إعلان

مجدي الجلاد يكتب: وزير التعليم.. معركة تكسير الأصنام

الكاتب الصحفي مجدي الجلاد

مجدي الجلاد يكتب: وزير التعليم.. معركة تكسير الأصنام

مجدي الجلاد
12:14 م الإثنين 01 سبتمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

قبل نحو 70 سنة، بدأت منظومة التعليم المصري رحلة الصعود إلى الهاوية، حتى وصلت بنا الحال في العام 2013، إلى احتلال المركز الأخير في جودة التعليم الأساسي، بين 144 دولة.

هكذا، فإن مصر التي كانت تقف على قمة جبل هائل من العلوم يمتد على مدار 7 آلاف سنة، تدحرجت تدريجيا حتى وصلت إلى السفح.

أمة بلا تعليم، هي أمة بلا رأس، ولا مستقبل، هذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها حتى الجاهل.

ورغم ذلك، طوال العقود الماضية، ظلت أيادي وزراء التعليم مرتعشة، وخيالهم لا يصل أبعد من عمليات إنعاش لعملاق ميت، واعتمدوا على سياسة المسكنات، دون الاقتراب من أصل الكارثة.

تقوم العملية التعليمية على 3 أعمدة: المبنى والمعلم والمناهج.. والثلاثة في مصر يعانون أزمات مُتراكمة.. ولا أحد يجيب عن السؤال الأخطر: كيف نتحدث ونُطلق الشعارات حول التقدم والتطور، بينما التعليم لدينا يتخلف يوماً بعد يوم..؟!

في السنوات العجاف: وصل عدد الطلاب في الفصل الواحد أحيانا إلى 200 طالب. وتراجعت أجور المعلمين إلى أرقام متدنية، حتى هجر كثير منهم مهنته، ولم يعد أحد يقف للمعلم ولا أحد يمنحه التبجيلا.

أما المناهج، فبعضها يقدم للطلبة علوما مهجورة، تجاوزها عالم وصل بمركباته إلى سطح المريخ.

وفي ظل هذا المثلث القاتل، تحول التعليم إلى كابوس يحرم الأبناء والآباء النوم، ووحش جائع يلتهم ميزانيات الأسر، وامتلأت جامعاتنا بطلاب لا يجيدون كتابة أسمائهم، وخريجين يحملون شهادات لا تصلح حتى لتعليقها في برواز على حائط بيت العائلة.

هل رأيتم مشاهد امتحانات الثانوية العامة؟!.. نحن الدولة الوحيدة التي تهتم بأخبار الثانوية العامة، بل نرقص ونطبل أمام اللجان في اليوم الأخير للامتحانات، ونطلق الألعاب النارية احتفالا بخروجنا وأبنائنا من آلة التعذيب.

فهل حان الوقت للتغيير؟

نعم.. هناك بشائر وإشارات لا تخطئها العين، تقول أن الأمل يلوح في الأفق، فخلال 14 شهرا تقريبا، منذ تولي محمد عبداللطيف، حقيبة التعليم، رأينا بوادر لمنظومة جديدة، تدرك أن الإدارة الصحيحة، هي المخرج الحقيقي لأزمتنا.

كانت البداية، بحل معضلة فصول التعليم الأساسي المكتظة حتى الشهادة الإعدادية، في نفس الوقت الذي انقرضت فيه فصول الثانوية لغياب الطلاب بشكل كامل عن المدارس.

في الموسم الدراسي 2023/2024، كانت نسبة الحضور في المدارس لا تزيد على 15%، وقفزت في العام المنقضي 2024/2025 إلى نحو 85%.

ومن خلال حلول مبتكرة لأزمة كثافة الفصول، انخفض عدد الطلاب إلى 50 طالبا في الفصل الواحد كحد أقصى، بعد إضافة 98 ألف فصل جديد.

أيضا في الموسم الدراسي 2023/2024، وصل العجز في أعداد المدرسين إلى نحو 469 ألف معلم وفي العام 2024/2025 انخفض العجز بنسبة 99% في المواد الأساسية.

ولإعادة الهيبة إلى التعليم الفني، أصبح لدينا الآن 1284 مدرسة فنية، من المقرر أن تتحول إلى مدارس تكنولوجية. ولدينا الآن 90 مدرسة للتكنولوجيا التطبيقية، إضافة إلى 50 مدرسة أنشئت بالتعاون مع إيطاليا.

ويأتي مشروع البكالوريا الجديدة بنظامها الذي يواكب تطورات العصر، ليمثل ضربة لواحد من أكبر أصنامنا التاريخية: الثانوية العامة. تتيح البكالوريا أخيرا مسارات محكمة نحو الدراسة الجامعية المتخصصة، ليتخلص الطلاب من من تلك المناهج البدينة التي كانت تجعلهم يسألون أنفسهم دائما: لماذا ندرس هذا الكلام؟!.. ولماذا لا نتعلم مثل الطلبة في برامج التعليم الأمريكية والبريطانية والألمانية المُطبقة في مصر والعالم كله؟!.. وهل نظام الثانوية العامة العتيق، سوف يتحكم في مستقبلنا، ويُرسخ عُقدة، استعصت عن الحل منذ زمن آبائنا وأجدادنا؟!

لذا.. فحين تُطلق الوزارة أكبر عملية تطوير شاملة للمناهج الدراسية في تاريخ مصر الحديث، لابد أن نقف جميعاً معها، لا أن ننجر وراء "مافيا" الدروس الخصوصية، و"السناتر"، التي تلتهم ميزانية الأسرة، المُثقلة بالأعباء، خصوصاً ان تطوير المناهج يتم دون أن تتحمل الدولة أي أعباء مالية، في خطوة تعكس التزام الوزارة بتقديم تعليم عالي الجودة ومواكب للعصر، ضمن رؤية واضحة لبناء الإنسان المصري وتعزيز مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب.

وتشمل المناهج المطورة: اللغة العربية: من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني الإعدادي. والتربية الدينية الإسلامية والمسيحية من الصف الأول الابتدائي وحتى الثاني الإعدادي، والدراسات الاجتماعية: الصفوف الرابع، والخامس، والسادس الابتدائي، والثاني الإعدادي. واللغة الإنجليزية: من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية، والعلوم: الصف الثاني الإعدادي، الرياضيات: الصف الثاني الإعدادي.

كانت هذه أكبر ضربة لأصنام المناهج الدراسية التي ظل الاقتراب منها، محظورا ومحرما.

وكانت الخطوة الأبرز، تطوير مادة الرياضيات للصف الأول الابتدائي، بالتعاون مع الجانب الياباني.

وأخيرا سيقرأ أبناؤنا في الكتب المدرسية، أسماء مثل الدكتور أحمد زويل والبطل أحمد المنسي، والبطل محمد إبراهيم مبروك والدكتورة سميرة موسى ويوسف إدريس وغيرهم من رموز مصر المعاصرة.

يبدو الأمر كما لو أننا نشهد ثورة حقيقية في التعليم قبل الجامعي، ثورة تعيد للمؤسسة التعليمية قيمتها ومقامها. ومثل أي ثورة فإن هناك دائما من يقاوم التغيير، بينهم خائفون وبينهم أصحاب مصالح في بقاء الوضع على ما هو عليه.

الخبر الجيد هنا أننا لن نبدأ من الصفر، فقد حققت مصر تقدمًا ملحوظًا في مؤشرات التعليم العالي والبحث العلمي الدولية خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ 2019.

في مؤشر جودة التعليم الصادر عن يو إس نيوز: تقدمت مصر 14 مركزًا، لتحتل المرتبة 37 في عام 2023 مقارنةً بالمرتبة 51 في عام 2019. ويعكس هذا المؤشر تطور النظام التعليمي في البلاد.

مؤشر جودة التعليم العالي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي: تقدمت مصر 29 مركزًا، لتنتقل من المرتبة 116 في عام 2019 إلى المرتبة 87 في عام 2024. ويقيس هذا المؤشر قدرة نظام التعليم الجامعي على تلبية الاحتياجات الاقتصادية.

مؤشر المعرفة العالمي (المعرفة للجميع): تقدمت مصر 5 مراكز، لتحتل المرتبة 90 في عام 2023 مقارنةً بالمرتبة 95 في عام 2017. ويستند هذا المؤشر إلى مؤشرات فرعية مثل التعليم، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبحث والتطوير، والاقتصاد.

تجربة الوزارة الآن لا تزال في بدايتها، لكنها تشير إلى ضوء في نهاية النفق، ومصر في أمس الحاجة إلى التشبث بهذا الضوء.

إعلان

إعلان