إعلان

"سعر وهمي".. كيف تخسر مصر المليارات سنويًا جراء تزوير الفواتير الصيني؟

02:20 م الأربعاء 23 أكتوبر 2019

سعر وهمي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تحقيق ــ منة عبدالرازق:

في مايو الماضي ضبطت الإدارة العامة لمكافحة التهرب الجمركي بالإسكندرية شركة تلاعبت في المستندات؛ لتقليل قيمة بفارق 7 ملايين و991 ألف جنيه، وبلغت تعويضات الجمارك 5 ملايين و964 ألفًا بعدما فتشت مقر الشركة، وفي يونيو تمكنت الإدارة من ضبط شركة تلاعبت في ٨ بيانات جمركية بفواتير ومستندات بقيم متدنية لبضائع إكسسوارات ومستلزمات ملابس، بلغت قيمة البيانات 6 ملايين بفارق قيمته 2 مليون و600 ألف جنيه.

تُحرر الجمارك من 200 لـ300 محضر اصطناع فواتير شهريًا وفقًا لبياناتها، ورغم ذلك وبسبب ضعف الآليات للكشف عن المستندات تخسر مصر المليارات بسبب التلاعب في فواتير الواردات من الصين؛ للتهرب من دفع الضرائب الجمركية أحد أهم موارد الدولة، ويمثل التلاعب في قيمة الفواتير التجارية السبب الرئيسي لتدفقات الأموال غير المشروعة في البلدان النامية بنسبة 80% في 2015 وفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن "منظمة النزاهة المالية العالمية".

ويحدث التلاعب خلال عدة طرق منها؛ التقليل من القيمة الحقيقية لفواتير الواردات أو الصادرات أو زيادة قيمتها، وهي طريقة لنقل الأموال بصورة غير مشروعة عبر الحدود خلال التزوير لقيمة السلع وحجمها، أو نوعها في معاملة تجارية دولية للسلع أو الخدمات من جانب طرف واحد على الأقل بين الدولتين.

في يونيو 2019 أصدرت "منظمة النزاهة المالية العالمية" تقريرًا بعنوان "الخسائر المحتملة في الإيرادات المرتبطة بتزوير الفواتير التجارية في مصر"، من خلال تحليل قاعدة بيانات "الأمم المتحدة لتجارة السلع الأساسية" (الكوميتريد)، خلال تجميع البيانات المبلغ عنها من مصر؛ عن وارداتها وصادراتها السنوية والدول الشريكة لها، وبلغت الفجوة المقدرة في قیمة جمیع الواردات والصادرات المتلاعب بھا 8.5

ملیار دولار، أي ما یعادل 10.5% من إجمالي تجارة البلاد البالغة 80.5 ملیار دولار.

احتلت الصين المرتبة الثانية بين 30 دولة تستورد منها مصر في حجم خسائر الضرائب الجمركية، والتي بلغت 85.4 مليون دولار في 2016، وأن ما يقرب من نصف إجمالي الواردات منها معرضٌ لخطر التلاعب في قيمتها، وأهم هذه السلع هي: "السيارات، الآلات، الأجهزة الكهربائية، الأثاث، المعادن، الملابس، والأحذية".

تحتل الصين المرتبة الأولى بين الدول المصدرة لمصر خلال آخر خمس سنوات.

ومن خلال تحليل بيانات حجم الواردات المُبلغ عنها لـ"الأمم المتحدة" (الكوميتريد) من مصر وحجم الصادرات المبلغ عنها من الصين بين عام 2014 حتى 2017 وجدنا فارق مليارات تخسره مصرسنويًا.

ويقول الخبير الاقتصادي شريف الدمرداش إن أهم أسباب صدارة الصين للفواتير المزورة، هو وجود مكاتب وسيطة بين البلدين تورد البضائع بفواتير أقل من قيمتها الحقيقية، وأيضاً وجود درجات في جودة المنتج الصيني مثل الفرز الأول والثاني والثالث، ومن ثَم التلاعب في جودة الخامات وأسعارها.

