الشركات من تحقيق أرباح في ظل ظروف انتشار كورونا، مثل منتجي المطهرات والأقنعة الطبية، أو شركات توصيل الطلبات للمنازل، ومنصات التجارة الإلكترونية وغيرها.

لكنّ مساحة كبيرة من الدراسة دارت حول الجدل المتصاعد، الذي تدور رحاه هذه الأيام، حول عالم ما بعد كورونا، وشكل النظام الدولي، والحديث عن مصير العولمة، وجوانبها المظلمة، وارتباطها بتهديدات مثل تفشّي الأوبئة العابرة للحدود، والتلوث البيئي والاحتباس الحراري والجريمة المنظمة والإرهاب وغيرها.

6

تؤكد الدراسة أن جائحة كورونا تأتي ضمن الأحداث المفصلية ذات التأثيرات العالمية الكبيرة الجوهرية التي يصعب تخيل تداعياتها على المدى البعيد، لكن هناك ملامح أولية بدأت في التشكّل وتشي بالكثير. ففي حين يحمّل جانباً من المحللين العولمة المسئولية عن تفشّي كورونا، وتفاقم أزمته، يمضي البعض الآخر في الحديث عن "العولمة الهشّة" ونهاية عصرها، وما شهده العالم من ضعف القوى المحركة للعولمة في مواجهة الأزمات والكوارث والتكيّف معها، مثل كارثة كورونا، للحد الذي جعل الحل يكمن في اتخاذ إجراءات تُناقض العولمة، مثل إغلاق الحدود وتحجيم التدفقات العابرة للحدود ووقف حركة الطيران وإعلان حالة الطوارئ.

كان جليّاً في الأشهر الماضية، حالة الانكشاف الأمني والسياسي لدول عدة في التعامل مع الوباء، بسبب الدرجة الكبيرة من الاعتماد المتبادل بين الدول وبعضها، في عصر العولمة، ولما أغلقت الحدود واتخذت إجراءات استثنائية للإنغلاق جراء كورونا، صارت دول عدة غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها من دون التعاون مع الدول الأخرى، وهو ما سيعزّز مستقبلاً، وفق الدراسة، تحجيم الاندماج في النظام العالمي، والتقليل من الاعتماد المتبادل، وتركيز كل دولة على بناء قدراتها الذاتية لتلبية احتياجاتها الأساسية للتعامل مع حالات العزلة الممتدة مرة أخرى.

7

كذلك تتوقع الدراسة أن تختفي مقولة "مصنع العالم" التي ارتبطت بالصين، بسبب تأثر الاقتصاد العالمي بانقطاع الصادرات الصينية عقب انتشار كورونا، وبالتالي ستأسس مراكز صناعية متعددة حول العالم، وستتغير خريطة سلاسل التوريد العالمية.

ماذا عن النظام الدولي؟

لا إجابة محددة على ما سيكون عليه شكل النظام الدولي، لكن كورونا حتماً سيعيد هندسة النظام الدولي، تقول الدراسة إن الدول التي ستتمكن من استيعاب أزمة كورونا وخفض حجم الخسائر وتحمل تكلفة انتشار الفيروس اقتصادياً ومجتمعياً وسياسياً، ستتمكن من الصعود إلى صدارة النظام العالمي، في مقابل تراجع مكانة الدول التي ستتكبد خسائر مادية وبشرية ضخمة، والتي لا تملك من الفوائض المالية ما يمكنها من إعادة البناء.

8

كذلك فإن أزمة كورونا أثبتت تآكل القيادة الأمريكية للعالم والنظام الدولي، فيما اتخذت الصين بعض الخطوات لمد مظلة الحماية والدعم لبعض الدول من خلال تقديم المساعدات، على الرغم من ارتباطها بتفشي الفيروس، كنوع من مسئوليتها السياسية حيال الأزمة، ما دفع البعض للحديث عن صعود التنين الصيني لصدارة النظام العالمي بعد الأزمة، وانتقال القوة والتأثير والثقل الدولي من الغرب إلى الشرق، بعد نجاحات كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، وتجاوب الصين مع أخطائها الأولى، في حين أوروبا وأميركا لا تزالان في حالة تخبّط، حسبما نقلت "فورين بوليسي" عن ستيفان والت الأكاديمي والسياسي الأمريكي.

ختاماً، خلصت الدراسة إلى أنه لا تزال ملامح عالم ما بعد كورونا قيد التشكل، بسبب انشغال الدول بمواجهة الأزمة وتحجيم تداعياتها وتقليل الخسائر، لكن مصير العولمة سيصير موضع جدل كبير في ظل الاتجاهات المضادة التي فرضتها سياقات انتشار كورونا، وما سبقها من إرهاصات مثل إغلاق الحدود أمام تدفقات المهاجرين واللاجئين مع صعود التيارات اليمينية والشعبوية.

فيديو قد يعجبك: