إعلان

مدد يا عبدالرحمن يا متولي

مدد يا عبدالرحمن يا متولي

د. أحمد عبدالعال عمر
10:31 م الأحد 15 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في صمت عجيب مثير للحزن، مرت على المصريين هذا الشهر الذكرى الثالثة لمعركة "كمائن الشيخ زويد" التي جرت في يوم 1 يوليو 2015، وهى المعركة المجيدة التي أفشلت أكبر عملية هجومية تعرضت لها القوات المصرية التي تحارب التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء، وأسفرت المعركة عن سقوط 100 قتيل من الإرهابيين، واستشهاد 17 من الضباط والجنود المصريين.

كان الهدف من هذا الهجوم الإرهابي، الذي تم في توقيتات متزامنة على عدة أكمنة، وباستخدام عربات مفخخة وأسلحة متعددة الأعيرة، إعلان سيطرة تنظيم داعش الذي يطلق على نفسه اسم "ولاية سيناء" على بعض المناطق شمال سيناء، ليروج التنظيم الإرهابي للعالم خروج سيناء عن سيطرة الدولة المصرية، كما حدث في بعض مناطق سوريا والعراق.

وقد كان الشهيد الشاب المجند عبدالرحمن محمد المتولي ابن عزبة الشال بمدينة المنصورة، أحد الأبطال الذين تمكنوا من صد الهجوم الإرهابي على كمين الرفاعي بالشيخ زويد، وإفشال هذا المخطط الخبيث، وقد استطاع برغم إصابته برصاصة في جنبه أن يقتل ١٢ تكفيرياً قبل أن يستشهد برصاصة في رأسه، لتصعد روحه الطاهرة إلى ربه وهو صائم؛ وبهذا صنع أسطورته الخاصة التي سوف تُخلد ذكراه في وعي وتاريخ مصر والمصريين.

وهى أسطورة أن تكون شاباً عادياً من أبناء الأقاليم، وبتعليم متوسط، لا يراك أحد، ولا يشعر بوجودك أحد، وجهك مصري بامتياز، يشبه وجوه ملايين الشباب المصريين العاديين.

شاب من أبناء البسطاء ملح أرض هذا الوطن، ربما لم يكن لديه أي وعي سياسي أو تاريخي متقدم، أو أدنى قراءات عن مفهوم البطولة وأشكالها، شاب عادي صاحب أحلام بسيطة؛ وظيفة وبيتا وزوجة وأبناء.

ثم يذهب هذا الشاب البسيط لأداء الخدمة العسكرية مثل كل الشباب، وهو يظنها أياماً وسوف تمر، كما حدث مع أقاربه وأصدقائه، لكن القدر كان ينسج له مصيراً مختلفاً، بعد أن جعله طرفاً في معركة مصيرية كبرى بالنسبة لوطنه، معركة سوف تُكتب في تاريخ العسكرية المصرية بحروف من نور، وفيها قام هذا الشاب – الذي لا يشعر أحد بوجوده في الحياة المدنية - بواجبه على أحسن وجه، ودافع ببطولة منقطعة النظير عن شرفه العسكري، وعن نقطة خدمته وزملائه وكرامة وأمن بلاده، حتى نال شرف الشهادة.

وهنا أتوقف لأتساءل: ماذا كان يدور برأسك يا عبدالرحمن وأنت مصاب وتقاتل حتى استشهادك؟

هل رأيت النهاية وتقبلتها بهدوء الأولياء، وسلمت الأمر لصاحب الأمر بتدين فطري أصيل، والتزام بالواجب؟

ما الذي كُشف لك في هذه النهاية، وهل كنت تريد أن تقول لنا شيئاً عن معنى الوطن ومعنى الواجب؟

هل كنت تود أن توجه رسالة ووصية لأسرتك وأحبائك وأصدقائك، ولكل الشباب من أبناء وطنك؟

أظن أن رسائلك قد وصلت يا عبدالرحمن، حملها إلينا على نحو غير مباشر فعل بطولتك واستشهادك، ولهذا سوف نرفض دائماً أن تُنسى كأنك لم تكن، أنت وكل الشهداء في معركة استعادة الأمن في سيناء ومواجهة الإرهاب في عموم البلاد، وسوف نستحضر دائماً أسماءكم ومعنى ودلالات بطولاتكم واستشهادكم، وكل القيم التي تجسدت لنا بحضوركم ودوركم، وكادت تضيع في ظل صخب حياتنا، واهتمامنا بتوافه الأحداث والشخصيات، وفهلوة بعضنا، وصراع الكثير من النخبة السياسية والثقافية على المكاسب والمصالح الشخصية.

في النهاية، لا أجد في ذكرى استشهادك يا عبدالرحمن كلمات مناسبة لرثائك؛ فكما قيل: "حين يصير الدم مدداً فلتسقط كل الكلمات"، ولهذا لن أقول إلا: مدد يا عبدالرحمن يا متولي؛ مدد من فيض حضورك وبطولتك ومحبتك لوطنك، مدد ينير لنا الطريق ويعلمنا معنى الوطن والواجب وفضيلة التجرد عن الهوى الشخصي والتضحية من أجل المثل والقيم العليا.

إعلان