إعلان

اللي بيفكر ينتحر يكلم مين؟

اللي بيفكر ينتحر يكلم مين؟

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 24 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كيف وماذا تكتبُ حين يكونُ الأمرُ عن الانتحار؟ هل الحلُّ أنْ أحصي أرقامًا وإحصائياتٍ، وأذكرَ أنَّه حسَبَ المنظمةِ العالمية للصحةِ هناك شخصٌ في هذا العالمِ ينتحرُ كلَّ٤٠ ثانيةٍ تقريبًا، وأنَّهُ مقابل كلّ شخصٍ يقومُ بالانتحار هناكَ ما يقاربُ الخمسةَ والعشرين شخصًا حاولوا الانتحار، وأنه باتَ ثاني أسباب الموت بين سنِّ الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين عامًا؟!

هلْ أعدِّدُ الأسبابَ الكثيرةَ التي قدْ تؤدي إلى الانتحار، ومنها على سبيل المثالِ لا الحصر: الاكتئابُ، والفصامُ ثنائي القطب، والهلاوسُ السمعيةُ والبصرية، والتعرضُ للعنف اللفظي أو النفسي أو الجسدي أو الجنسي، والصدماتُ، والاغتصابُ، والتعرُّضُ لحدثٍ جلل، وفقدُ أحدِهِم، والمشاكلُ المادية، والفشلُ الدراسي، والتنمّر... إلخ، وأخصِّصُ مقالًا أو رُبما سلسلةَ مقالاتٍ عن هذه الأمراض النفسية؟!

أم هل أقدمُ حلولًا من عيّنة "قل ولا تقل" لمنْ يمرُّ بظروفٍ صعبةٍ، ويعتقدُ أنه على مشارفِ الانتحار؟ وأتحدثُ عن الصفحاتِ الخاصةِ بالدعمِ النفسيِّ التي لا حصر لها، وكثيرٌ منها ذاتُ أهدافٍ نبيلةٍ تحاولُ القيامَ بدورٍ مجتمعيٍّ لمساندةِ من يحتاجُ إلى الدعم، ولكن أجدُ في بعضِ الحلولِ أو الردودِ كوارثَ قد ترسِّخُ أو تسرِّعُ خطوة الانتحار؟!

هل أتحدثُ عن التقدُّمِ التكنولوجي والتراجعِ الإنسانيِّ والساديةِ التي باتَتْ مستوطنةً حدَّ العفنِ في نفوسِ كثيرينَ ممن يؤذونَ غيرَهم؟

سأقومُ بكلِّ ما سبقَ لأنّني أومنُ بأنَّ لدينا جميعًا دورًا علينا أن نقومَ به تجاه مجتمعاتِنا، ولو كان بسيطًا، لا نستطيعُ أن ندفنَ رؤوسَنا في الترابِ كالنعام، فالانتحارُ مشكلةٌ عالمية.
هناك ما يقاربُ المليون شخصٍ يفارقونَ الحياةَ سنويًّا بسببِ الانتحارِ، والأعدادُ في تزايد، ونحن جزءٌ من هذا العالم، ولسنا ببعيدينَ عن هذه المشكلة.

لكنني أريدُ هنا أن أطرحَ تساؤلًا: "إلى من يلجأُ مَن فكَّرَ في الانتحار؟ وهل هناك مراكز دعمٍ يعملُ بها متخصِّصون نفسيُّون؟"، وأنا هنا لا أتحدثُ عن عياداتِ الدكتور النفسيّ أو المستشفياتِ العادية أو الأصدقاء وأفراد العائلة، فهؤلاء لا قِبَلَ لهُم باكتشاف هذه الحالات ودعمِها بشكلٍ متخصص، بل أتحدّثُ عن مدى توفّرِ مراكزِ دعمٍ متاحةٍ على مدارِ الساعةِ معنيّةٍ بحالات الطوارئ النفسية، مماثلةٍ لتلك التي تنتشرُ في كثيرٍ أو ربما في كلّ دولِ الغرب، ما يعني أن الأمرَ ليس مستحدثًا ولا اختراعًا للعجلة، بل هو فقط يحتاجُ منّا إلى اهتمامٍ خاص حتى نتمكّنَ من الإجابةِ عن هذا السؤال: كيف نحمي أنفسَنا وأولادنَا من الإقدام على الانتحار؟!

إعلان