إعلان

عيد الأم والمضطربون نفسيًا

د. براءة جاسم

عيد الأم والمضطربون نفسيًا

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 16 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اقترب عيدُ الأمّ، وبدأتْ تزداد دعواتُ عدم الاحتفال به مراعاةً لمن فقدَ والدته، وليس لديَّ أدنى شكٍ في حسنِ نيةِ أصحابِ هذه الدعوات ونبلِ مقصدهم، ولكن قد لا يدركُ بعضُهم خطورةَ هذا الأمرِ على بعض ذوي الاضطراباتِ النفسيّة؛ إذ يؤثر ذلك سلبًا على حالاتهم، وعليَّ أن أوضحَ، أولًا، أنّني لا أتحدثُ عن المشاعر الإنسانية الطبيعيّة، كأن يتذكرُ المرءُ والدتَه، ويفتقدُها، ويشتاقُ إلى وجودها، لكنّي أتحدثُ عن الأشخاصِ غير الأسوياء الذين يأخذونَ احتفالَ الآخرين على أنه تجاهلٌ لأحزانِهم ومشاعرِهم، أو أولئكَ الناقمين الذين يعتبونَ على ابتلاء اللهِ لهم بفقْدِ أمهاتِهم وترك الأخريات، وأنا هُنا لا أنتقدهم، ولكن عليهم أن يعترفوا أمام أنفسِهم على الأقل أنّهم يعانون مشكلةً تستوجبُ معالجةً وحلًا.

وهناك بعضُ المبالغين في وضعِ حدودٍ لتعاملاتِهم مع الآخرين، هؤلاء الذين يتجنّبون فعلًا ما؛ لأنّ الآخرَ يفتقدُه، ويمتنع عن ممارسة حقه في الحياة لأن آخر لا يجيد فعله، فإن كان الأمرُ كذلك، فأين يكونُ الخطُّ الفاصلُ بينَ إظهار نعمِ الله علينا مع مراعاة شعور من فقدوا هذه النّعم وبين عدم إظهارها خشية جرح مشاعرهم؟

ويصرحُ بعضهُم بأن الاحتفالَ بعيدِ الأم ليس اضطراريًّا، وبأنه لا يتعدى كونَه بدعةً؛ لأن أهمية الأمّ لا تمكنُ اختزالِها في يوم من العام، وقد كتبتُ في مقالٍ سابقٍ عن دورِ هذه الأيام الاحتفالية في التوعية، والتذكرة، ومراجعة ما قدمناه، وما سنقدمه في حقِّ من نحتفلُ به. وعيدُ الأم هو يومٌ تنتظرُه الأمهاتُ لشعورهنَّ بالتقدير والامتنان من قِبل الأبناء، خاصةً في زمنٍ زادتْ فيه صعوباتُ الحياةِ ومشاغلُها بشكلٍ جعل الكثيرَ مقصرًا في حقّ أمّه، كذلك فإنّ عيد الأم فرصةٌ لمن يجدُ حرجًا في التعبير عن مشاعرِه على مدار العام لإظهار محبته، وهو أيضًا تذكرةٌ لكل أمٍّ بنعمةٍ منّ اللهُ بها عليها.

لذا أرى أن نغيّر أفكارنا ودعواتنا إلى عدم الاحتفال بهذا اليوم، وأن نستبدلَ بها دعوةِ الجميعِ في هذا اليوم إلى التكافل والبر، وأن نتصدق عن أمهاتنا، على سبيل المثال، أو نزورَ دورَ الأيتام والمسنّين أو نزورَ من لم ينجبْنَ من الأقارب والصديقات لنعبرَ لهنَّ عن قيمتِهنّ ومكانتِهنّ العاليةِ في حياتنا، وأن ندفع عنهنَّ قسوةَ الوحدة في يومٍ كهذا.

وشتان ما بين مراعاةِ مشاعر الآخرينَ، وهو أمرٌ علينا أن نتحلّى به على مدارِ العام، وليس في المناسبات فقط، وما بين التوقّف عن الاحتفال بيوم قد يعني الكثير للأبناء والأمهات، لذا استغل هذه المناسبات في تجديدِ النية وفعلِ الخير، ولْتحْمدَ اللهَ على نعمةٍ لديك حُرم منها غيرُك.

إعلان