241 مليون خدمة.. ماذا قدمت مبادرات الصحة العامة حتى 2025؟
كتب : أحمد جمعة
وزارة الصحة والسكان
ينظر كثيرون إلى مبادرات الصحة العامة باعتبارها واحدة من أهم التحولات الاستراتيجية في تاريخ المنظومة الصحية، حيث انتقلت الدولة من منطق العلاج إلى فلسفة الوقاية والكشف المبكر والتدخل السريع، بما يضمن الحفاظ على صحة المواطن وتحسين جودة حياته في جميع المراحل العمرية.
وخلال السنوات الأخيرة، جرى إطلاق حزمة واسعة من المبادرات الرئاسية التي غطت مختلف الفئات السكانية في كل أنحاء الجمهورية.
ووفق بيانات وزارة الصحة، فحتى عام 2025، نجحت المبادرات الرئاسية للصحة العامة في تقديم أكثر من 241.5 مليون خدمة صحية مجانية، استفاد منها نحو 94 مليون مواطن، ضمن منظومة متكاملة ضمت 15 مبادرة رئيسية استهدفت الإنسان المصري منذ لحظة الميلاد وحتى مراحل الشيخوخة.
حظيت هذه الجهود بإشادة دولية واسعة، تُوجت بحصول المبادرات الصحية المصرية على جائزة الأمم المتحدة للأمراض غير السارية لعام 2024، في اعتراف عالمي بنجاح التجربة المصرية في خفض معدلات الإصابة وتحسين المؤشرات الصحية على نطاق واسع.
ويمثل إطلاق المبادرة الوطنية للقضاء على فيروس سي والأمراض غير السارية في أكتوبر 2018 نقطة تحول مفصلية في تاريخ الصحة العامة بمصر، باعتبارها أول مبادرة صحية شاملة تُنفذ في جميع محافظات الجمهورية دون استثناء.
واستهدفت المبادرة القضاء على فيروس سي وتقليل آثاره السلبية على صحة الإنسان وإنتاجيته، وضمان حق المواطن في حياة كريمة، في وقت كانت فيه نسبة الإصابة بالفيروس عام 2015 تبلغ نحو 4.4%.
وبفضل هذا الجهد الوطني غير المسبوق، انخفضت نسبة الإصابة إلى أقل من 1% بحلول عام 2022، في إنجاز صحي يعد من الأكبر عالميًا.
وأسفرت المبادرة عن فحص أكثر من 60 مليون مواطن، وعلاج ما يزيد على 4 ملايين مصاب، إلى جانب تحقيق وفر اقتصادي مباشر قُدر بنحو 15.9 مليار جنيه من التكاليف الطبية، وهو ما يعكس العائد الاقتصادي للاستثمار في الوقاية والكشف المبكر.
وفي أكتوبر 2023، حصلت مصر على إشادة منظمة الصحة العالمية بالوصول إلى فئة Golden Tier، لتصبح أول دولة في العالم تقترب من القضاء التام على فيروس سي، وتتحول تجربتها إلى نموذج إقليمي ودولي يمكن نقله وتطبيقه في دول أخرى، خاصة داخل القارة الإفريقية.
حزمة مبادرات صحية
وامتد أثر هذه المبادرات ليشمل صحة الأطفال في المدارس، حيث أطلقت الدولة مبادرة القضاء على فيروس سي بين أطفال المدارس، والتي بلغ إجمالي عدد الطلبة المفحوصين فيها حتى العام الدراسي الحالي 17,253,765 طالبًا، بتكلفة بلغت 423 مليون جنيه، من بينهم 1.8 مليون طالب خلال العام الدراسي الحالي فقط.
أسفرت الفحوصات عن اكتشاف 19,825 حالة إيجابية تم تحويلها لتلقي العلاج، بما يضمن التدخل المبكر وحماية الأجيال الجديدة من مضاعفات المرض.
وفي السياق ذاته، استهدفت مبادرة علاج أمراض سوء التغذية بين أطفال المدارس تحسين الحالة الصحية والتغذوية للطلاب، حيث جرى فحص نحو 60,851,306 طالبًا في جميع محافظات الجمهورية منذ انطلاق المبادرة وحتى عام 2025.
ووفق بيانات العام الدراسي 2024–2025 حتى الآن، بلغت نسبة الإصابة بالسمنة 8.3%، فيما سجلت الأنيميا نسبة 9.4%، ووصلت نسبة التقزم إلى 3.8%، وهي مؤشرات أتاحت للدولة وضع سياسات تدخل قائمة على بيانات دقيقة وواقعية.
وفي إطار الاهتمام بصحة المرأة، حققت مبادرة دعم صحة المرأة انتشارًا واسعًا، حيث بلغ إجمالي عدد الزيارات 64,854,712 زيارة، وأسفرت الفحوصات عن تأكيد الإصابة لدى 35,666 حالة، ما أسهم في الاكتشاف المبكر وتقليل نسب المضاعفات المرتبطة بأمراض السيدات، وعلى رأسها أورام الثدي.
أما في مجال صحة حديثي الولادة، فقد شهدت مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع للأطفال خلال أول 28 يومًا من الولادة، بالتزامن مع تحليل الغدة الدرقية، نتائج غير مسبوقة، حيث بلغ إجمالي عدد الفحوصات 88,757,559 فحصًا.
