إعلان

ليبيا.. دهاء بوتين يكسب

عصام شيحة

ليبيا.. دهاء بوتين يكسب

عصام شيحة
09:00 م الثلاثاء 11 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن روسيا، في عهد بوتين، حققت الكثير من طموحاتها نحو استعادة مكانتها على الساحة الدولية، وباتت لاعباً رئيساً في أهم القضايا المعاصرة، حتى إن تجاهلها لم يعد أملاً قريباً لدى الولايات المتحدة الأمريكية.

بل إن الثعلب العجوز، هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، له نصائح متكررة للرؤساء الأمريكيين، وآخرهم ترامب، بضرورة تعزيز العلاقات الأمريكية ـ الروسية سعياً إلى مجابهة فعالة مع الصين!

في هذا السياق، نشير إلى نجاح روسيا في الإبقاء على نظام بشار الأسد في سوريا في مواجهة تحالف إقليمي دولي يرى أن الشرق الأوسط سيكون أفضل بدون بشار.

لكن محاولة فهم الدور الروسي وأهدافه في ليبيا لا يمكن الوثوق بصحتها، ما لم نلحظ أثر دهاء بوتين في صياغة علاقات بلاده الدولية، في ظل واقع متشابك شديد التعقيد، بالغ القسوة؛ إذ لم يجد بوتين صعوبة في تأييده المعلن للرئيس السوري، في الوقت الذي يعزز روابطه الاقتصادية والاستراتيجية بتركيا - أبرز أعداء بشار. كذلك جاء رفضه الصريح لصفقة القرن الأمريكية غير مُزعزع لعلاقاته الاستراتيجية المتينة بإسرائيل.

والقياس على ذلك يمتد هنا وهناك إلى درجة تراجعت معها أهمية النظرة الموضوعية إلى الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الروسي.

ربما كان فيما سبق مقدمة لازمة لفهم أفضل للدور الروسي في الأزمة الليبية، لنجد أن مسار "آستانا" حقق المعادلة الصعبة بين روسيا وتركيا في سوريا، رغم اختلاف حلفائهما على الأرض، وأصبح التوفيق بين مصالح الطرفين لا يعني أبداً فرصة لأي حليف لهما، لا بشار ولا الجماعات الإرهابية التي تدعمها تركيا في سوريا، وبالفعل لم تحدث مواجهة عسكرية بين قواتهما على الأرض السورية.

والحال نفسه في ليبيا مع فروق بسيطة، سنوضحها في حينها؛ إذ دعت الدولتان إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، واحتفظت تركيا بتأييدها حكومة السراج في طرابلس، وواصلت إرسال الإرهابيين والسلاح إلى ليبيا، بينما روسيا تدعم الجنرال حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، حتى إن الكثير من المراقبين رجحوا استنساخ مسار "آستانا" في ليبيا.

يأتي ذلك في الوقت الذي فشل فيه الاتحاد الأوروبي في صياغة موقف موحد من الأزمة الليبية نتيجة الخلاف الفرنسي ـ الإيطالي الذي أشرنا إليه في المقال السابق.

وبينما تتحسس واشنطن خطواتها المترددة في الشرق الأوسط، بدافع من الضغوط الداخلية على ترامب وانشغاله بكل ما له صلة أو تأثير بحملته نحو إعادة انتخابه رئيساً، نجد أن روسيا لا تسمح مطلقاً بتمرير أي حل لصراع في المنطقة الأكثر سخونة في العالم، دون وضع بصماتها عليه، وتوجيه بوصلته نحو دعم وتعزيز نفوذها في المنطقة التي شهدت، أيام الحرب الباردة، وجوداً فعالاً لطالما عرقل المصالح الأمريكية، إلى أن كانت الضربة القاضية بتحلل الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

من هنا، كان موقف روسيا حين عرقلت مؤخراً تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي خاص بنتائج مؤتمر برلين الدولي بشأن الأزمة الليبية؛ إذ رأت موسكو أن مشروع القرار لم يأخذ في الاعتبار الاقتراحات الروسية على النحو الواجب.

وفي التفاصيل نجد أن النص البريطاني للقرار جاء فيه ذكر لقلق مجلس الأمن من الانخراط المتزايد للمرتزقة من "مجموعة فاغنر الروسية" في ليبيا، وطالبت روسيا باستبدال النص ليصبح معنياً بالإرهابيين الأجانب، رغم النفي الروسي المتكرر أن تكون عناصر فاغنر تمثل الدولة الروسية.

والحال أن انسحاباً أمريكياً من الشرق الأوسط لا يعني إلا أن تملأه روسيا في التو واللحظة، ونصراً واضحاً حققته روسيا في سوريا، لن تسمح مطلقاً بالخصم منه في ليبيا.

أما رغبتها في استبدال "مرتزقة فاغنر" بالإرهابيين الأجانب، والعالم كله يعرف دور تركيا فيهم ومعهم، ومعارضة روسيا له أمر مُعلن، فلن يُعقد الأمور بين تركيا وروسيا؛ إذ اعتاد بوتين حل مثل هذه الألغاز البسيطة... وللحديث بقية - بإذن الله.

إعلان