إعلان

شيشاني وتونسي وثالثهما الشيطان!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

شيشاني وتونسي وثالثهما الشيطان!

سليمان جودة
06:11 م الأحد 01 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

خلال أسبوعين اثنين كانت فرنسا على موعد مع حدثين، أظن أنهما سوف يبقيان محفورين في ذاكرتها الجماعية لأمد طويل! ففي مساء يوم الجمعة الموافق السادس عشر من أكتوبر خرج شاب غاضب على مدرس تاريخ في إحدى المدارس الفرنسية، فقطع رأسه على بُعد ٢٠٠ متر من المدرسة!

الواقعة جرت في ضاحية من ضواحي باريس اسمها كونفلان، وتبين لاحقاً أن الشاب مرتكب الجريمة هاجر إلى فرنسا من موسكو، وأنه مسلم من أصل شيشاني، وأن اسمه عبد الله أبو يزيد فيتش، وأنه ارتكب جريمته لأن مدرس التاريخ عرض على تلاميذه رسومًا مسيئة للرسول- عليه الصلاة والسلام! هذه جريمة مرفوضة بالطبع أيًا كان سببها، والقتل كما قال شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، في بيان له بعد الجريمة بساعات، يظل جريمة نكراء لا يقرها دين ولا يقبل بها عقل!

ولذلك.. فالإساءة إلى نبي الإسلام بالرسوم أو بغيرها لها ألف طريقة لرفضها، إلا أن تكون هذه الطريقة هي قتل الناس كما جرى مع مدرس التاريخ!

إنني دائما أتخيل أن الرسول الكريم حي بيننا، وأتخيل أن أحداً قد ذهب يبلغه أن فلاناً قد أساء إليه برسوم ينشرها ويعرضها على تلاميذه.. ثم أسأل نفسي: هل كان رسول الإسلام سيأمر الذي جاء فأبلغه بأن يذهب لقتل الرجل المسيء؟!

لم يكن هذا سيحدث بالتأكيد، وكان الرسول سينصح المسيء بأن يقلع عما يفعله، وكان سيجادله بالحسنى، وكان سيظل يبين له وجه الخطأ في فعلته حتى ينتهي عنها!

القتل، إذن، في مواجهة رسوم الإساءة ليس حلاً، ولن يكون مهما كان الأمر؛ لأن ذلك ليس من أخلاق الإسلام، ولا من تعاليمه، ولا من بين ما جاء يهدي به الناس!

وفي التاسع والعشرين من الشهر نفسه، كان الفرنسيون على موعد مع شاب غاضب آخر، خرج بالقرب من كنيسة في مدينة نيس، فقطع رأس امرأة، وطعن أخرى، وقتل عاملاً، ثم أصاب آخرين، وكان ذلك طبعاً من دواعي ترويع أبناء المدينة وبث الفزع في القلوب!

هذا الشاب تبين إنه تونسي، وإنه هاجر من بلاده الى إيطاليا، ومنها تسلل إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية، وأن اسمه إبراهيم العويساوي!

وكما ترى فإن القاسم المشترك الأعظم بين الواقعتين هو القتل بقطع الرأس على الطريقة الداعشية الشهيرة، دون أن تكون بين القاتلين الاثنين في الحالتين صلة مباشرة، إلا ربما صلة واحدة هي الغضب من الرسوم ومن نشرها في الصحف وعلى التلاميذ!

والإشكال الحقيقي في جريمة قتل المدرس أنك لا تستطيع أن تبرر موقفه المتعلق بالرسوم، بمثل ما لا تستطيع أن تدافع عن موقف الشاب الشيشاني، فقتل الرجل جريمة لا تبرير لها، ونشر الرسوم المسيئة خطيئة لا شك، وإساءة ليس فقط الى الرسول، وإنما الى ما يقرب من مليارين من المسلمين على امتداد العالم!

وإذا كان هذا هو حال الجريمة الأولى التي وقعت على يد الشاب الشيشاني، فالثانية أيضاً التي ارتكبها الشاب التونسي فيها إشكال أكبر، هو أن ضحاياها الثلاثة لم يحدث أن أساءوا للرسول، ولا نشروا رسوماً، ولا فعلوا شيئاً يمكن أن يستحقوا عليه القتل.. لم يحدث.. فهل كل ذنبهم أنهم فرنسيون يتشاركون مع المدرس في الجنسية الفرنسية نفسها؟! هذا هو المحزن في المسألة كلها.

ولا حل أمام هذا الجنون على الجانبين سوى أن يتوافق العالم على تشريع دولي يجرم الإساءة للمقدسات في أي دين.. لا حل سوى ذلك .. لأنك لا تستطيع السيطرة على مشاعر بسطاء يؤذيهم للغاية أن تتعرض مقدساتهم للإساءة، حتى ولو كانت هذه الإساءة نوعاً من حرية التعبير في نظر مرتكبها على الجانب الآخر!

إذا كان شيطان الشاب الشيشاني قد زين له ما فعل، وكذلك شيطان الشاب التونسي، فالتشريع الدولي الذي دعا إليه شيخ الأزهر بعد حادث قتل المدرس بساعات يكفي لقطع الطريق على هذا الشيطان في كل حالة مماثلة في المستقبل.

إعلان