إعلان

مارس.. شهر المرأة وإعادة إنتاج الماضي

د. غادة موسى

مارس.. شهر المرأة وإعادة إنتاج الماضي

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 13 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هو شهر يعاد فيه إنتاج الماضي، وليس تجديده؛ فما زال شهر المرأة (مارس) يُخرج لنا الجدل الواسع على السطح، ويكشف عن عدم الاتفاق المجتمعي حول حقوق المرأة ودورها في المجتمع وتنميته.

قضايا المرأة والرجل والطفل هي قضايا مجتمعية اكثر منها قضايا سياسية. وحلولها تخرج من المجتمع، وليس من أروقة السياسة. ومن ثم كان تسييس تلك القضايا من أهم أسباب تراجع بناء التوافقات المجتمعية بشأنها.

فعلى الرغم من وجود إطار دستوري وقانوني يفي بأهم متطلبات تحصين حقوق المرأة ومطالبها في المجتمع، فإنني أجد أن القوانين قد تكون أكثر تقدما من حالة المجتمع ورؤيته دور المرأة في الألفية الثالثة.

والمؤشرات كثيرة على غياب التوافق بين أطياف المجتمع المختلفة على دور ومكانة المرأة. وما يثير الدهشة- في هذا السياق- أن الدائرة الرسمية تصدر من التشريعات والقوانين والقرارات؛ ما يسهم في ترقية أوضاع المرأة، غير أنه في ذات الوقت لا نجد وعيا لدى قطاعات مجتمعية كبيرة بدلالات هذا التقدم الحادث على الصعيد الرسمي، بل قد نجد مقاومة ملحوظة للحيلولة، دون تجسيد مخرجات تلك القوانين والقرارات على الأرض.

وهو ما يعيدنا مرة ثانية إلى دائرة المجتمع. فمن الأهمية بمكان أن تنبع الحلول والتقدم تجاه مطالب وقضايا المرأة من المجتمع. والمجتمع- حتى اللحظة الراهنة- لا يملك خطاباً واحدا أو مفهوما واضحا تجاه تلك القضايا. بل يمكن القول إننا أمام عدة خطابات: خطاب شعبوي يرفع شعار "هما عاوزين إيه أكثر من كده؟"، وخطاب رسمي كلاسيكي يتقاطع مع الخطاب الديني "المرأة هي نصف المجتمع وهي الأخت والأم والابنة والزوجة"، وخطاب النخبة. وحتى هذا الأخير ليس واحدا، بل يتأرجح بين توجهات ليبرالية وأخرى محافظة.

وسأسرد بعض الأدلة على موقف تلك الخطابات من عدد من القضايا المرتبطة بشئون المرأة.

القضية الأولى هي قضية تولي المرأة مناصب قضائية: الإطار الدستوري والقانوني واضح وصريح. الثقافة السياسية والأعراف المهنية السائدة في أروقة المؤسسات القضائية ليست مؤيدة للفكرة. المجتمع بأطيافه يرى أن الإسلام يرفض تولي المرأة مناصب قضائية باعتبارها شكلا من أشكال الولاية.

أما المؤسسات الدينية، فموافقتها مشروطة ببعض المحددات. وبالنسبة للنخبة، فإنها على النقيض من الخطابين السابقين؛ إذ لا ترى ما يمنع من تولي المرأة المناصب القضائية بشكل عام. وقد جاء قرار رئيس الجمهورية، منذ عدة أيام ليحسم الأمر، بعد أن فشل المجتمع في حسمه، فهل سيستجيب المجتمع؟!

القضية الثانية التي تبرز الفجوات الواسعة بين الدائرة الرسمية والمجتمعية ودائرة النخبة تتعلق بالتحرش. الإطار القانوني والرسمي واضح وصريح، وفي هذا السياق يتفق مع الخطاب الديني وخطاب النخبة، في حين تتباين أو تبتعد تلك الخطابات عن الخطاب الشعبوي الذي لا يرى ضرورة لتصعيد قضايا التحرش، وإمكانية تسويتها بشكل مجتمعي عرفي وودي كحوادث هتك العرض والاغتصاب.

في القضيتين نلحظ أمرًا مهمًا وهو أن الخطاب الشعبوي المعبر عن المجتمع لا يعكس التطور الحادث في المجتمع، ولا في القوانين والقرارات، وقد لا يعترف به. والخوف أن يتفوق هذا الخطاب ويتمكن من التأثير في الخطاب الرسمي- الديني لصالحه (أي لصالح الخطاب الشعبوي). وهناك مؤشرات لهذا التأثير، وتمثلت في مشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح.

وكل ما سبق لا يثير تساؤلا فقط حول كيفية إمكانية تطوير الخطاب الشعبوي ليكون مناصرا لمطالب وقضايا المرأة، بل أيضاً يثير تساؤلا حول دور المجالس القومية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والإعلام في التوعية المتوازنة لقضايا المرأة في إطار تنمية وتطوير المجتمع وتحقيق السلام الاجتماعي المنشود؟!

إعلان