إعلان

رهان الوثيقة في أبوظبي!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

رهان الوثيقة في أبوظبي!

سليمان جودة
09:01 م الإثنين 26 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الواضح أن المسئولين في دولة الإمارات العربية الشقيقة تعاملوا مع وثيقة "الأُخوّة الإنسانية " الشهيرة، بمنطق المثل المصري الشعبي الذي يقول ما معناه إنك "لا يجب أن تمتدح أو تشكر إلا بعد ستة أشهر"، أما معنى هذا المثل الشائع الذي نردده مراراً في حياتنا اليومية، فهو أن الاستعجال في تقييم أي أمر مسألة غير مطلوبة، ولا مُستحبة، فضلاً بالطبع على أن تكون محمودة، والأفضل أن تنتظر بعض الوقت، لترى الى أين انتهت الأمور التي ترغب في تقييمها في الحساب الأخير، أو هكذا يُفترض !

كان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قد وقّع الوثيقة كما نعرف، مع البابا فرانسيس الأول، بابا الفاتيكان، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، فبراير الماضي !

وكانت الوثيقة- ولا تزال طبعاً- حين جرى توقيعها هي الأولى من نوعها في تاريخ العالم الحديث، وربما لهذا السبب بدت عند اطلاقها في أول هذا العام، محل اهتمام وسائل إعلام العالم، وموضع تركيزها، من حيث مساحات التغطية الكبيرة التي حظيت بها على كل شاشة وفي كل مطبوعة !

وقد كانت تريد التأسيس لنشر ثقافة المواطنة، والتعايش، والإخاء بين الناس، وهذه قيم ثلاث تجعل الإنسان يشعر بأن لحياته معنى، وبأن لها هدفاً يستحق السعي إليه !

ورغم أن الشرائع السماوية كلها قد جاءت تدعو إلى نشر القيم الثلاث بين الناس جميعاً، دون تفرقة، ودون تمييز، فالعالم- وهو يلهث من حولنا- لا يزال يبدو في أشد الحاجة إلى هذه القيم أكثر من غيرها، ويبدو بصراعاته المحتدمة، وحروبه المشتعلة، وخلافاته المستعرة، كأنه لم يسمع عن المواطنة كقيمة في أي يوم، ولا عن التعايش، ولا عن الإخاء!

ولذلك فكرت العاصمة الإماراتية في موضوع الوثيقة، ثم لذلك دعت من أجلها أكبر رمزين دينيين في الشرق وفي الغرب، لعل العمل وفق مبادئها يخفف قليلاً من طغيان الشر على عالمنا المعاصر، ولعل كل واحد منا يدرك أن له دوراً في ترجمة القيم الثلاث في معاملاته الحياتية على مدار اليوم !

واليوم، وبعد أن مضت ستة أشهر على توقيع الوثيقة، قطع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، خطوة أخرى في اتجاه الاحتفاظ بالوثيقة حية، وفي اتجاه نقل مبادئها من أوراقها إلى الحياه العملية للناس، فلا تنفصل عن حياتهم، ولا تظل بعيدة عما يؤثر في الشأن اليومي !

كانت الخطوة هي قرار منه بتشكيل لجنة عليا تكون لها مهمة محددة، هي السعي الى تجسيد مبادئ الوثيقة وتنفيذها على مستوى حياة الشعوب في المنطقة وفي خارج المنطقة! وعندما صدر القرار قال الإمام الأكبر معلقاً عليه، إن العمل على تحقيق أهداف الوثيقة ومبادئها، من شأنه أن يرسخ للأمن والاستقرار في العالم، وأن يجعل عالمنا أكثر إنسانية !

وقد مضت ستة أشهر فعلاً بين توقيع الوثيقة في فبراير، وتشكيل لجنة عليا تسهر على تحويل ما جاء في مضمونها من حبر على ورق شيئًا حيًا ينتفع به الملايين ممن يكتوون بصراعات العالم، وحروبه، وأزماته، ومشكلاته التي تتعقد كل يوم !

وقد عاش الدكتور علي السمان- يرحمه الله- داعياً إلى الحوار بين الأديان، وكان يؤمن بالفكرة بقوة، وقد أمضى العقدين الأخيرين من حياته يدعو إلى فكرته بحماس شديد، وبعزيمة أشد، وبرغبة في أن يتحدث أتباع الديانات فيما هو مشترك بينهم، وهو كثير، وأن يتجنبوا الخوض فيما هو محل خلاف، وهو قليل !

عاش ما يقرب من عشرين سنة داعياً إلى ذلك، حاملاً القضية على كاهله، ذاهباً بها إلى كل محفل يمكن أن يعطيها دفعة إلى الأمام، ولم يكن يعبأ كثيراً بالذين كانوا يهاجمونه، ويقفون في طريقه، ويتهمونه بالإفراط في المثالية، وكان على يقين من أن يوماً سوف يجيء تنتقل فيه القضية- قضية الحوار بين الأديان؛ من قضية قد تنشغل بها الصفوة وحدها إلى مسألة تستأثر بانتباه آحاد الناس !

وهذا هو الرهان الذي لا بديل عن أن تعيش عليه لجنة الوثيقة العليا، لأن توقيع الوثيقة قبل ستة أشهر كان مهماً لا شك في توقيته وفي زمانه، ولكن الأهم من التوقيع أن تصادف الوثيقة مَنْ يتلقفها ليبعثَ في أهدافها الحياةَ، وليجعلَ كل قيمة من قيمها هواءً يتنفسه كل إنسان وهو يتعامل مع أخيه الإنسان !إنه رِهان يستحق لأنه في مكانه.

إعلان