إعلان

نحو صياغة جديدة لمفهوم "عدم التدخل"! (4)

عصام شيحة

نحو صياغة جديدة لمفهوم "عدم التدخل"! (4)

عصام شيحة
06:57 م الثلاثاء 14 يوليه 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

خلاصة القول، إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى غير مُطبق في العلاقات الدولية المعاصرة على نحو جاد. إذ تظل الساحة الدولية خاضعة لنظرية القوة، أو ما يُسمي بالنظرية الواقعية، التي تلعب فيها القوة الشاملة للدولة الدور الأبرز في رسم نفوذ الدولة، سعيًا وراء مصالحها العليا، تلك المصالح التي تتمدد كثيرًا، أو تنكمش، لتوازي مقدار القوة الشاملة للدولة.

وعليه، تتدخل الولايات المتحدة في مناطق بعيدة عن جغرافيتها السياسية لملاحقة مصالحها، كدولة تتزعم النظام العالمي. ومن ثم فإن مصر، وهي تتطلع إلى أن تصبح بالفعل قوة إقليمية تُحسب لها الحسابات، وتوزن قوتها الشاملة وفق عناصرها المتنوعة بكل اعتبار، ليس عليها أن تحجز سياستها الخارجية في سطور مُهملة، وإن ضمها ميثاق الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي فشلت كافة محاولات إصلاحها بضغط من نفوذ القوى الرئيسية الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن؛ لأن أي إصلاح سيقتطع من سيطرتهم الفعلية على المنظمة، التي تركت النزاعات السياسية العميقة للولايات المتحدة، مثل الصراع العربي/الإسرائيلي، وتفرغت بأجندة "اجتماعية" منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق مطلع التسعينيات من القرن العشرين، فركزت على قضايا البيئة والهجرة والمناخ وتجارة المخدرات والبشر والسلاح.

ومن هنا، فإنني أرى أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ينبغي مراجعته، وإعادة ضبطه بما يجعل منه صالحًا للتطبيق على الأرض. وفي ذلك لا يمكن التغاضي عن مُهددات الأمن القومي عندما يقرر المجتمع الدولي ما إذا كانت دولة ما قد تدخلت في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول.

فإذا كانت التطلعات الإثيوبية نحو التنمية مشروعة، وهي كذلك بالفعل، فإن الأمن القومي المصري لا ينبغي أن يدفع الثمن غاليًا، محكومًا بقدرة إثيوبيا على تنفيذ إرادتها على أراضيها؛ فليس الأمر كما يقول الإثيوبيون إن الأرض أرضنا، والسد سدنا، والمياه مياهنا وفي أراضينا.!

وعلى الجبهة الغربية، كنت أتصور أن تستبق مصر التدخل التركي. وهنا أُشير إليه باعتباره تدخلاً؛ لأنه بالفعل لا يسعي وراء مُهددات للأمن القومي التركي، بل يُسارع إلى اقتناص الفرص التي تتيحها ظروف ليبيا، كدولة تفتقد إلى المؤسسات القادرة على ضبط حركة الدولة على مسارها الصحيح، في الوقت الذي تحتفظ في باطنها بثروات يسيل لها اللعاب، رأى أردوغان أنها كفيلة بإخراج بلاده من أزماتها المتتالية، اقتصاديًا وسياسيًا، فجاء بإرهابييه وسلاحه على نفقة قطر!.

وبالفعل أعلن الرئيس السيسي أن الأمن القومي المصري يمتد ليصل إلى حيث مصالحنا التاريخية، في إشارة واضحة إلى إثيوبيا، لا أرى أن ليبيا بعيدة عنها أيضًا.

والحال، أن الأزمة الليبية مُرشحة بقوة لاندلاع شرارة حرب ستجد مصر نفسها طرفاً أصيلاً فيها؛ إذ لا يمكن استبعاد استهداف أردوغان تطويق مصر من الغرب والشمال، في الوقت الذي تحارب فيه الإرهاب في الشرق، وعينها مفتوحة على الجنوب لمتابعة تطورات المفاوضات الشاقة مع إثيوبيا.

لا شك أن السمة الأخلاقية تبدو واضحة في نهج الرئيس السيسي، سواء في الداخل أو الخارج، وهي مقدرة يُحسد عليها وهو يواجه نماذج مستفزة لطالما شكلت سياساتها إزعاجًا للعديد من الدول والقوى الإقليمية والدولية، إلا أن الرجل يلتزم التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا بمبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي في زمن ترهلت فيه قبضة المنظمة الأمة، وباتت غير قادرة علي إنفاذ إرادتها؛ إلا أنني على ثقة أن روح المغامرة عند أردوغان ستدفع الرئيس السيسي إلى مغالبة سعيه نحو السلام، وتلقين أطماع أردوغان درسًا سيفيد كل دولة أرهقتها تدخلات أردوغان من ليبيا إلى قبرص إلى سوريا إلى العراق وغيرها.

***

للتواصل مع الكاتب

Eshiha@yahoo.com

إعلان