إعلان

الفرصة التي أهدرها خالد علي

الفرصة التي أهدرها خالد علي

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 26 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا أظن أن خالد علي قد أصاب عندما قرر عدم مواصلة مشوار المنافسة في الانتخابات الرئاسية. الدستور يجعل الانتخاب بين عدة مرشحين هو الطريق لاختيار رئيس الجمهورية، وعلى كل من يتمنى الديمقراطية في مصر، ولو بعد عمر طويل، التمسك بالانتخابات، مهما كانت جودتها، وتجنب أي إجراءات أو اختيارات ترجع بنا إلى زمن الاستفتاءات البائس.

مازلنا قريبين جدا من الزمن الذي كان فيه رئيس الجمهورية يختار بالاستفتاء. مازالت خبرتنا مع انتخاب رئيس الجمهورية غضة وتجريبية، وأبعد ما تكون عن أن تصبح الممارسة الطبيعية والطريقة العادية لاختيار الرئيس.

مازال البعض - بين الحكام والمحكومين أيضا – غير مقتنع بالانتخاب، ويتمنى العودة لزمن الاستفتاء. في ظل هذه الظروف فإن مجرد إجراء الانتخابات بمشاركة مرشح معارض بأصالة خالد علي كان له أن يسهم في تعزيز أهمية الانتخابات في نظامنا السياسي.

لا أظن أن خالد علي كان يشارك في الانتخابات لأنه يعتقد أن لديه فرصة للفوز، فالفارق شاسع بين مساحة التأييد وحجم الموارد المتاحة للرئيس السيسي، وتلك المتاحة للأستاذ علي. المنافسة الانتخابية في حد ذاتها، وبغض النظر عن نتيجتها، كانت هي الهدف الذي سعى إليه خالد علي منذ البداية.

المجال السياسي ضيق، ومشاركة خالد علي في الانتخابات كان لها أن تسهم في فتح المجال العام، ولو لسنتيمترات قليلة. هذا هدف شديد الأهمية، يستحق بذل كل الجهد في سبيله.

توقيت الانسحاب يوحي بأن إخراج سامي عنان من السباق قد أشاع القلق في صفوف أنصار خالد علي، وفي هذا خلط كبير. سامي عنان، ومن قبله أحمد شفيق، ما كان لهما أن يشاركا في السباق الانتخابي منذ البداية. فانتخابات الرئاسة لا يجب أن تكون مجالا للمنافسة بين ضباط طموحين، ولا يجب لها أو غيرها من ممارسات السياسة، أن تلقي بظلال من أي نوع على القوات المسلحة. لقد مرت البلاد بظروف حتمت انتخاب عسكري لمنصب الرئيس، لكن ذلك يظل وضعا استثنائيا لا يجوز الاستغراق فيه.

الوضع صعب، هذا مؤكد، لكني لا أظن أن ما واجهته حملة خالد علي من صعوبات يبرر الانسحاب. الأوضاع الصعبة تحتاج إلى جلد أكثر، وصبر أطول، وأشخاص مستعدين لتحمل صعوبات أشد. لقد تربت المعارضة عندنا في زمن الرئيس مبارك، الذي كان ينظر للمعارضة باستهزاء وتعال، عملا بمبدأ "خليهم يتسلوا". الرئيس السيسي يختلف في هذا تماما عن مبارك. فالمعارضة يتم أخذها بجدية تامة، وكل شيء تقوم به يصبح موضوعا لفحص وتحليل دقيق، وليس كمادة للترفيه.

باختصار، فإنه لم يعد هناك مكان لمعارضة تتعامل مع السياسة بمنطق التسلية، فالسياسة ليست هواية، وليست طريقة لطيفة لقضاء وقت الفراغ. قد تكون السياسة كذلك في بلاد راسخة في الديمقراطية، أما في بلاد مازالت تحبو على طريق الانتقال، فإن الأمر ليس كذلك بالتأكيد.

إعلان