إعلان

وثائق بريطانية : حسني مبارك خاصم بريطانيا علنا وصالحها سرا رغم إيوائها متطرفين إسلاميين

02:37 م الخميس 31 مارس 2022

كانت أجواء مباحثات مبارك وبلير ودية للغاية رغم الخ

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن- (بي بي سي):

كانت أجواء مباحثات مبارك وبلير ودية للغاية رغم الخلافات العلنية بشأن إيواء بريطانيا لمتطرفين صدرت ضدهم أحكام في مصر تدينهم بالإرهاب.

رغم الخلافات بين مصر وبريطانيا بشأن إيواء الأخيرة متطرفين إسلاميين معارضين، لم يكن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك يعتبر هذه القضية، في الواقع، مهمة بالقدر الذي أوحى به غضبه المعلن، حسبما تكشف وثائق بريطانية.

وتكشف الوثائق، التي أفرجت عنها رئاسة الوزراء البريطانية، عن أسباب رفض بريطانيا طلبات حكومة مبارك المتكررة طرد المتطرفين أو تسلميهم لمصر، ومنها ضرورة توفر أدلة قاطعة على أن المتطرفين المطلوبين "إرهابيون حقيقيون".

وظهر الخلاف بين القاهرة ولندن إلى العلن لأول مرة بعد مذبحة مدينة الأقصر، أحد أكبر الحوادث التي وصفت بالإرهابية في تاريخ مصر الحديث.

وقعت المذبحة في معبد حتشبسوت في الدير البحري بالمدينة السياحية الأثرية يوم 17 نوفمبر عام 1997، وقتل فيها 58 مصريا وسائحا أجنبيا، بينهم 6 بريطانيين، منهم طفلة في الخامسة من عمرها.

واتهم مبارك وكبار مسؤولي حكومته آنذاك، علنا وهو سلوك غير مسبوق، بريطانيا بإيواء الإرهاب. ونشرت الصحف المصرية قائمة تضم 14 "إرهابيا" مطلوبا بتهمة الضلوع في المذبحة التي هزت العالم. وقالت السلطات المصرية إن ثلاثة منهم يعيشون في بريطانيا هم ياسر السري وعادل عبد الباري وأحمد إبراهيم النجار .

استرضاء مبارك

وتكشف الوثائق عن أن السلطات البريطانية توصلت، بعد فحص القائمة المصرية، إلى التالي: "السري قدم طلبا رسميا للحصول على اللجوء السياسي (الذي حصل عليه فقط عام 2021 إثر معركة قضائية ماراثونية، أي بعد 24 عاما من وصوله إلى بريطانيا). أما عبد الباري، فلديه حق الإقامة الدائمة في بريطانيا. وفي ما يتعلق بالنجار، فإنه يُعتقد بأنه ليس في بريطانيا".

ولم تشر الوثائق صراحة إلى ما إن كانت الحكومة البريطانية أبلغت السلطات المصرية بهذه النتائج أم لا.

ورغم الانتقادات المصرية القوية العلنية لبريطانيا، لم يشر مبارك، على الإطلاق، إلى هذا الاتهام في برقية بعث بها ردا على تعازي بلير في ضحايا مجزرة الأقصر. بل إنه تعهد بالعمل على عدم تكرار مثل هذه الحوادث. وقال "لست بحاجة لأن أؤكد لكم أن هذا الحادث هو استثناء عارض سوف نبذل كل ما في وسعنا لكي لا يتكرر أبدا".

في الشهر نفسه، عرض مكتب بلير على الخارجية فكرة أن يحاول رئيس الوزراء استرضاء مبارك بسبب أهمية دوره في كثير من الملفات المهمة لسياسة بريطانيا الخارجية ومصالحها.

ووُصف مبارك بأنه "لاعب إقليمي رئيسي في عملية السلام في الشرق الأوسط، وفي قضايا إقليمية أخرى ... وكذلك هو مهم ولا غنى عنه بالنسبة لمصالحنا الممتدة في مصر".

وأعدت الخارجية، استجابة لطلب 10 داوننغ ستريت، صيغة مقترحة لرسالة من بلير إلى مبارك.

ووصفت الرسالة مكافحة الإرهاب بأنها "أولوية قصوى" لحكومته وأكدت "دعم المملكة المتحدة لمصر" في المعركة ضده. غير أنها لم تعد بالاستجابة لطلب طرد المتطرفين أو تسليمهم.

واعترفت الرسالة المقترحة بأن "وجود المتطرفين في المملكة المتحدة مصدر قلق هائل. وهم ليسوا مرحبا بهم".

مذبحة الأقصر صدمت العالم وحشدت دعم الرأي العام العالمي لمصر.

وبررت إيواء بريطانيا لهم قائلة "نحن جادون في الوفاء بالتزاماتنا وفق القانون الدولي، خاصة معاهدة الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، والتشريع المحلي المنبثق منها".

