إعلان

التنبؤ بـ«كورونا» وخلفيات نظرية المؤامرة

د. أمــل الجمل

التنبؤ بـ«كورونا» وخلفيات نظرية المؤامرة

د. أمل الجمل
07:25 م الأحد 29 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بيل جيتس تنبأ. فيلم «كونتيجين» تنبأ. هناك مؤامرة على الكوكب. الفيروس سببه الصراعات بين الكبار. فيروس كورونا تم تصنيعه. إنه سلاح بيولوجي. الصين وراءه. أمريكا وراءه. هناك حرب عالمية جديدة. الفيروس سلاح للقضاء على ملايين من سكان الكوكب. وغيرها، عشرات الأخبار بعناوين مُثيرة تخلق مزيداً من الرعب، والناس أصلاً في حالة ترويع وإحباط يكفيها لسنين.

تم الترويج - ولايزال - لسيناريو المؤامرة، بأن فيروس كورونا أو «كوفيد ١٩» تم تصنيعه في المعامل، هذا السيناريو لم يكن مصدره الصين وحدها رغم الاتهامات التي وجهتها لأمريكا؟ ولكن عددا من الأمريكيين أنفسهم روجوا له.

توالت أخبار تنحاز لهذا السيناريو منذ البداية بترويج ونشر مقتطفات من كتاب قيل إنه نُشر في مستهل الثمانينيات، وكان يُؤكد أنه في عام 2020 سيتم نشر فيروس كورونا. لكن عندما تسأل: ما اسم الكتاب؟ مَنْ مؤلفه؟ مَا هي دار النشر؟ لا أحد يجيبك أو ينطق. مؤخرا تم ترويج صفحات عربية على نفس الوتيرة.

مع ذلك حتى لو كان هذا الكتاب موجود فيمكن قراءة ما فيه بشكل مختلف، فما يحتويه يتحدث عن توقعات نتيجة وجود مؤشرات في الواقع، فمنذ عام 1913 قال أحد العلماء إن موجات الراديو لها مخاطرها، إنها قد تتسبب في وجود الفيروسات. فما بالنا بكثافة وتطور الموجات الإلكترونية من حولنا، في ظل التطور المرعب للتكنولوجيا الحديثة. فالعلماء في وصفهم للفيروس: إنه مادة بروتينية عليها طبقة دهنية عندما تلامس المخاط يحدث لها تحول وتهاجم بشراسة. هل تتذكرون أفلام المتحولون؟!

ووهان والفايف جي

البعض يُرجع اندلاع الأنفلونزا الإسبانية 1918 للتزايد المكثف في استخدام الرداد آنذاك. رغم تضارب الآراء وعدم قطعها، حتى بين العلماء، فما يطرحونه حول كثير من وسائل مكافحة كوفيد ١٩ لايزال محل اختبار، ولا شيء مؤكد باستثناء غسيل اليدين بالماء والصابون الذي يعمل على إزالة وذوبان الطبقة الدهنية على البروتين المكون للفيروس فيقضي عليه.

المؤكد أن للتكنولوجيا آثارها السلبية والمضرة لصحة الإنسان، هل تتذكرون الحديث المكثف لمخاطر استخدام الهاتف الخلوي علي خلايا المخ؟! لا شك أن البدايات لكثير من تطبيقات التكنولوجيا أحيانا لا تسير في مسارها المتوقع، أحيانا تسبب خسائر غير متوقعة، قبل أن يتم السيطرة عليها.

من هنا، يُرجع البعض وجود علاقة بين شبكة الجيل الخامس - G5 - وبين اندلاع الإصابة بكورونا في ووهان الصينية التي تُعد أول مدينة في العالم تطبق «فايف جي»، رغم محاولات النفي والتكذيب. رغم سيل الأخبار المتوالية عن توظيف الجيل الخامس في محاربة كورونا. من صالح الصين أن تنفي، من صالح الشركات ورجال الأعمال المتورطين النفي. للتكنولوجيا في الاعتماد على الجيل الخامس يساعدهم على تحقيق مكاسب كبيرة لن يتم التخلي عنها بسهولة.

دعم السيناريو الأول

ساهم في دعم سيناريو المؤامرة عدة أمور؛ في البداية انتشار المرض في الصين، وإيران واستفحال عدد الوفيات.. ما دعم نظرية المؤامرة التي تم إلصاقها بأمريكا بحجة رغبتها في إعادة خلق نظام عالمي جديد، خصوصا بعد استفحال قوة الصين وسيطرتها الاقتصادية على العالم، إضافة إلى الانهيار المؤكد في اقتصاد أمريكا، وضعف النظام الصحي عندها، والديون الطائلة التي تُكبلها، والتي تحاول منذ سنوات التغلب عليها؛ تارة بابتزاز دول الخليج، وتارة بإشعال فتيل الحروب والنزاعات في مناطق الثروات في العالم، على الأخص الشرق الأوسط.

لكن، عندما استفحل الوباء في إيطاليا، وسجلت أعلى معدل للوفيات والمصابين بدأ التشكيك في هذا السيناريو، مع ذلك لا يزال أصحابه يؤكدون أن إيطاليا «اتاخدت في الرجلين».

طيب ماذا عن إسبانيا وألمانيا وفرنسا؟ وماذا عن إنجلترا ورئيس وزرائها بوريس جونسون الخاضع الآن للحجر الذاتي بعد تأكد إصابته؟

أليس بوريس جونسون صديقاً وحليفاً للرئيس الأمريكي؟ فلماذا لم يقدم له التطعيم أو الدواء؟! وماذا عن الأمير تشارلز الذي تأكدت إصابته؟! ثم ماذا عن ميركل؟

هل صُناع الفيروس سيتركون قادة العالم للفيروس يقضي عليهم؟! ولماذا أفلتت الصين من الوباء وتُنهي الحجر وتُعيد فتح مصانعها؟

الاستهتار الأمريكي

لكن الأهم أن السؤال الذي يطرح نفسه على أصحاب هذا السيناريو: ماذا الآن بعد أن أصبحت أمريكا رقم واحد عالميا في الإصابات التي تجاوزت ١٢٤ ألف حالة حتى لحظة كتابة المقال؟! لو كانت أمريكا صنعت الوباء في معاملها أو حتى في معامل خارج ولاياتها، فالعقل يقول إن العلماء قبل أن ينشروه بين البشر لا بد أن يكون لديهم التطعيم والدواء، أليس كذلك؟! حتى تكتمل جريمة الابتزاز، أم أن العلماء والمسئولين في أمريكا سيُضحون بالشعب هناك؟!

طبعا ما حدث في أمريكا من تفاقم للوباء ينسف هذا السيناريو من أساسه. ما حدث سببه استهتار رئيسها وإنكاره للوباء وخطورته من البداية، رغم تحذيرات الأطباء والعلماء هناك. لكنه تنبه متأخرا، لذلك بدأ يصرخ مطالبا بضرورة أن تسارع الشركات بإنتاج ٣٠ أو ٤٠ ألفا من أجهزة التنفس لإسعاف المرضى. مثلما استعان بقوات الدفاع، وطلب المساعدة بأدوية واحتياجات طبية من دول أخرى، وفُتح باب التأشيرات للراغبين في العمل في أمريكا في المجال الصحي، ثم أخيراً لتحسين صورته يلقي باتهاماته على الصين مُدعياً أنها تتكتم معلومات عن الفيروس؟!

لن ندّعي أن الصين قالت كل شيء. ملف الفايف جي وحده يُؤكد ذلك. لكن، ألم تُساعد الصين إيطاليا باحتياجات طبية وإرشادات صحية، إضافة للدعم المادي والتقني للبنية التحتية الطبية الإيطالية بعد فشلها في التعامل مع الوباء؟

الصين قدمت أفلاماً توعوية، وخرجت منها أفلاماً تحكي تجارب واقعية لو اتبعتها دول العالم لأغلقت كل المنافذ والثغرات أمام هذا الفيروس اللعين.

سيتحدث البعض عن استبداد وديكتاتورية الصين، لكن مَنْ يملك إرادة الصين التي استمرت في العزل لنحو ستة أسابيع. قبلت بالخسائر الضخمة الاقتصادية العاجلة لتفادي مزيد من الخسائر الطويلة الأجل الفادحة أيضاً.

نبوءة كونتيجين

على صعيد آخر؛ لعب دورا في تقوية سيناريو المؤامرة الكونية إعادة تسليط الضوء على فيلم «كونتيجين» من إخراج ستيفن سودربرج المُنتج عام ٢٠١١. والادعاء بأنه تنبأ بالوباء. لم ينتبهوا لمسلسل من حلقتين عنوانه «وباء عالمي» pandemic أنتج عام ٢٠٠٧ للمخرج أرماند ماستروياني، يتحدث عن نفس الأعراض الحالية للوباء العالمي وسبل نقله السريع، ويُسميه «فيروس كورونا».

طبعاً لما مخرج يُقدم عملاً لا ينجح وقت عرضه، ثم بعد عدة سنوات يؤكد العمل صدق الرؤية فإن هذا المخرج وفريق عمله سيكونون أول مَنْ يُروج للفيلم، فيُعيدون بعثه من جديد بحجة أنه «تنبأ». تبتلع الصحافة الطعم، وتبدأ الترويج لفكرة «تنبأ».. فهل حقاً تنبأ فيلم سودربرج؟!

بداية؛ هناك فرق كبير جدا بين «التنبؤ» وبين «قراءة الواقع»، بمعنى أنك تقرأ معطيات الواقع أمامك، تتأملها، وتصل إلى نتائج قد تتحقق بالفعل بعد وقت قصير أو طويل. تماماً مثل رجل مصاب بأمراض عديدة ويأكل كل ما يشتهيه، فلا بد أن تتوقع سقوطه ميتاً أو إصابته بأزمة قلبية، أو صبي شقي يقفز هنا وهناك ويلعب بأشياء خطرة فعندما تتابعه بعيونك تتوقع أن تحدث له كارثة؛ لأنه لا يتعقل تحركاته.

هذا ما فعله صناع فيلم «كونتيجين». تأملوا العالم. اختاروا فكرة العدوى الفيروسية التي تكررت في السنوات الأخيرة ومنها سارس، وميرس، وأنفلونزا الخنازير، والطيور. استقوا معلوماتهم من العلماء والأطباء والخبراء، وتمادوا في طرح الاحتمالات المتوقعة لآخر مدى متسائلين: لو أصاب العالم فيروس يفقدون السيطرة عليه. الموضوع ليس جديداً. ألم تُفقد السيطرة على الأنفلونزا الإسبانية عندما ظهرت؟ وإلا فلماذا حصدت أرواح ٥٠ مليون؟!

من دون أن نغفل أن السينما في أمريكا يُشارك في صناعتها علماء في كل التخصصات. السينما هناك ليست فقط ترفيها. والترفيه لا ينفي عنها كونها صناعة ضخمة، الترفيه لا ينفي عنها أنها تستند إلى أسس علمية.

بيل جيتس لم يتنبأ

إضافة إلى ذلك فقد درسوا سلوكيات الناس وتصرفاتهم في أوقات الأوبئة والحروب. هذه لم تكن البروفة الأولى. كانت هناك بروفات عديدة سابقة كشفت سلوك الناس في أوقات الأزمات، وكيف يحكم الخوف تصرفاتهم، تحديداً الخوف من نفاد الطعام والتعرض للجوع، والهجوم على محلات الطعام والهجوم على البيوت لسرقة الطعام.

هناك حروب عالمية كبرى، هناك وباء الأنفلونزا الإسبانية في عام ١٩١٨ الذي أصاب نحو خمسين مليونا، هناك وباء أنفلونزا آخر عام ١٩٥٠ أصاب نحو مليون ونصف. هناك ثورات قامت في العالم. هناك صراعات أهلية عديدة بمناطق لا تزال مشتعلة. إذن لم يكن «كونتيجين» يتنبأ، لكنه يقرأ معطيات الواقع، ويستفيد من أحداث واقعية سابقة.

فماذا عن نبوءة بيل جيتس؟! الأمر لا يخرج عن إطار ما فعله صناع «كونتيجين». هذا ليس تقليلاً من أهمية الفيلم ولا من القيمة الإنسانية لأفكار هذا الرجل العظيم. أهم ما قاله بيل جيتس أن إساءة استخدام المصادر الطبيعية ستؤدي إلى كوارث بشرية، أن الكبار ركزوا على الاستثمار في النووي، بينما لم يستثمروا في صحة الإنسان، أنهم لم ينفقوا الأموال على محاربة الفيروسات، رغم أن الواقع من حولهم يقول إن الفيروسات هي السلاح الأخطر الذي يواجه العالم.

إذن، بيل جيتس أحد أبرز أغنياء العالم، المدير السابق لشركة ميكروسوفت، بمكانته وذكائه وعقله النقدي الذي رفعه من أحد أبناء الطبقة المتوسطة إلى قمة أثرياء العالم - كان فقط يقرأ الواقع المحيط بعين فاحصة متأملة. لم يكن يتنبأ.

حرق الجثامين

أخيراً أُذكرك بنصيحة بيل جيتس: «اجلس في بيتك، احمِ نفسك». ثم أُذكرك بأن منظمة الصحة العالمية، أعلنت، يوم ٢٧ مارس، أن لقاح فيروس كورونا لا يزال على بعد من ١٢ إلى ١٨ شهراً.

وشخصياً، أعتقد أن الدواء أو اللقاح عندما تتأكد فعاليتهما من دون آثار جانبية لن يكونا بأسعار في متناول الجميع.

لذلك، حفاظك على حياتك قرار يتوقف عليك أنت. الجيش والقيادة السياسية في بلادنا وجنود الأطباء يقومون بدورهم في إدارة الأزمة على مستوى عالمي لم تحققه الدول العظمى.

هذه حقيقة واضحة.

يظل الدور الأهم متوقفا عليك. لو أردت توفير سرير بالمستشفى لأبيك أو أمك لو لزم الأمر - لا قدر الله - فعليك أن تلزم بيتك، حتى لا تصاب أنت أيضاً وساعتها سيختارك الأطباء ويتركون كبار السن للوفاة، كما فعلت إيطاليا.

تذكر مشهد سيارات الجيش الإيطالية، تسير بين الحقول بالجثامين في طريقها للحرق، بعد أن امتلأت المقابر بالجثث.

تذكر أن الفيروس في ذروة نشاطه الآن. تم عزل عشرة مراكز عندنا. لا نريد تكرار السيناريو الإيطالي ولا الأمريكي.

علينا أن نحتذي بالإرادة الصينية. حافظ على أرواح أهلك وأحبائك، ونفسك. واجتهد في ترويض نفسك على الحبس الاضطراري. حفظكم الله جميعاً من كل سوء.

إعلان