علاوة على كبر حجم الدولة الصينية ما يضعف قوة الرقابة على كل السلع، إضافة للتساهل في بعض الأوراق بالجمارك المصرية، مثل قبول فواتير المكاتب الوسيطة بين مصر والصين، غير الموثقة.

ترجع أسباب وجود سلع مصدرة من الصين وغير مدرجة في واردات مصر، لحيلة "إعادة التصدير" التي يتبعها المستوردون خلال إبقاء السلع المستوردة في الميناء المصرية دون دخولها للجمارك، وتصديرها مرة أخرى إلى تركيا والاتحاد الأوروبي على إنها صناعة مصرية مع تغيير بيان العبوة، ومن ثم لا تسجل هذه البضائع لا في واردات ولا صادرات سجلات مصر بحسب ما أكده مصدر بالتهريب الجمركي تحفظ على ذكر اسمه.

في مقابلة مع مجدي عبدالعزيز رئيس مصلحة الجمارك الأسبق ومستشار وزير المالية للشؤون الجمركية، صرح بأن الصين وتركيا هما أهم مصدر لاصطناع الفواتير، والسبب أن منهج العمل في هاتين الدولتين غير منضبط في سياسة التصدير، فكل ما يهمهما هو تصدير أكبر كمية.

وتابع بأن اصطناع الفواتير يتم بطريقتين؛ إما من خلال الاتفاق مع المورد على قيمة فاتورة أقل ودفع باقي المبلغ؛ إما يدويا أو إرسال بضائع، والثانية من خلال تزوير الأختام والمستندات المقدمة للجمارك.

2

مما جعل الجمارك لا تقبل إلا بالفواتير المعتمدة من الغرف التجارية للدولة الأخرى وهذا حقق جزءًا من الطمأنينة بأن هذا هو المستند الصحيح، ما قلل من هذه الظاهرة.

وأضاف أن الموردين أحيانًا يقدمون الرسالة -وهو الملف المقدم للجمارك- مزورًا بالكامل، مثل تزوير الفاتورة على "أجهزة الإسكانر" في شركته الخاصة، أو تزوير "شهادة المنشأ" و"الكمية المستوردة" مثلا في إطارات الكاوتش؛ فيدعي أن اللفة مكونة من ٣٠، ولكنها مكونة من ١٤٠، ويزور "نموذج ٤" للبنك التحويلي و"شهادة الرقابة النوعية"، أو "طباعة لاصق عليه معلومات مختلفة عن نوع السلعة الحقيقي"، ما جعل الجمارك لا تقبل إلا بالفواتير المختومة من الغرف التجارية من الدولة الأخرى.

ولكن ما تواجهه مصر الآن هو غياب الشفافية لبعض المصانع بالصين ورفضها إعطاء السعر الحقيقي للجمارك، إضافة لوجود العديد من الشركات الوسيطة، ما يصعب الوصول للمورد الأصلي، بجانب الحرفية العالية لتزوير الفواتير.

وأضاف أن طريقة اكتشاف الجمارك للتزوير خلال مستودع المعلومات السعرية؛ وهي أسعار مرجعية من مصادر متنوعة منها؛ الفواتير المقدمة من موردين آخرين وأسعار من خلال الإنترنت وتصفح مواقع الشركات، وعن طريقه نعرف ما إذا كانت أسعار الفاتورة المقدمة حقيقية أم لا، بجانب تفتيش مكافحة التهرب الجمركي على مستندات الشركات في مقراتها.

وتشير التقديرات إلى أن التدفقات المالية غير المشروعة من مصر وصلت إلى 105.2 مليار دولار، وتشكل 14.7% من إجمالي التدفقات من أفريقيا وفقًا لتقرير اللجنة الاقتصادية لأفريقيا عام 2014، ومثلت مصر والجزائر 66% من هذه التدفقات الخارجة من شمال أفريقيا.

