إعلان

مزارع التعصب.. إنهم يركلون الجهل كرويا

د.هشام عطية عبدالمقصود

مزارع التعصب.. إنهم يركلون الجهل كرويا

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 28 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لعل إحدى أخطر مناطق بناء مساحات التعصب والعنف وتسييد أحادية النظر في التعامل مع البشر والأحداث والحياة عامة، إنما تتجسد في مزارع التعصب التي ترتوي بما يحدث في مساجلات في مجال تشجيع كرة القدم وما يثيره ذلك من نوازع عنف وأحقاد، ترتكز خطورتها في أنها تمثل بذور تطرف وأفق مغلق الرؤى تنبت رويدا مع نمو الطفل وتكبر معه؛ لتشكل بيئة إطلاق مقيتة جاهزة للاستخدام عبر سياقات وتوقيتات وأحداث شتى.

وهكذا تصنع حالة تغذية تعصب التشجيع في مجال كرة القدم، عند نقله وتكبيره عبر الميديا ووسائط التواصل الاجتماعي، والخطورة هنا إنه بينما ينتبه الكثيرون ويحذرون تمامًا من تضمين إشارات عنف وتعصب في المحتوى السياسي أو الاقتصادي أو الديني، وذلك ليسر كشفه وإخضاع تضميناته للمحاسبة القانونية، ينفلت بعض المضمون الرياضي – عالي التعصب – لكونه يتعلق بمجرد "لعبة" تركلها الأقدام، وتكمن الخطورة كلها في عدم الانتباه الجاد لتلك المزارع الواسعة لبناء التعصب وتعهدها بالنمو والرعاية، وحيث ينمو شجرها المر فنصحو فجأة على منتوجاته التي تتناثر كشظايا الحرائق في كل موضع واتجاه.

المشكلة الكبيرة هنا أن ساحات التعصب الكروية ومضامينها ينظر لها البعض باستخفاف جم باعتبارها "خناقة مُسلية" لا أثر خطير مباشر لها، أو أنها يمكن أن تكون دوما قابلة لإدارتها، دون الوعي بحالة النمو المتأني لبناء التعصب والتطرف وسلوكياتهما التي تنمو في نفوس أطفال وناشئين لتشكل مع الوقت مزاجهم العام وطرائق تعاملهم مع كل اختلاف، كذلك قد لا يستشعر الأهل ثمة خطورة أيضا وهم يرون الأطفال يشجعون فيتعصبون لنادٍ ما، فالأولاد يلعبون ويحمد الأهل أنهم بعيدون عن كوارث وموبقات تتناهى أحيانا إلى إسماعهم عبر صفحات الحوادث ّإذ تحدث لبعض أقران لهم في تلك الفترة العمرية الحرجة، هكذا يتم مجتمعيًا رعاية التعصب الكروي بالصمت والتشجيع المستتر، ويعمل الدعم الأسرى وعدم الانتباه المجتمعي لما يتكون من خلل نفسي وإنساني في دخيلة الناشئين تعصبًا وتطرفًا تنقله ثم تغذيه بعض خطابات الميديا جهلاً مهنيًا وأخلاقيًا.

وحيث يصل الأمر في بعض خطابات الميديا مثلا أن تطلق على جمهور مشجعي فريق ما بأنهم شعب هذا الفريق أو ذاك، ينقلون عبارات أو جمل سمعوها في سياقات أخرى نقلا حرفيا تحول بين ترشيحه وتهذيبه آليات التعلم المهني، وهكذا تمر تعبيرات وجمل بل ودلالات أخرى خطيرة داعمة للتعصب والعنف يطرحها هؤلاء، وتسري هذه التعبيرات إلى الجمهور فيتبناها بثا وتكرارًا وتعليقًا وتبنيا، دون النظر لخطورة ما يفعلونه وما يحدثه ذلك من أثر ونتائج كارثية، فالجميع يرى أنها مجرد كرة قدم تركلها الأقدام وأنه سرعان ما سينسى الجمهور مع صافرة بدء "الماتش" الجديد.

وقد كشفت تداعيات مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المحلى ثم ما تلاها من أحداث لمباراة لم تتم إقامتها عن سوءات بعض نماذج الإعلام الرياضي، يجدر أن يتم التوقف عندها بالدراسة ووضع طرائق التعامل الجاد مهنيا، من أجل تقليل مخاطر مزارع التعصب في بعض ساحات الإعلام الرياضي وعلى بعض مواقعه، حيث نحتاج؛ لأن نعرف كيف مع الوقت وعبر عقود مثلت نماذج مؤثرة من خطاب الميديا في مجال الرياضة حالة طرد للمفاهيم الرياضية المؤسسة للتسامح، وكيف أن بعض هذا المضمون يخاصم ما نشأنا عليه تاريخيا في بيوتنا ومدارسنا من تشجيع مهذب وتسامح ومحبة.

إن ما يحدث من جمهور المشجعين على منصات التواصل الاجتماعي تتبدى خطورته الأكبر حين يتم تبنيه وتغذيته يعد ذلك عبر بعض خطابات الميديا تعصبًا وتحزبًا وأفقًا جامدًا، علينا أن نبدأ بالسؤال عن مساحة التدريب المهني والإعلامي التي يحظى بها كباتن كرة القدم بينما ينتقلون – بسلاسة - ومباشرة من الملاعب إلى ساحات الميديا محللين وناقدين ومعلقين، من غير ذلك ستستمر رعاية مزارع التعصب فيتلقف ثمارها ناضجة الشباب الصغير فتكون سياقًا وطريقة حياة، وحيث نخشى – في غياب الدراسات – أن تكون بعض نماذج التطرف والتعصب الفكري والسلوكي التي نواجهها مجتمعيًا قد ارتوت ضمن ما ارتوت خلال دورات حياتها بمياه مزارع التعصب الكروية العشوائية، وبينما نستصغر تأثيرها في حينها ولا نلتفت إليها في سياقها بينما تنمو في ثبات مضطرد شجيراتها الخبيثة والتي لا تعطي في المستقبل غير الحصاد المر.

إعلان