إعلان

"بعلم الوصول".. كيف وثق 4 آلاف "جواب" لتاريخ المصريين؟

04:22 م الأربعاء 16 أكتوبر 2019

الكاتب أحمد خير الدين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- هبة خميس:

في مخازن وأزقة باعة الكتب بسور الأزبكية، وبين أكشاك النبي دانيال في الإسكندرية، تجار التحف القديمة والوثائق بسوق الجمعة بالقرب من مقابر الإمام الشافعي، الموطن الأول لمحتوى البيوت المزالة والهدد، كان "أحمد خير الدين" يتجول في رحلة أسبوعية ضمن حملة بحث واسعة، ينقب خلالها عن خطابات ومراسلات قديمة تفوح منها روائح الحنين.

جمع "خير" ثمار بحثه في كتاب "بعلم الوصول"، والذي صدر مؤخرا عن دار الشروق، وهو مجهود تجميع وبحث مضني استمر قرابة الثلاثة أعوام من الرسائل العادية للناس.

72554294_956135404720213_7346812215762092032_n

الحكاية بدأت مع "خير" منذ الطفولة؛ فالخطابات كانت وسيلة تواصله الوحيدة مع الأب الغائب -مثل كثير من أبناء جيله- فبين طيات الورق هناك دوماً أب غائب أو أحبة فارقونا فنستحضر وجودهم برسالة تحمل الكثير من روحهم .

وينقسم "بعلم الوصول" إلى عدة فصول كل منها يحوي مجموعة من الخطابات الخاصة بشخص أو عائلة واحدة.

نشأ الشاب الثلاثيني في أحضان مدينة صغيرة، تطرح شبابها للعمل بين الأخشاب المتكدسة في المصانع ومعارض الأثاث، والبقية يهاجرون للعاصمة. المدينة التي ظلت تداعب خياله خلال سنوات الجامعة؛ محاولات المشاركة كصحفي في مجلات مثل "اضحك للدنيا" وجريدة الدستور الأسبوعي لم تكن كافية بالنسبة له، فبالإضافة للبعد عن الأماكن الثقافية شكلت صعوبة الوصول للكتب في مدينته الصغيرة والاكتفاء برحلات سنوية لمعرض الكتاب طريقاً مرسوماً بدقة للانتهاء من الجامعة والاستقرار في القاهرة مثل الكثير من رفاق جيله .

"صعوبة الوصول أحياناً بتضيف قيمة أكبر للأشياء وده خلى ارتباطي بالكتب يزيد"، يحكي خير عن مسار رحلته، في محاولة لعرض مساحة مغايرة لجيل هجر ملمس الرسائل الورقية وتحول للإلكتروني ربما أفقده ذلك متعة التراسل وشغفه.

الشاب الذي تغذى على الأدب بدأ في كتابة المقالات بشكل منتظم بعد ثورة 25 يناير فاكتشف كتابات الأديبة البيلاروسية "سفيتلانا ألكسييفيتش" قبل أن تحصل على نوبل في الآداب، وتزداد شهرتها للعالم العربي. كانت تلك الكتابة معبرة تماماً عما يريد الوصول إليه بطرح أصوات مختلفة عن حادث كبير مثل ما جرى في مفاعل تشيرنوبل، وكذا تشبه تلك التجربة كتابات "صلاح عيسى" الصحفي المؤرخ لوقائع مصرية عدة ألهمت "خير".

"بعلم الوصول" هو العمل الثاني لخير، الذي عمل صحفيا ومعدا ومراسلا تليفزيونيا، وكذا مذيعا إخباريا في عدد من القنوات المصرية والدولية، وفي كتابه الأول "من الشباك"، تساءل الشاب عن: كيف يرى أحدهم الحياة من داخل نافذة سيارة الترحيلات؟ قبل أن يشرع في تجميع القصص الواقعية التي كان أحدها لسجين من الستينات مازال يرويها منذ عشرات السنوات بتأثر بالغ. جلسات مطولة مع الأًصدقاء والرواة الحقيقيون بعد ذلك أصبحت القصص في كتاب يحمل جانباً آخر للثورة وتبعاتها لم نقابله على الشاشات ولا في الصور.

من طفل منتظر بشغف قبس من روح والده الغائب على شكل كلمات لهاوٍ يجمع الخطابات القديمة، لكاتب يطالع ما يحفظه الباعة في جنبات مخازنهم وبضاعتهم الخفية، كان "خير" يشبع فضوله الملح، بمعرفة ما تحويه الخطابات، وكيف كانت تفاصيل حياتهم تروى على سطور الورق، وإلى أي مدى يمكن استخدام تلك الرسائل كتأريخ مجتمعي لمراحل زمنية عاشتها البلاد، وهو يتتبع خطوط سيرهم أثناء الغياب "أكتر إشادة بالنسبة لي إن الكتاب مش مجرد نوستالجيا وإنما تأريخ لحياة المصريين".

مفاجآت عدة قابلها "خير" خلال رحلته "يعني كنت ألاقي مجموعة جوابات عند بياع والباقي عند بياع تاني وفي مكان مختلف تماما.. معظم البياعين مكانوش فاهمين أنا ليه بجمع الجوابات"، بروح الصحفي كان كل خطاب يفتح لـ"خير" مساحة جديدة من البحث، ومع كل مرة يسأله فيهم أحدهم منتى تنتهي رحلتك، تكون إجابته إن خطابا جديدا بدأ الحكاية ولم يُنهها .

على الرغم من اهتمام الكتاب بذاتهم المعبرة عنهم من خلال الكتابة لا يشغل "خير" نفسه كثيراً بمدى تحققه ووجوده على صفحات كتابه فيكتفي بحضور خفيف متمثل في اختيار الخطابات وترتيبها والتعليق عليها .

أكثر من أربعة آلاف خطاب كانت في جعبة "خير"، راح يرسم لها خريطة كي يقرأ الناس الكتاب كحالة كاملة دون قطعه بالهوامش أو وجوده الخفي من خلال تعليقه حتى لا يؤثر ذلك على انطباع الناس عن محتوى الرسائل .

"الدهشة" هو الشعور الغالب على كيان "خير" عقب تلقي القراء للعمل "الكتاب عمل حالة تشاركية واكتشفت ناس كتير بتجمع جوابات.. وعرضوا عليا أستخدمها و ده كان مفاجيء جدا ليا".

"بعلم الوصول" فتح آفاقا جديدة لكاتبه، الذي يرى أنه لم يزل في مرحلة التجريب واكتشاف النفس، وكذا أدواته في الكتابة، ويعتبر أن النقد والانفتاح على القارئ أفضل طريق لمساحات أكثر إبداعا، ويسعى "خير" خلال الفترة المقبلة للبدء في مشروعين متزامنين يدوران حول فكرة الانتقال للحياه خارج مصر.

فيديو قد يعجبك: