إعلان

في مصر.. مرضى الهيموفيليا يخدمون أنفسهم "عشان باب الحكومة مقفول"

01:15 م السبت 12 ديسمبر 2015

مرضى الهيموفيليا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

 

كتبت - دعاء الفولي:

منذ نعومة أظافرهم يُدركون أنهم مختلفون عن البقية، أي خدش قد يودي بحياتهم، إذ لا تتجلط جروحهم، فتتدفق الدماء حتى الوفاة أو أخذ العلاج؛ الهيموفيليا هو المرض الذي يحمله أكثر من 10 آلاف مواطنًا مصريًا، يتعاملون مع احتمالات مرعبة للنزيف، ومعظمهم لا يستطيع توفير حقن "الفاكتور" باهظة الثمن، غير أن بعضهم حاول القفز على الواقع، لم يركَن على أبواب الدولة كي يحصل على العلاج، بل راهن على مجتمع المرضى أنفسهم والمواطنين الراغبين في المساعدة.

اعتاد محمد حسن منذ عشرين عامًا، التردد على الأطباء، وُلد وشقيقاه –أحمد وسيد- مصابين بالهيموفيليا، في المستشفيات كوّن صداقات وحياة ومجتمع لم ينفصل عنه إلى الآن، قبل أن ينضم لجروب "هيموفيليا مصر" الذي كان سبب إنشائه وجود شبكة يتواصل المرضى من خلالها "احنا بنحاول نساعد بعض.. فيه ناس مننا ماتت وفيه رجليهم اتبرت وفيه بقوا على كرسي متحرك".

1 (2)

تبادل الأخبار ومحاولة التخفيف والتصبر كان اتجاه المجموعة في البداية، قبل أن يتجه القائمون عليه للكتابة عن حالات تعاني من المرض بغرض تعريف الناس بمشاكلهم.

صار مجتمع "هيموفيليا مصر" أوسع، مرضى من القاهرة، الغربية، الإسكندرية، الصعيد ومحافظات مختلفة، تارة يكتب المرضى عن أوجاعهم وأخرى يتواصلون مع بعضهم لمساعدة المحتاجين، لكن بعد أن يتأكد أصحاب الجروب من صدق الحالة، سريعًا يذهب أحدهم للأهل للجلوس مع المريض ومعرفة بياناته، ونشرها على الصفحة كي يتواصل معه الراغبون في المساعدة، على حد قول حسن، أحد القائمين على الصفحة.

2

حقنة "الفاكتور 8" التي يحتاجها مريض الهيموفيليا ثمنها 1100 جنيهًا، تتفاوت عدد المرات التي يجب عليه أخذها من شخص لآخر "انا بحتاجها مرتين في الأسبوع بس في غيري بياخدها في اليوم مرتين.. على حسب الحالة"، أما "الفاكتور 9" فثمنها يصل إلى 2200 جنيهًا "ودي مش موجودة إلا نادرًا وعادة بتيجي من برة متهربة"، يحكي حسن. الذي صار خبيرًا بتلك الأمور، فيما وصل عدد أعضاء الجروب إلى 1850 شخصًا "منهم 1500 مرضى والباقي هما أهل العيانين".

بين براثن المرض تعيش أماني حسن، ابنها أحمد عمره 13 عامًا، يتردد على مستشفى الشاطبي بالإسكندرية، لأخذ بلازما مرتين يوميًا – نقل دم كبديل عن الفاكتور "بنتنقل بين المستشفيات من وهو عمره ست شهور"، الحقن التي يحتاجها الطفل ليست متوفرة طوال الوقت "الشاطبي أو مستشفى الميري أو غيرهم مبيدوش الحاجات دي.. لو عايزة تشتري من بره".

لم تتخلَ الوالدة عن جيرانها في الشقاء، آخرهم محمد صابر ذو الـ16 عامًا، والقابع بمستشفى الميري بالإسكندرية، فمنذ عام اضطر للخضوع لعملية بتر بالقدم اليُسرى لعدم توفر "الفاكتور 9"، ومنذ ثلاثة أسابيع حدث له نزيف حاد بالقدم اليُمنى، جعله بين خيار البتر مرة أخرى أو الموت، في تلك الأثناء علمت أماني بما ينتظر الفتى، فاتجهت لمستشفى الميري "لقيته في قسم الجهاز الهضمي صورته وبعت صورة لمحمد حسن وكلمته عشان يكتب على الجروب إننا محتاجين حقن"، ثم طلبت من الأطباء نقله لقسم العظام "قالولي معندناش عظام هنا روحي مستشفى الناريمان".

3حين ذهبت السيدة الثلاثينية لـ"ناريمان"، أخبروها أنهم يرسلون نائبي عظام يوميًا للميري "قالولي اعملي محضر في بتوع الميري ولما روحت أعمل المحضر الأمين قاللي محدش هيجبلك حقك"، مع العودة مرة أخرى حيث يقيم صابر، توسلت السيدة للجراحين لإدخاله العمليات "كان لازم يحصل بتر لأن الغرغرينا بتاكل رجله بس كانوا خايفين عشان الحقن مش كتير"، في ذلك الوقت استطاع آل الخير توفير 22 حقنة لصابر "لما كتبنا ونشرنا الصورة الناس أخدتها ونشرت على صفحات كبيرة وبدأوا يتصلوا ويبعتوا عشان يساعدوا" يقول حسن، فيما بقيت أماني مع والدته عقب دخوله حجرة العمليات لمدة أربع ساعات، لبتر القدم اليمنى.

لا تساعد أماني الفتى ومن غيره من أجل الربح "احنا زي بعض وعارفين ولادنا بيعانوا إزاي.. لو مساعدناش نفسنا الدولة مش هتعمل حاجة"، لمست ذلك من وعود مسئولي وزارة الصحة بالاهتمام بهم دون نتيجة "مفيش حتة مروحناهاش لدرجة إني كلمت حد من مكتب الوزير وقاللي حاضر وبرضو مجراش حاجة"، أما ابنها فمعاناته مستمرة، لم تستطع إلحاقه بالمدرسة "عشان محدش يزقه ولا يتخبط"، بينما تبقى لها نفس أمنية الذين تحاول مساعدتهم "الفاكتور يبقى موجود دايما.. نقل الدم مش آمن وكتير أعرفهم جالهم فيروس سي بسبب البلازما بس مفيش حل تاني".

تصرف الدولة كل 6 أشهر لمريض الهيموفيليا 2200 جنيهًا، ما يكفي ثمن حقنتين فقط، ورغم أن ضحايا الهيموفيليا يدخلون في فئة ذوي الإعاقة المستحقين لنسبة الـ5% من المهن بالدولة "لكن معظمنا مبيشتغلش"، كذلك الحال مع سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة "بيقولولنا مش هتنفع ليكو عشان الخطر.. طب وهو مش خطر إني أركب ميكروباص ولا مواصلات عامة؟" على حد قول حسن.

4

يعمل الشاب السكندري -خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية- بوزارة التربية والتعليم كموظف إداري "نسبة الـ5% بتاعتي كنت مقدم عليها من وقت الثورة واشتغلت السنة اللي فاتت". لا يتوانى عن تشجيع متابعي الجروب "أولياء أمور بيبقوا قلقانين إن ولادهم رجليهم تتقطع أو يحصل لهم الأسوأ"، أحيانًا لا يقتنع بما يقول، لكن الأمل هو ما يتمسك به أهل المريض حتى لو تأخرت حالته، وحين يحكي عن مجتمع المرض يتمسك الشاب العشريني بمطلبه الأهم "توفير الحقن لأنها بتخلي المريض يعيش حياة شبه طبيعية".

 

فيديو قد يعجبك: