إعلان

التخطيط العمراني والعشوائية

د. غادة موسى

التخطيط العمراني والعشوائية

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 03 أبريل 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قد يبدو الحديث عن التخطيط العمراني قديما بالنظر إلى الحديث المعاصر عن المدن الذكية. ولكن حتى المدن الذكية تحتاج لتخطيط عمراني، أي تحتاج لتهيئة المناخ المناسب الذي يسمح للمجتمعات بإيجاد الوسائل الضرورية لتحقيق إطار معيشي ملائم لسكانها. هذا الإطار المعيشي يجب أن تتوافر فيه أسباب الراحة والرفاهية داخل المدن.

لذلك يتضمن التخطيط العمراني الرؤية المستقبلية لأي مشروع، وتوضيح خطوات تنفيذه وحسن استغلال الثروات التي يتضمنها.

ومهمة التخطيط العمراني أو التخطيط الحضري ليست مهمة شخص أو تخصص واحد، حيث تشمل تخصصات متعددة كالإدارة والاقتصاد وعلم الاجتماع والقانون والهندسة والفن والبيئة وأخيرا السياسة.

وعندما يتم وضع خطة عمرانية، إقليمية كانت أو لمحافظة أو لمدينة أو لقرية، فلا بد من تقييم الحياة العمرانية الموجودة، وإيجاد حلول للمشاكل العمرانية، مثل الزحام وأزمات المرور وتنظيم الحركة بين السكان والخدمات، وكل ذلك من أجل استيفاء احتياجات المجتمع في مكان ما وزمن ما.

كما يتضمن التخطيط مفهومي التنسيق والاتساق بين النواحي الوظيفية والبصرية والاقتصادية والاجتماعية في إطار خطة زمنية معينة مع مراعاة رغبات السكان والإمكانات والمحددات الموجودة في المجتمع،

ويشمل الاتساق البصري التناسق والجماليات والتوافق مع الطبيعة.

ومما لا شك فيه أنه حدث تطور معقول في تصور شكل المجتمعات البشرية في مصر أو المجتمعات الحضرية.

وفي مقال سابق حول تحديث القرى المصرية أشرت إلى أهمية أن تختلف الخطط العمرانية للريف عنها في المدن.

وهذا التطور متسارع لدرجة كبيرة. فمعدل نمو العمران بمفهومه الواسع في جمهورية مصر العربية يفوق غيره من الدول المحيطة بنا. وهذا أمر- وإن دل على حيوية المكان وسكانه- يجب ألا يمر بدون إبداء بعض الملاحظات البناءة في هذا الشأن.

وأولى هذه الملاحظات هي أهمية ترابط التجديد مع الاتساق الحضري والمجتمعي؛ فأي مجتمع يحتاج لخدمات معاونة، ولكن التوازن بين السكان والخدمات أمر مطلوب؛ فليس من عناصر التخطيط العمراني تفوق الخدمات على السكان واحتياجاتهم وإلا قد يحدث "هدر".

الملاحظة الثانية تتعلق بالتداخل بين السكني والخدمي. في كل دول العالم هناك مساحة محدودة للغاية يُسمح بها بالتداخل بين ما هو سكني وخدمي. وعادة ما تكون في وسط المدينة.، وعادة ما يكون عدد السكان قليلا. والطبيعي هو الانفصال بين السكني والخدمي؛ وزحف الخدمي على السكني يعصف باحتياجات التمتع ببيئة نظيفة والراحة والهدوء. وهذا الأمر لا يمكن تنظيمه إلا بالتخطيط الذي يحميه إنفاذ القانون وتعززه الرقابة.

الملاحظة الثالثة تتعلق بالبنية المجتمعية الحضرية ومتطلبات السكان. فعلى سبيل المثال المجتمعات العمرانية الجديدة انتقلت إليها فئة اجتماعية لديها بعض الخصائص المتشابهة من حيث مستوى التعليم والدخل والرغبة في تأسيس حياة تقوم على الراحة والهدوء والتمتع ببيئة نظيفة بعيدة عن الضوضاء والتلوث.

ولكن زحف الخدمات والتداخل بين السكني والخدمي سيؤدي إلى تكلفة استثمارية كبيرة وإلى موجة ثانية من النزوح إلى مناطق خالية، وإن لم تنتبه الجهات المعنية بالتخطيط العمراني، فقد تحدث خسائر كبيرة على الجانبين: الخدمي والسكني. وهذا ما نجده الآن حادثًا وواقعًا في مجتمعات التجمع والسادس من أكتوبر؛ حيث بدا الاختلال بين السكني والخدمي، وأوشك السكان أن يخسروا متطلباتهم الحضرية والعمرانية ويفقدوا استثماراتهم.

والأخطر مما سبق هو الاقتراب من العشوائية والمجتمعات المهمشة التي تعيش على خدمة "مجتمعات الأسوار".

ومثل هذه الظواهر تضر أشد الضرر بالمجتمع؛ إذ ترسخ الفوارق الاجتماعية، كما قد تتسبب في أزمات متكررة.

فما العمل؟ السؤال ليس موجهًا لجهة معينة، وإنما هو دعوة للتفكير في كيفية المواءمة بين الخدمي والاقتصادي من جهة والسكني والبيئي من جهة أخرى، بما يحقق العمران الحضري المأمول.

إعلان