فسر مستشار وزير المالية للجمارك وجود سلع مستوردة بأعلى من قيمتها وخصوصًا الأجهزة الكهربائية ذات الفئة الجمركية العالية التي تتراوح من ٤٠ لـ٦٠٪، ويعني أن المورد سيدفع مبلغًا ماليًا ضخمًا بأنه غسيل أموال لتهريبها للخارج، وفي بعض الحالات في حالة السلع ذات الفئة الجمركية من ٥ لـ١٠٪ أو شراء كميات قليلة يشتري بقيمة أعلى لاحتكار السلعة في حالة إذا كان يصنع المنتج.

وقال الوزير المفوض "هان بينج" الملحق التجاري والاقتصادي بالسفارة الصينية بمصر في مقابلة معه: "إن مشكلة الفارق بين الإحصائيات الرسمية ليست فقط متعلقة بالصين ومصر، لكن مثلا دولة مثل أمريكا وصل الفارق ١٠٠ مليون دولار، كما أنه ليس كل فارق بين البلدين هو تدفق أموال غير مشروعة، فمن الممكن أن تكون أخطاء في الإحصائيات، أو أن المستورد لم يدخل السلع إلى مصر، وأعاد تصديرها مرة أخرى".

وأوضح أن الجمارك المصرية والصينية وقعت اتفاقية تبادل معلومات ضريبية وجمركية، كما سيوقعون اتفاقية "AEO" لاعتماد المستوردين المصريين من الصين.

السفير الصيني بالقاهرة

وتشير "منظمة النزاهة المالية العالمية" إلى أن 400 مليار دولار تدفقت بصورة غير مشروعة إلى الصين من هونج كونج عبر زيادة قيمة الفواتير بين عامي 2006 والربع الأول من عام 2013.

تسعى مصر لإنشاء قانون جمارك جديد منذ عام 2014، لكن بات الأمر ملحًا لإصداره؛ لميكنة الجمارك وتفعيل الربط الإلكتروني، وتغليظ العقوبات لحفظ أموال خزينة الدولة من الضياع.

ويقول مجدي عبدالعزيز مستشار وزير المالية إنهم بصدد إصدار فاتورة موحدة بين الجمارك والضرائب؛ لأن المستورد يزور فاتورتين إحداهما متدنية للجمارك، وأخرى مرتفعة للضرائب؛ ليتهرب من ضريبة الدخل والأرباح.

ووصت "منظمة النزاهة المالية العالمية" مصر بتشديد العقوبة على المخالفات التجارية؛ لأنها غير كافية لردع المجرمين، كما أوصت باستخدام أداة "G Trade" الإلكترونية الخاصة بالمنظمة، وهي أداة تتيح لموظفي الجمارك مقارنة أسعار السلعة من الدولة ومقارنة أسعار هذه السلعة بالسنين السابقة، وبأن مصر يجب أن تفكر في تسجيل الدخول؛ لدعم مبادرة أديس أبابا الضريبية (ATI)، وهي مجموعة من 55 دولة ملتزمة بتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية واستخدامها الفعال وتحسين الإنصاف والشفافية والكفاءة والفعالية لأنظمتها الضريبية.

تم نشر هذا المقال عن طريق (مصراوي).هذا المقال جزء من برنامج ثروات الأمم، وهو برنامج تطوير المهارات الإعلامية الذي تديره مؤسسة طومسون رويترز بالشراكة مع مركز التطوير الإعلامى. للمزيد من المعلومات إضغط الرابط http://www.wealth-of-nations.org/ar/ .مؤسسة طمسون رويترز ليست مسؤولة عن محتوى هذه المادة، ترجع هذه المسؤولية للمؤلف و الناشر.

فيديو قد يعجبك: