إعلان

إرهاب اليمين المتطرف في الغرب

محمد جمعة

إرهاب اليمين المتطرف في الغرب

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 20 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لعله من المفارقة أن الهجوم الإرهابي الذي وقع في الخامس عشر من مارس الجاري على مسجدين في مدينة "كرايست تشيرش" في نيوزيلاندا، يعد واحدا من بين أكثر الحوادث الإرهابية فتكا على مستوى العالم. في حين أن الدولة التي وقع على أرضها الهجوم – أي نيوزيلندا – تحتل المرتبة رقم 114 من أصل 138 مرتبة، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2018. أي أن مستويات الإرهاب هناك قليلة للغاية أو تكاد تكون معدومة.

هذا الحادث، الذي يعد أخطر هجوم إرهابي وقع في تاريخ نيوزيلندا، يسلط بالفعل ضوءًا كاشفًا على عنف وإرهاب اليمين المتطرف في الغرب الذي يتقدم الصفوف حاليًا، وربما سينافس في خطورته على الغرب (في مدى قريبٍ) إرهاب حركات السلفية الجهادية. والشاهد هنا أنه وبينما تنمو الحركات السلفية الجهادية في الداخل الغربي بين الفئات الأكثر تهميشا هناك، لا تقتصر المواقف اليمينية المتطرفة على هوامش المجتمع، ولكن يمكن العثور عليها بشكل متزايد ضمن مكونات التيار الرئيسي هناك.

كذلك بينما تواجه العناصر السلفية الجهادية القادمة من الشرق الأوسط صعوبات في دخول دول غربية لتنفيذ عمليات إرهابية ضخمة، لا تواجه عناصر اليمين المتطرف صعوبات تذكر للسفر إلى أي مكان اختاروه موقعًا كي يضربوا ضربتهم ضد من يعتبرونهم "أعداءً" وعلى رأسهم المسلمون.

أيضًا هناك صعوبة شديدة في الفصل بين أحزاب اليمين التي تعمل بشكل مشروع وتكتسب كل يوم زخمًا جديدًا في بلادها، والعناصر اليمينية المتطرفة التي أسست، بفضل تقدم تقنيات التواصل عبر الإنترنت وسهولة الانتقال من بلد لآخر، شبكة من النظراء والأنصار والمؤيدين عابرة للقوميات بحق. والتي عادة ما تبدأ نشاطها اليميني بالمرور على هذا الحزب اليميني أو ذاك، وتتغذى على خطابات يمينية تشكل العداء للأجانب، ورفض الأقليات والتعددية الثقافية، والدفاع عن هوية إثنو-قومية موحدة وعن التقاليد القومية التاريخية، والدعوة للحد من الهجرة، القاعدة المشتركة بين كافة تياراتها.

وقد قدرت بعض الدول أنه بات لديها أعداد أكبر من مؤيدي اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة. ففي ألمانيا، قدرت المخابرات الألمانية الفيدرالية (Verfassungschutz) أن عدد المتطرفين اليمينيين في عام 2013 بلغ ما يقترب من 22 ألف عنصر، بما في ذلك حوالي 9500 متطرف يميني ممن يحتمل أن يكونوا عنيفين. أما في السويد، فمن المعروف أن هناك ما بين ألفين وثلاثة آلاف متطرف يميني ناشط، مقارنة بأقل من 200 شخص في النرويج والدنمارك. وقد شهدت مسيرة يوم الاستقلال الوطني في بولندا، والتي يخرج فيها عدد كبير من المؤيدين لليمين المتطرف، أكبر نسبة إقبال في عام 2013 بمشاركة 66 ألف شخص في وارسو بحسب تقديرات الشرطة. وشهدت بلدان مثل بولندا ارتفاعًا في جرائم الكراهية بنسبة 25% خلال الفترة من 2009 وحتى 2012.

وعلى الرغم من أن التطرف اليميني غالباً ما يكون متجذرًا في السياقات والقضايا المحلية، فإن له أيضًا عناصر وتأثيرات تتخطى الحدود الوطنية بحيث تطال الساحات الغربية عموما. إذ تتشابه الأساليب من بلد لآخر بشكل ملحوظ. ففي عصر يزداد فيه الاتصال بالإنترنت، أصبحت هذه الاتجاهات أكثر شيوعًا. على سبيل المثال، كثيرًا ما تنتقل الاتجاهات التي تولد في ألمانيا إلى الجمهورية التشيكية، ويمكن أن نشاهدها لاحقًا في سلوفاكيا (كما هو الحال مع حركات "القوميين المستقلين"). وقد لاحظ بعض الخبراء في النرويج أن حركة النازيين الجدد النرويجيين أصبحت أكثر تنظيماً نتيجة للإلهام والمساعدة من اليمين المتطرف السويدي.

باختصار الظاهرة تحتاج إلى دراستها وفهمها للوقوف على تأثيراتها وتداعياتها في المستقبل. وهذا يتطلب الإجابة عن عدد من التساؤلات تتعلق بماهية الجماعات اليمينية المتطرفة؛ وصور تجلياتها الحركية والتنظيمية، والأسباب السياسية والاقتصادية والمجتمعية لصعودها؛ وأخيرًا الاستجابات المتصورة لمجابهة مخاطرها.

لقد قطعت دول العالم خطوات كبيرة في مواجهة تهديدات القاعدة وداعش وغيرهما من الشبكات والتنظيمات الإرهابية. وسيتطلب التهديد الذي يمثله الإرهابيون اليمينيون تقييماً رصيناً ومدروساً بنفس القدر من قبل الجميع أيضا للحيلولة دون تصاعده والحد من أخطاره.

إعلان