وينص مبدأ المعاهدة الأساسي على عدم الإعادة القسرية، الذي يلزم الدول الموقعة بعدم إعادة اللاجئ إلى بلد يواجه فيه تهديدات خطيرة لحياته أو حريته.

وأكدت الرسالة احترام الحكومة البريطانية لسيادة القانون، وقالت إن "كل طلب لجوء ينظر وفق حالة مقدمه. ومحاكمنا ستعاقبنا ما لم نلتزم بالقانون".

وحاولت طمأنة مبارك قائلة "نحن نراقب بحرص هؤلاء الذين ربما يكون لهم صلات بالإرهابيين في الخارج. وجهازنا الأمني مشارك بفعالية في ذلك".

غير أنه بعد مشاورات داخلية مكثفة، تقرر ألا ترُسل الرسالة لأنها "لا تتضمن شيئا مرحبا فيه في مصر، وسوف تثير غضبا ومزيدا من الانتقادات" هناك.

وترجع أهمية الرسالة إلى أنها تعكس فحوى آراء الأجهزة البريطانية المختلفة بشأن قضية وجود المتطرفين في بريطانيا، وسبب إصرارها على عدم تسليمهم.

"ارتفاع حاد في الرصيد"

بعد حوالى شهر، أبلغ السكرتير الشخصي لبلير السفير المصري لدى لندن بأن رئيس الوزراء "يريد أن يعلم مبارك أننا نفعل كل ما يمكننا في إطار قانوننا لمنع الإرهابيين من العمل انطلاقا من المملكة المتحدة".

غير أن المسؤول البريطاني لم يحدد أفعال بلاده لتحقيق هذا الهدف.

وبعث السكرتير برقية إلى وزير الخارجية البريطاني يعبر فيها عن قلق رئاسة الوزراء من استمرار "الشكوى المصرية على أعلى المستويات من أنه يجب علينا أن نفعل المزيد للتعامل مع الأشخاص المقيمين في المملكة المتحدة المنخرطين في نشاط إرهابي".

وأبلغ السكرتير الوزير بأن بلير سوف يرسل رسالة إلى مبارك بهذا الشأن. وطلب موافاته بالتدابير التي تتخذها الحكومة البريطانية في هذا المجال لتضمينها في الرسالة المقترحة.

وفي رسالته، قال بلير"أنا على دراية تامة بقلقكم من أنشطة المتطرفين المصريين في المملكة المتحدة ... نحن نقدم أقصى تعاون على مستوى الأجهزة المعنية. أعتقد أن أجهزتكم تقدر هذا التعاون".

ولم تتضمن الرسالة، التي سلمها ديريك فاتشت وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية لمبارك في فبراير 1998، أي تعهد باتخاذ الإجراءات التي أصرت مصر على أن تتخذها بريطانيا.

بعد شهرين تقريبا، اكتشف البريطانيون ما اعتبروه مفاجأة.

فرغم أن الدبلوماسية البريطانية استعدت لمواجهة متوقعة بين مبارك وبلير، في أول زيارة للأخير لمصر، في أبريل 1998، بشأن إيواء بريطانيا متطرفين معارضين للنظام المصري، تبين أن الضجة التي أثارها مبارك بشأن هذه القضية لم تكن بالجدية التي أقلقت البريطانيين.

فبعد أن اتُفق على الزيارة، كتب السفير البريطاني في القاهرة إلى وزارته ينصح بأن مبارك قلق من تحدي الإسلاميين السياسي إلى درجة أنه "يعتبرهم أحد التهديدات الداخلية" لنظامه. وأبلغ السفير لندن بأن معلوماته تؤكد أن مبارك "طلب من مسؤوليه إحاطة كاملة" بشأن قضية المتطرفين الإسلاميين المصريين المقيمين في بريطانيا.

استقبال "دافىء"

وزاد هذا من تحسب البريطانيين لما قد يصدر عن مبارك خلال لقائه المرتقب ببلير، حسب الوثائق.

وتوقع السفير أن تكون هذه قضية شائكة في المباحثات، ونبه إلى أن مبارك "ساخط خصيصا على كون الأشخاص الذين ثبتت إدانتهم (في مصر) بمحاولة قتل سياسيين بارزين قادرين التحرك والكلام بحرية في بريطانيا".

ونصح السفير بأن يشير بلير، خلال لقاء القمة، إلى أنه من المحتمل تقديم تشريع مقترح إلى البرلمان البريطاني بشأن التعامل مع "التآمر لارتكاب أعمال إرهابية في خارج" بريطانيا، وإن كان التشريع "لن يعالج هَمَّ مبارك الرئيسي وهو طرد المعارضين الذين ينتمون إلى الجماعة الإسلامية من المملكة المتحدة".

