إعلان

تجليات "كوفيد- ١٩"

د. غادة موسى

تجليات "كوفيد- ١٩"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

08:37 م السبت 08 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

غلب على معظم الكتابات والبحوث والدراسات التي تناولت موضوع جائحة "كوفيد-١٩" تناول الآثار السلبية لها. فهل ثمة آثار إيجابية أو بعض التجليات لهذا الفيروس؟

لا توجد مشكلة أو ظاهرة تخلو من جانبيها الإيجابي والسلبي، حتى وإن طغى الأخير على الأول. فجائحة "كوفيد- ١٩" لها تجليات إيجابية على الفرص والإمكانات المتاحة لنا من جانب، وعلى مسار مراجعتنا نمطَ حياتنا من جانب آخر.

فأما بالنسبة للفرص والإمكانات، فقد أدى انتشار الجائحة واستمرارها للعام الثاني على التوالي إلى الحرص على عدم تقوقع العالم ودُوله في جزر منعزلة؛ إذ نشطت المنصات التكنولوجية في ربط العالم ببعضه، وفي إتاحة كم كبير من البيانات والمعلومات والمعارف للجميع ومن دون مقابل.

كما زادت فرص الاطلاع على كل ما هو جديد في العالم بسبب الاهتمام بالمنصات التكنولوجية في دول العالم النامي تحديدا؛ حيث أتاحت تلك المنصات إمكانية المشاركة في الفعاليات الافتراضية المتخصصة وغير المتخصصة بالمجان وفي كل الأوقات، بالمقارنة بما كان يحدث قبل الجائحة من تحمل الفرد تكاليف مالية ومعنوية للوصول لهذه الفعاليات؛ فالفرص أصبحت متاحة للجميع للمشاركة وإبداء الرأي من دون مجهود أو تكلفة ومن أي مكان. ومن هذه الفرص المنصات التعليمية ومنصات التدريب والتأهيل اللانهائية، والتي جعلت الصعب ممكنا ومتاحا لكل الطبقات وكل الفئات العمرية، أي أنه تجلى الوجه الديمقراطي للجائحة.

كما تمثلت تجليات الوجه الديمقراطي للجائحة أيضاً في التعرف على سياسات الدول المختلفة في التصدي للجائحة وتوفير متطلبات مواجهتها. وأولى تلك المتطلبات هي التواصل والاستجابة لمطالب المواطنين والأفراد. وإذا كانت الدول قد تباينت فيما بينها من حيث درجات الاستجابة، فإن الاستجابة والتواصل قد زادا بشكل عام عن مرحلة ما قبل الجائحة. وهو ما عزز من وظيفية المنصات التكنولوجية في تحقيق وتدعيم هذا التواصل. كما مكنت المواطنين والأفراد والباحثين من التعرف على درجة استجابة المؤسسات والأجهزة الرسمية لمطالبهم وقياسها.

وفيما يتعلق بتجليات الجائحة على مسار مراجعتنا نمطَ حياتنا؛ فقد كانت ولا تزال عديدة من خلال مراجعة الخريطة الصحية للأفراد، ومن ثم إتاحة تخطيط أفضل للمنظومة الصحية بكل عناصرها وقدراتها.

كما انعكست تجليات الجائحة على مراجعة الفكر الاقتصادي المسير لنمط حياتنا؛ فالأفكار التي تجعل من الفرد وسلوكه محلاً لعمل كل الأنظمة الاقتصادية شارفت على الانتهاء ليحل محلها فكر آخر في مرحلة التبلور، وتلعب فيه المنصات التكنولوجية دورا حاكماً.

كما امتدت تجليات الجائحة إلى مراجعة النظام التعليمي والعمل على إتاحته للجميع، من خلال نماذج مختلفة من التعليم المدمج.

هذا التعليم المدمج من شأنه إتاحة الفرص لمن هم خارج المنظومة التعليمية بسبب الفقر أو ضيق الوقت أو السن، وهي عوامل قد تحول دون حصولهم على فرصة تعليم.

ويرتبط بتجليات التعليم تجلٍ آخر لا يقل أهمية وهو البحث العلمي. وفي هذا فليتنافس المتنافسون. وقد اتضح ذلك من خلال السباق العلمي لإنتاج لقاح يمكّن البشرية من مقاومة ووقف زحف الجائحة.

وفي هذا المجال هيمنت الدول التي تهتم بالبحث العلمي وتخصص له موازنات ملائمة.

وأخيراً وليس آخراً ظهرت تجليات الجائحة في مراجعة أنماط غذائنا، فما كان ينظر له على أنه أمر مسلم أصبح حتمياً. فكل محاصيل ومنتجات الأرض في دول العالم النامي مهمة لبناء الجهاز المناعي للإنسان، والتوعية بها أكثر أهمية.

تلك كانت بعض التجليات الإيجابية للجائحة التي غيرت وجه الحياة على كوكب الأرض، والتي من المفيد استثمارها والتركيز عليها لنخرج من تلك الظروف آمنين.

إعلان