وتلقت الحالات المكتشفة العلاج وفقًا لنوع التدخل المطلوب، إذ حصلت 20,734 حالة على علاج دوائي، وتم تركيب سماعات طبية لـ12,396 حالة، إلى جانب إجراء زراعة قوقعة لـ3,078 حالات، بما يضمن دمج الأطفال في المجتمع وتحسين قدراتهم التواصلية منذ المراحل الأولى للحياة.
وشملت جهود الدولة كذلك مبادرة العناية بصحة الأم والجنين، والتي بلغ إجمالي عدد الفحوصات فيها 3,527,441 سيدة، في إطار تعزيز المتابعة الطبية أثناء الحمل وتقليل المخاطر الصحية على الأم والجنين، فضلًا عن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لدى الأطفال حديثي الولادة، التي جرى خلالها فحص 670,926 مولودًا، مع إحالة 4,760 حالة لاستكمال الفحوصات والعلاج اللازم.
وفيما يتعلق بالأمراض المزمنة، نفذت الدولة مبادرة فحص وعلاج الأمراض المزمنة والاكتشاف المبكر للاعتلال الكلوي، حيث بلغ إجمالي عدد الفحوصات 19,621,321 مواطنًا، وأسفرت النتائج عن اكتشاف 7,053,929 حالة ارتفاع ضغط دم محتمل، و4,576,462 حالة اعتلال كلوي، و2,519,523 حالة مرض سكر، ما أتاح التدخل المبكر وتقليل العبء المستقبلي للأمراض المزمنة على النظام الصحي.
وامتد الاهتمام ليشمل كبار السن من خلال مبادرة الرعاية الصحية لكبار السن، التي بلغ إجمالي عدد الفحوصات فيها 2,004,114 مواطنًا، مع إحالة 1,054,879 حالة لاستكمال الرعاية الطبية، بما يعكس توجه الدولة لتوفير حياة صحية كريمة لهذه الفئة التي تمثل ذاكرة المجتمع وخبرته.
وفي مجال الأمراض النادرة، حققت مبادرة علاج أطفال مرضى الضمور العضلي تقدمًا لافتًا، حيث جرى فحص 26,901 حالة، وإحالة 1,863 حالة، وتم حقن 44 طفلًا بالعلاج الجيني Zolgensma للأطفال دون سن السنتين، بتكلفة تصل إلى 2.1 مليون دولار للحقنة الواحدة، مع العمل حاليًا على توفير العلاج للأطفال فوق سن السنتين، في واحدة من أكثر المبادرات تكلفة وتعقيدًا على مستوى العالم.
كما شملت الجهود مبادرة الاكتشاف المبكر وعلاج مرضى سرطان الكبد، التي بلغ إجمالي عدد الفحوصات فيها 118,920 حالة، مع إحالة 5,280 حالة، واكتشاف 2,911 إصابة، إلى جانب مبادرة الكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية، حيث جرى تنفيذ 14,446,731 استبيانًا أسفر عن اكتشاف 60 حالة سرطان رئة، و244 حالة سرطان قولون، و166 حالة سرطان بروستاتا.
ولم تغفل الدولة البعد النفسي للصحة العامة، حيث أطلقت المبادرة الرئاسية لدعم الصحة النفسية تحت شعار «صحتك سعادة»، والتي شملت تنفيذ 15,812 استبيانًا للكشف المبكر عن اضطرابات طيف التوحد، و716 استبيانًا لإدمان الألعاب الإلكترونية، و1,538,262 استبيانًا نفسيًا للمقبلين على الزواج، فضلًا عن 7,182 استبيان صحة عامة و123,164 استبيانًا لكبار السن، بما يعكس نظرة شاملة للصحة بوصفها توازنًا جسديًا ونفسيًا.
وفي إطار الحفاظ على صحة البصر لدى الأطفال، جرى تنفيذ المبادرة الرئاسية «عيون أطفالنا مستقبلنا» لفحص البصر لطلاب المرحلة الابتدائية في عدد من المحافظات، حيث بلغ عدد حالات الفحص 1,939,916 طالبًا، وتم تركيب نظارات طبية لـ11,023 حالة، وصرف أدوية لـ3,200 حالة، مع إحالة 511 حالة لاستكمال العلاج.
كما تم إطلاق مبادرات مستحدثة، من بينها برنامج التدخل السريع لإزالة رجفان القلب البطيني، والمبادرة الوطنية للتوعية بالموت المفاجئ والتدريب على استخدام جهاز مزيل الرجفان الخارجي الآلي AED تحت شعار «بإيدينا ننقذ حياة»، بما يعزز فرص إنقاذ الأرواح في الحالات الحرجة.
وتكاملت هذه الجهود مع المبادرة الرئاسية للقضاء على قوائم الانتظار، والتي أسفرت منذ انطلاقها عام 2018 وحتى نهاية نوفمبر 2025 عن إجراء 2,766,547 عملية جراحية، بتكلفة إجمالية بلغت 29 مليارًا و566 مليون جنيه، شملت جراحات دقيقة في تخصصات القلب والعظام والرمد والأورام والمخ والأعصاب والقساطر بأنواعها، وزراعة الكلى والكبد والقوقعة، لتضع حدًا لمعاناة آلاف المرضى وتعيد لهم الأمل في حياة طبيعية.