وحددت وزارة الخارجية أحد أهداف الزيارة بأنها "طمأنة مبارك على عزم بريطانيا على ملاحقة الإرهابيين الحقيقيين".

وخلال لقاء استمر 90 دقيقة، لم يعط مبارك الأهمية التي توقعها بلير ومرافقوه للقضية، حسب محضر المحادثات.

ويكشف المحضر أن مبارك شدد على أن عدم تحقيق تقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط "يغذي التطرف الإسلامي في مصر وغيرها"، وأن البريطانيين "لديهم بعض هؤلاء المتطرفين في لندن أيضا".

غير أن السكرتير الشخصي لبلير أشار إلى أنه فوجىء من موقف مبارك. وعلق على مجمل اللقاء قائلا "كان مبارك ودودا للغاية طوال اللقاء، ولم يتابع إشارته العابرة إلى المتطرفين الإسلاميين في لندن، وقال بصراحة، ردا على سؤال في مؤتمر صحفي لاحق، إن تلك ليست قضية مهمة".

وفضلا عن ذلك كان التقييم البريطاني لنتائج زيارة بلير للقاهرة إيجابيا للغاية.

وفي هذا التقييم، قال السفير البريطاني "الزيارة كانت ممتازة. وارتفع رصيدنا (في مصر) ارتفاعا حادا".

وأضاف "في ما يتعلق بالشؤون الثنائية، فإن السمة الأجدر بالملاحظة هي إشارة مبارك العابرة في السر إلى المتطرفين في بريطانيا. وتأكيده في المؤتمر الصحفي على أنها ليست قضية مهمة".

وبعد إشارته إلى "تقدير" مبارك وحكومته للاستثمارات البريطانية و"رغبتها في علاقات اقتصادية وتجارية أقوى"، انتهى السفير إلى القول :"لقد كانت الزيارة، إجمالا، ممتازة. معاملة المصريين لنا كانت رفيعة المستوى، وكان رد فعلهم، كما هي العادة، على الاتصال الشخصي، دافئا. وكان التعامل الإعلامي شاملا وإيجابيا للغاية".

وبعد الزيارة التي استمرت يومين، تمنى بلير، في اتصال هاتفي بمبارك، أن يزور مصر لفترة أطول.

ثار خلاف بين مصر وبريطانيا أثناء حكم نظام مبارك بشأن حدود البرامج البريطانية لتدريب أفراد وزارة الداخلية المصرية على المهارات اللازمة لمكافحة الإرهاب

وحسب سجل المكالمة، فإن مبارك رد قائلا إنه "سوف يرسل طائرة لإحضار رئيس الوزراء وعائلته لقضاء إجازة إذا أراد رئيس الوزراء".

ماذا تكشف الوثائق أيضا؟

تكشف الوثائق عن خلاف حاد بين نظام مبارك وبريطانيا بشأن حدود برامج التدريب على مكافحة الإرهاب.

وفق الوثائق، فإن التعاون في هذا الوقت بين الجيش البريطاني ووزارة داخلية مصر ـ المسؤولة حينها عن مهمة مكافحة الإرهاب في البلاد ـ كان أكبر بكثير من التعاون مع وزارة الدفاع المصرية.

فبريطانيا دأبت منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي على "توفير برنامج كبير، بتمويل من وزارة الخارجية البريطانية، لتدريب وحدات وزارة الداخلية المصرية تنفذه القوات الخاصة البريطانية". وتكلف هذا البرنامج "مليون جنيه استرليني" بين عامي 1996و 1998.

غير أن الحكومة البريطانية كانت حريصة، كما تقول الوثائق، على "التوازن الحريص بين الاعتراف بالحاجة إلى تعزيز قدرات القوات المصرية المسؤولة، ضمن مهام أخرى، عن حماية السائحين البريطانيين، وبين سجل أفراد وزارة الداخلية المصرية محل التساؤل في مجال حقوق الإنسان". وأدى هذا الحرص البريطاني إلى أن يكون برنامج التدريب آنذاك "مقصورا بشكل صارم على مهارات الاستعداد الدائم الدفاعية مثل حماية الشخصيات البالغة الأهمية".

وبسبب من هذا التوجه الأمني البريطاني، لم تكن الأمور تسير وفق ما تريده وزارة الداخلية المصرية.

فقد "قاوم البريطانيون طلبات (مصرية) للحصول على مهارات أكثر هجومية، مثل وسائل الاقتحام الآمن والقنص"، أي تدريب قوات الأمن على اقتحام المباني دون التعرض لمخاطر، واكتساب مهارات استهداف الأشخاص بالرصاص عن بُعد.

ووافق البريطانيون، كحل وسط، على "وضع ترتيبات لبرنامج متابعة يتعلق بمساعدة مشابهة" لما يريده المصريون.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: