إعلان

أم تضطر للعمل كسائقة ميكروباص.."مرار الشارع علقة وزيادة الأسعار علقتين"

02:34 م الإثنين 07 نوفمبر 2016

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:
ارتعشت يداها حين أمسكت بمقود السيارة للمرة الأولى، فجأة خرجت من متسع الرفاهية إلى ضيق الشارع لتعمل سائقة ميكروباص.

عامان مرّا على سماح عبد المنعم، 36 عاما، وهي تمارس تلك المهنة سعيا نحو معيشة أفضل توفرها لأولادها. وفيما تعمل لأكثر من 12 ساعة يوميا، لا تستطيع التأقلم مع زيادة الأسعار بعد اجراءات اتخذتها الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي. تلك الاجراءات ضمت تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار (تعويم الجنيه)، تبعه رفع أسعار الوقود، مساء الخميس الماضي.

ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 45 في المئة. تعين على "عبد المنعم" مع هذه الزيادة إضافة 20 جنيها يوميا لتزويد سيارتها بالوقود.

انفصلت "عبد المنعم" عن زوجها بعد أن كشفت السيارة وجهه الآخر. "جبتها من 3 سنين عشان يشتغل عليها بس مكنش بينزل يشتغل". لم تستطع الصبر على الحياة معه فباتت وحيدة وفي عنقها ثلاثة أطفال أكبرهم في الصف الثالث الإعدادي، إضافة إلى 1350 جنيه يلزم توفيرها شهريا لدفع أقساط السيارة، مما اضطرها للنزول إلى الشارع والعمل على سيارتها "كميكروباص".

سماح عبد المنعم

الزيادة الحالية في ثمن الوقود ليست الأولى، ففي يوليو 2014 رفعت الحكومة أسعاره بنسبة تراوحت بين 40 في المئة و78 في المئة في إطار إجراءات هدفت إلى خفض عجز الموازنة وإنعاش الاقتصاد المتعثر بعد سنوات من الاضطرابات السياسية منذ يناير 2011.

لمواكبة تغير الأسعار، قررت "عبد المنعم" توصيل طلاب المدارس مع بداية 2015، "ببقى معاهم من ستة الصبح لتمانية وبعدين بجيبهم الساعة اتنين الظهر". تتقاضي 150 جنيه شهريا عن كل طفل "بيركب معايا 13 واحد،" تقول السيدة.

مع الزيادة الأخيرة في البنزين لم تجرؤ على مطالبة أولياء الأمور برفع المبلغ "الناس أصلا حالتهم صعبة"، كما أنها مازالت تشعر بحيرة تجاه أجرة الميكروباص. "فيه ناس بتعمل نفسها عبيطة وبيجادلوا في الفلوس بس انا مبسكتش عشان دة قوت ولادي"، تقول "عبد المنعم" مضيفة إنها رفعت أجرتها من جنيه ونصف إلى جنيهين فقط منذ الخميس.

كانت سماح تعلم ما تخوضه كسائقة ميكروباص، لذا لم تدر محرك السيارة إلا قبل دراسة ما هي مقبلة عليه "ركبت ميكروباصات لكل منطقة في الهرم والجيزة عشان اعرف الأجرة كام". كذلك فعلت حينما زادت تسعيرة الركوب بعد ارتفاع أسعار البنزين، منطقها في ذلك "لما اقول للزبون اتنين جنيه وهو بيركب بجنيه ونص هيتخانق معايا".

سماح عبد المنعم

تنازع "عبد المنعم" بين عملها داخل قسوة الشارع، وبين أمومتها وما تتطلبه من ملازمة للمنزل لفترة طويلة، لكن خبرة الشارع منحتها قوّة لتدبير شئون البيت، فاستطاعت التنازل عن رفاهيات الطعام خلال الأشهر الأخيرة "مشترتش لحمة من 4 شهور من ساعة ما بقت بـ90 جنيه".

في المقابل لم تتخلَ الأم عن الدجاج، لكنها تتحايل على أسعاره "بشتري 10 فرخات أول الشهر من الفرارجي وبحاسبه بعدها بـ15 يوم وهو عشان ضامنّي فبيديني شُكك". تُدقق "عبد المنعم" في الكميات، فتُوزع نصف دجاجة يوميا عليها وأولادها "مبقدرش أجبلهم فراخ كتير بس أحسن ما أحرمهم منها"، بينما الفاكهة تدخل المنزل مرة واحدة شهريا بما لا يزيد عن 10 جنيهات، وفي الخضروات تعتمد على البطاطس والبصل، رغم وصول سعر الأخير إلى ستة جنيهات، إذ تستطيع صُنع وجبة متكاملة منهما مع كوب من الأرز.

من أجل محاولة تحصيل 100 جنيه يوميا عائد الميكروباص، صبرت سائقة الجيزة/هرم على مشقة ما تلاقيه من المسؤولين خلال عملها كأحد الضباط الذي قال لها ذات مرة "لو أنت ست محترمة مكنتيش اشتغلتي كده"، وكذلك الناس أنفسهم بداية من الرافض للركوب معها فقط لأنها سيدة فيرمقها نظرة تكون أقسى على نفسها من الكلمات، وتلك الراغبة في معرفة تفاصيل حياتها، أو الفتيات المتوجسات منها، وانتهاءً بمن يظن فيها سوءً "اللي يسيب تليفونه أو يقول لي تعالى نتعشى بعد ما تخلصي".

ضغوط تلاحق السيدة الثلاثينية طيلة تواجدها بالشارع، سلبتها المهنة الطابع الأنثوي "بقالي سنة محطش كحل مثلا عشان الناس دماغها مش مضبوطة وهتفهم غلط"، إلا أنه ينازعها مع كل موقف تتعرض له، فيغالبها الضعف إن صدم أحدهم سيارتها، ومع كل نظرة سيئة أو مخالفة مرورية "بقف ساعات على جنب واعيط لأن الناس مش عارفة الواحد بيتعب قد ايه على القرش".

سماح عبد المنعم

في يوليو الماضي، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن متوسط الدخل السنوي للأسرة المصرية بلغ 44 ألف جنيه خلال عام 2015، أي ما يُعادل 3000 جنيه شهريا، وهو الرقم الأقرب لما تحصل عليه "عبد المنعم" رغم أنه يكفي بالكاد "بس مقطوع منه قسط عربية وتصليحها وأكل وشرب وهدوم و500 جنيه دروس للعيال و300 جنيه إيجار شقة.. يا دوب بيكفّي الأساسيات من غير رفاهية".

فكرت "سيدة الميكروباص" مرارا في بيع سيارتها، لكن حبها للمهنة جعلها ترغب في العمل لصالح شركات القيادة الخاصة أو الإبقاء على سيارتها وتوصيل طلاب المدارس، فذلك أقل مشقة، غير أن غلاء الأسعار الجاري يحول بين تنفيذها ذلك "المشاوير الخاصة مش هتوفر احتياجات البيت"، لذا تركض منذ أشهر ماضية للحصول على "معاش الكرامة" الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي للأسر الأكثر فقرا، لعله يعينها إلى جانب قيادة السيارة، فهي تعتقد أنها تحتاج على الأقل إلى 5 آلاف جنيه شهريا للوفاء بالاحتياجات اليومية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان