إعلان

كتب ممنوعة.. في الشعر الجاهلي لطه حسين

06:00 ص الأحد 23 أبريل 2023

طه حسين

كتب-محمد شاكر

بين دفتي الكتب والروايات، الكثير من الأسرار التي تستحق أن تقرأ، ولكل كتاب العديد من الكواليس التي تستحق أن تروى.

في هذه السلسلة نلقي الضوء على كواليس الكتب التي تم حجبها، وقت إصدارها، في زمن أصبح مفتوحا ولا يعرف كتبا ممنوعة..

"في الشعر الجاهلي"

يعد كتاب الدكتور طه حسين «في الشعر الجاهلي» أحد أبرز الكتب التي أثارت جدلا واسعا في التاريخ العربي الحديث، وأقوى معركة فكرية ظهرت في القرن العشرين على الإطلاق لأنها استمرت قرابة ١٠ أعوام، وكان أطرافها أهم المفكرين والمبدعين في القرن الماضي، وتدخل بها الكثير من كبار المسئولين في فترة الملكية المصرية.

وأثار الكتاب معارضة شديدة لأنه يقدم أسلوباً نقدياً جديداً للغة العربية وآدابها، يخالف الأسلوب النقدي القديم المتوارث.

وهذه المعارضة قادها رجال الأزهر، واتهم طه حسين في إيمانه، وسحب الكتاب من الأسواق لتعديل بعض أجزائه. وقامت وزارة إسماعيل صدقي باشا عام 1932م بفصله من الجامعة كرئيس لكلية الآداب. فاحتج على ذلك رئيس الجامعة أحمد لطفي السيد، وقدم استقالته. ولم يعد طه حسين إلى منصبه إلا عندما تقلد الوفد الحكم عام 1936م.

واعتمد الأديب الراحل في تناوله للكتاب على المنهج الديكارتي، (نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي ديكارت) وهو منهج يعتمد على الشكل في كل شيء، بل ويرفع شعار "أنا أشك إذن أنا موجود".

ويرى العميد أن الشعر الجاهلي تم تفصيله على القرآن، كالثوب الذي يتم تفصيله على لابسه، لاكتساب عدد من الخصال والمكاسب التي كانت القبائل العربية تتباهى بها في العصر الجاهلي، كأن تتباهى بشعرائها وبما قدموه، كما أن تتباهى بحضارتها المزعومة وإنجازاتها، وغير ذلك من الأمور، ومن هنا كان رأيه ضرورة مراجعة كل ما قيل على الشعر الجاهلي، وعدم التسليم بكل ما وصلنا منه.

ويؤكد صاحب "الأيام" في كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي"، أن صورة الحياة الجاهلية في القرآن، مخالفة لما هو موجود في الشعر الجاهلي، فحياة الشعر الجاهلي في القرآن مشرقة وجميلة، على عكس ما هو موجود بالشعر الجاهلي، التي اقتصرت على جوانب الغزل والإبل والصحراء والحرب وغيرها، دون أن يتطرق الأمر من قريب أو من بعيد للدين السائد وقتها، مشيرا إلى أن أفضل طريق لمعرفة فترة الجاهلية يكون القرآن نفسه.

ردود الأفعال التي أثارها الكتاب، لم تقتصر على المستوى الثقافي فقط، وإنما امتد ليصل إلى المستوى السياسي، أيضا وفق ما أكده العميد نفسه في لقاء له مع برنامج "كاتب وقصة" للمذيعة سميرة الكيلاني، حيث قال: إن الثورة التي فجرها الكتاب من خصومة مع بعض الأطراف لم تكن خصومة دينية ولا أدبية وإنما كانت خصومة سياسية، وشارك فيها الأزهر باسم الدين، ولكن شيخا من شيوخه تبرأ من أن يكون له دخل في هذه الخصومة، ودعا على الذين حرضوه، وحرضوا الأزهر على هذه المشاركة.

وما يلفت النظر بداية أن هذه البلاغات قدمت من الفترة ما بين 30 مايو 1926 و14 سبتمبر من العام نفسه، لكن النائب العام انتظر مجيء الدكتور طه حسين الذى كان خارج مصر فى 19 أكتوبر وبدأ بعدها التحقيق.

وأكد الكاتب الكبير خيري شلبي على أن نص التحقيق الذى نشر حول هذه الواقعة، يدل على الثقافة التى كان يتمتع بها وكيل النائب العام "محمد نور" الذى حقق مع طه حسين وبرأه من الإتهامات التي وجهت له، لم يستبعد "شلبي" أنها نتاج ما أحدثه طه حسين فى الشارع المصرى من حراك ثقافي، وانتهى الأمر ببراءة الدكتور طه حسين مما نسب إليه.

يقول طه حسين، في كتابه المثير للجدل: شككت في قيمة الأدب الجاهلي، وألححت في الشك. وانتهيت إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً، ليست من الجاهلية في شيء، إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام. فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. وما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جداً، لا يمثل شيئا، ولا يدل على شيء، ولا ينبغى الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي. فالشعر الذي ينسب إلى أمرئ القيس أو إلى الأعشى أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن. لذلك لا ينبغي أن يُستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث. وإنما ينبغي أن يُستشهد بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله. فحياة العرب الجاهليين ظاهرة في شعر الفرزدق وجرير وذي الرمة والأخطل والراعي النميري أكثر من ظهورها في هذا الشعر الذي ينسب إلى طرفة وعنترة وبشر بن أبي خازم.

فيديو قد يعجبك: