إعلان

ماذا فعل بنا الموبايل؟

د.إيمان رجب

ماذا فعل بنا الموبايل؟

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:02 م الثلاثاء 08 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أصبح الموبايل اليوم بكل ما عليه من تطبيقات اجتماعية وألعاب رقمية بديلا للعديد من الفعاليات والأنشطة الاجتماعية التي اعتاد عليها أبناء جيلي، والتي لعبت دورا مهما في صقل شخصية أبناء هذا الجيل بايجابياتها وسلبياتها، وفي تكوين ثقافة تؤكد أهمية الحفاظ على الروابط الأسرية بصفة خاصة والروابط الاجتماعية بصفة عامة.

لدينا في مصر استنادا إلى آخر إحصاء معلن من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في يونيو 2022 عدد 98.4 مليون جهاز موبايل مسجل، منها 68.53 مليون جهاز متصل بخدمة الإنترنت الخاصة بالموبايل (لايشمل ذلك المتصلين من خلال الواي فاي المنزلي)، وإذا كان هذا علامة علي التطور في مجال الاتصالات، فإنه ارتبط به عدد من الظواهر السلبية التي نشهدها في مجتمعنا ذات الصلة بمشكلة "إدمان الموبايل".

الظاهرة الأولى هي أن الموبايل تسبب أن يكون الناس على اختلاف اعمارهم موجودين في كل مكان وغير موجودين في أي مكان أو كما تقال باللغة الانجليزية they are every where but not in anywhere، فالموبايل وتطبيقاته الاجتماعية تسمح لمستخدمه أن يكون نشط على الفيسبوك وتويتر وواتس آب في نفس الوقت ويتواصل مع أطراف ليست معه في نفس المكان جغرافيا ويقوم بذلك وهو في وسط اجتماع عمل في مكان ما، والمحصلة النهائية أنه بالفعل يتواجد افتراضيا في أماكن متعددة ولكنه فعليا مشتت الانتباه وذو معدل تركيز أقل من المطلوب.

الظاهرة الثانية أنه أصبح صاحب الموبايل فعليا حبيس داخل شاشة الموبايل وتطبيقاته 24 ساعة في اليوم، حيث أن النشاط المكثف على التطبيقات الاجتماعية على الموبايل في حالات عدة غدا بديلاً عن التواصل وجها لوجه، حتى على مستوى الأسرة، وأصبحت هذه التطبيقات مسئولة في معظم الحالات عن انتقال ملفات العمل إلى المنزل حتى بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية، وعن انشغال الزوج والزوجة والأبناء عن بعضهم وعن الحوار والحديث وجها لوجه وعن الانصات لبعضهم بسبب الانشغال بالرد على رسالة ما أو بكتابة تعليق ما أو مشاهدة فيديو ما.

الظاهرة الثالثة أنه ونتيجة لسهولة استخدام التطبيقات الاجتماعية على الموبايل وما تتيحه من إلغاء إرسال رسالة تم إرسالها لشخص ما ، أو إلغاء تدوينة تم نشرها على منصة ما، أن أصبح كل شيء ممكنا وكل شيء يمكن تغييره والرجوع عنه بضغطة زر أو باختيار أمر ما داخل التطبيق، وهذا يجعل الناس حين تضطر للتواصل بشكل تقليدي مع بعضها لا تتنبه لضرورة اختيار الألفاظ بشكل دقيق لأنه في هذه الحالة لايوجد زر يتم الضغط عليه لإصلاح علاقة توترت بسبب كلمة في غير محلها أو انفعال غير ملائم.

وتتعلق الظاهرة الرابعة بغياب النظام والانضباط الاجتماعي ، حيث أصبح الموبايل يستخدم في قاعات المحاضرات من قبل الطلبة في الوقت الذي يتعين عليهم الانصات للاستاذ وتحصيل العلم والمعرفة، وأصبح يستخدم بشكل مزعج من قائدي السيارات والدراجات الهوائية في المنعطفات الخطيرة وفي الطرق المزدحمة والطرق السريعة ولا أتحدث هنا عن استخدام تطبيق خرائط جوجل الشهير على الموبايل لمعرفة الطريق، وإنما استخدام الموبايل أثناء القيادة للتحدث لفترات طويلة أثناء القيادة وللكتابة على الواتس آب والمسنجر وأحيانا للرد على إيميلات العمل وغيرها، وهي كلها أمور تعرض حياة الجميع للخطر وتخالف قانون المرور الذي يفرض غرامة على مستخدمي الموبايل اثناء القيادة.

وترتبط الظاهرة الخامسة لهذه المشكلة بالاهتمام بالصورة على حساب المجهود وعلى حساب الرواية الحقيقية وراء التقاط الصورة، وهذا واضح جدا في مختلف التطبيقات الاجتماعية التي تسمح برفع الصور عليها، فعلى سبيل المثال حين ينشر شخص ما صورة له مع أحد مشاهير الفن أو السياسة على انستجرام قد يظن كثيرون من يعلقون على هذه الصورة وجود معرفة ما بين الشخصين، ولكن في حقيقة الأمر لا أحد يعرف كيف التقطت هذه الصورة من الأساس وهل هناك معرفة أصلا بين الطرفين أم لا؟، وعادة ما تترك هذه الصور انطباعات وهمية كثيرة ليس لها بالحقيقة أي صلة، وقد يسعى الشخص الذي نشر الصورة للاستفادة من هذه الانطباعات ليس على منصات التواصل الاجتماعي وإنما في التفاعلات الاجتماعية الحقيقية أو كما تسمى تفاعلات offline من أجل الحصول على مكسب ما أو تحقيق مصلحة ما.

والسائد في هذه الفترة هو أن هذه الظواهر الخمسة أصبحت أمرا تألفه العين ولا يتوقف عنده العقل كثيرا، ولكن في حقيقة الأمر هذه الظواهر تمثل أبعادا متعددة لمشكلة "إدمان الموبايل" والتي لها تأثير كبير على الصحة الجسدية والنفسية لمن يستخدم الموبايل بشكل مفرط على نحو يغذي استمرار الظواهر الخمسة السابقة، كما أنه يؤثر على مستوى التحصيل العلمي ومستوى الذكاء الاجتماعي ، ويتسبب في كثير من الحالات في انعزال الشخص فكريًا عن المجتمع وما يصاحب ذلك من ميول للعنف والانتحار، فضلا عن إضعاف رأس المال الاجتماعي الذي يعد العمود الفقري للحفاظ على الاستقرار في المجتمع.

إعلان