إعلان

 هروب آخر للأمام

سليمان جودة

هروب آخر للأمام

سليمان جودة
07:02 م الأحد 03 ديسمبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على


لا أجد صعوبة في تصديق الأخبار التي تتحدث عن رغبة بنيامين نتنياهو ، رئيس وزراء اسرائيل ، في اعتزال العمل السياسي بعد إنتهاء الحرب على غزة ، ولا أجد صعوبة أيضاً في فهم الحديث المنتشر عن رغبته في الحصول على فرصة لقيادة عملية سلام في الإقليم بعد أن تضع الحرب أوزارها !

ورغم أن الأخبار التي تتحدث عن رغبته في الحالتين مجرد تسريبات عن مصادر مقربة منه في تل أبيب ، ورغم أنها لا ترقى إلى الأنباء المؤكدة ، إلا أننا نستطيع أن نعتبرها أخباراً منسوبة إلى مكتبه صراحةً ، أو حتى إليه شخصياً دون وسيط ، ونستطيع أن نتعامل معها على هذا الأساس .. وبغير أن نكون قد ابتعدنا عن منطق الأمور في شيء !

ولا بد أن هذه العبارة الأخيرة التي تتكلم عن الإبتعاد عن المنطق أو الإقتراب منه ، تنطوي على الكثير من السخرية بالطبع ، وبأكثر مما فيها من الجدية الواجبة .

ذلك أن نتنياهو قد دأب على الهروب إلى الأمام على الدوام ، وقد حدث هذا من جانبه مراراً ، ولم يحدث مرةً واحدة ولا حتى مرتين . . وكانت البداية عندما قام بتشكيل حكومته الخامسة الحالية في ديسمبر ٢٠٢٢ ، لأنه من بعدها راح يجهز نفسه للبقاء في الحكومة أطول فترة ممكنة ، وكان يفعل ذلك لأنه يعرف أن اتهاماً بالفساد المالي يلاحقه منذ فترة وينتظره .

ولم يكن الإتهام إتهاماً واحداً في الحقيقة ، ولكنه كان ثلاثة إتهامات ، وكان القضاه في تل أبيب يقولون إن وقوفه أمام العدالة في الإتهامات الثلاثة مسألة لا بد منها ، وأن مصيره فيها كلها هو السجن المؤكد الذي لا شك فيه .

ورغم الكارثة التي حلت على الدولة العبرية بهجوم السابع من أكتوبر ، الذي قادته كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة حماس ، إلا أن نتنياهو رأى في الهجوم طوق نجاه جاءه هدية من السماء ، فبدأ من جانبه في شن الحرب على غزة ، ومضى يشعل نارها كلما خبت ، حتى دامت ٤٩ يوماً كاملة .. ثم عادت لتشتعل من جديد بعد هدنة الأيام السبعة .

وقد ذهب إلى إشعالها دائماً وتمادى في ذلك ، لأنه يرى في استمرار الحرب تأجيلاً لوقوفه أمام العدالة ، ليس فقط في اتهامات الفساد المالي السابقة ، ولكن في إتهامات جديدة بالفساد السياسي والأمني المتمثل في المسئولية عن وقوع هجوم السابع من أكتوبر .

من الجائز أن يكون ذهابه إلى الحرب على غزة ، خضوعاً للضغوط التي تمارسها أُسر ضحايا عملية السابع من أكتوبر ، وكذلك الضغوط التي تمارسها عليه أُسر الأسرى لدى حماس منذ وقوع العملية ، ومن الوارد أن يكون ذهابه للحرب استجابة لضغوط اليمينيين المتشددين في حكومته ، وبالذات إيتمار بن غفير ، وزير الأمن القومي ، وبتسلئيل سموتريتش ، وزير المالية ، فكلاهما ملكيان في تشددهما وتطرفهما أكثر منه هو نفسه . . من الجائز هذا ، ومن الوارد ذاك .. ومن المحتمل أن تكون هناك أسباب سواهما ، ولكن السبب الأهم هو رغبته في الهرب مما ينتظره عندما يقف محل مساءلة عن الفساد المالي ، ومعه الفساد السياسي والأمني الذي استجد مع ٧ أكتوبر .

وهو عندما يطلب فرصة لقيادة عملية سلام في الإقليم ، فإنها ليست سوى حيلة جديدة للهروب إلى الأمام ، لأنه لم يُضبط مؤمناً بأي سلام في أي يوم . . ولكنه لم يسأل نفسه هذا السؤال : إلى متى الهرب والهروب ؟

إعلان

إعلان