إعلان

الدولة عقل السوق

د.غادة موسى

الدولة عقل السوق

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 07 يناير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لعل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها دول العالم تقودنا مرة أخرى لمناقشة دور الدولة في إدارة وحل تلك الأزمات.

فمنذ القرن الثامن عشر، انشغل المفكرون والفلاسفة بدور الدولة بعد تطور مؤسسات السوق والملكية الخاصة كمؤسسة والمجالس الشعبية والنقابات وغيرها من المؤسسات التي وضعها الأفراد في المجتمع. وجاء هذا الانشغال بسبب أن السوق سبق وجود الدولة تاريخياً وواقعياً. ومن دواعي هذا الانشغال أيضاً تعمق التخصص في الإنتاج والرغبة في موازنة التنافس مع تحقيق قدر من العدالة في توزيع الثروة وتوفير الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم والغذاء والإسكان...إلخ.

وتراوحت الأفكار والنظريات المقدمة من قبل المفكرين بين قيام الدولة بجميع المهام والواجبات تجاه أفراد المجتمع وبين تنظيم الدولة فقط لحياة الأفراد الاجتماعية والاقتصادية من خلال وضع التشريعات وسن القوانين، وبين الدولة التي تنظم وتقوم ببعض تلك الواجبات تجاه أفراد المجتمع مقابل التزامات من قبلهم. وطُبقت تلك الأنظمة المختلفة من خلال إطار عُرف باسم العقد الاجتماعي الذي ناقشه فلاسفة إنجليز وفرنسيين مثل "جون هوبز" و"جون لوك" و"جون جاك روسو". ومفاد ذلك التعاقد تنسيق حقوق وواجبات كلا الطرفين- الفرد والدولة - لتسيير حكم الدولة.

ولم يستقر الأمر عند هذا الحد، بل شهدت المجتمعات الغربية والشرقية والعربية نقاشات حادة حول حدود دور الدولة وحدود مفهوم الفرد أو الفردانية. بل يمكن القول بثقة إن معظم تلك النقاشات قد تطورت إلى جدل فكري وفلسفي حاد إلى حد نشوب الحروب والصراعات من أجل فرض نموذج ما على نموذج آخر.

وفي خضمّ هذه المعارك الفكرية تباينت وتشتت أنظمة الحكم في دول العالم المختلفة. ولم تسلم الدول العربية من هذا التشتت، بل وصلت المعارك الفكرية والفعلية إلى أراضيها، إذ مازال دور الدولة غير محسوم حتى الآن، رغم ما تنص عليه دساتير تلك الدول من أدوار واضحة للدولة والمواطن والمؤسسات السياسية والاقتصادية.

ومع كل ظهور وتفاقم للازمات الاجتماعية والاقتصادية يطفو هذا الجدل مجدداً على السطح ويتجدد البحث في الأفكار والنظريات لمحاولة إيجاد تسوية ومصالحة بين الأدوار المختلفة. ويظل التساؤل الأهم مطروحاً وهو " أين يمكن وضع الخط أو الحد الفاصل بين دور الدولة ودور السوق والفرد"؟ حيث يظل هذا الخط في حالة حركة وفقاً للتوجهات الفكرية السائدة.

ورغم ما سبق، فقد أخبرنا تاريخ البشر وتطور المجتمعات أن الدولة هي عقل السوق. وأن السوق والاقتصاد الحر لا يعمل بالشكل الأكفأ في ظل غياب دور للدولة. والعقل – كما هو في جسم الانسان- لا يحرك أعضاء الجسم ولكن يرسل إشارات حتي يتحرك ويعمل الجسد. وهذه الإشارات هي القوانين والأحكام والقواعد والنظم التي توجه عمل السوق. فالدولة تحرس الأسواق لأن فيها يجد الفرد مجاله الحيوي في العمل والإنتاج والتبادل والابتكار والتنافس من أجل تكوين الثروة. والدولة تراقب أيضاً السوق لتحقيق العدالة في توزيع الثروات قدر الإمكان. ومن ثم قد تتدخل – بشكل وقتي – لوضع سياسات لتمكين الجماعات الضعيفة أو المهمشة من التواجد في السوق ومن العمل، أو لإمداد الأفراد بالخدمات التي لا يستطيع السوق توفيرها وفي مقدمتها الخدمات الأمنية والقانونية وخدمات البنية التحتية.

وبالتالي لا يجب أن يكون هناك تنافس بين الدولة والسوق لأنه ضار لكليهما. فالأهم هو كيفية إحداث التوازن بين حدود تدخل الدولة في السوق وبين عمل الأسواق بشكل حر وفقا للقواعد والأنظمة التي ارتأى المجتمع العمل بموجبها.

إعلان