إعلان

هل كان "تشارلز ديكنز" صاحب فكرة السفر عبر الزمن؟

01:18 ص الثلاثاء 11 أغسطس 2015

تشارلز ديكنز

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(بى بى سى)

ما زالت الرحلات الخيالية عبر الزمن وإلى الفضاء تسحرنا، وخاصة تلك المتعلقة بشخصيات شهيرة، مثل "إبنزر سكورج" و "دكتور هوو". الصحفية سميرة أحمد توضح لنا السبب في ذلك.

يقول ديكنز في فقرة من روايته الشهيرة "ترنيمة عيد الميلاد": "كما تقول الكلمات، فقد نفذوا عبر الجدران، وتوقفوا عند طريق ريفية مفتوحة، حيث تمتد الحقول على الجانبين. وقد اختفت المدينة بأكملها، ولم يبقَ لها أي أثر. الظلام والضباب اختفيا معها أيضا، فقد كان يوماً شتوياً صافياً، وبارداً، وكان الثلج يغطي الأرض."

لم تكن هناك آلة زمن، ولا خيال علمي، لكنها كانت القفزة الأولى نحو السفر عبر الزمن في الروايات الخيالية المعاصرة. ففي رواية "ترنيمة عيد الميلاد" (1843)، هناك "شبح عيد الميلاد" يسيطر على شخصية "سكروج" ويقوده في رحلة خلاص لإنقاذ روحه.

ويروي ديكنز ذلك المشهد الذي يخاطب فيه سكروج ذلك الشبح الذي أتي في ثالث زيارة له: "لقد صرخ بقوة: ’يا شبح المستقبل‘! أخافك أكثر من أي شبحٍ رأيته حتى الآن. غير أني أعلم أن غرضك فيه منفعة لي. ولأني آمل أن أعيش لأصبح رجلاً مختلفاً عما كنت عليه، فأنا مستعد لتحمل صحبتك. كما سأقوم بذلك بقلب مشكور. ألن تكلمني؟"

لم يكن "ديكنز" الكاتب الغربي الوحيد الذي حاول كتابة قصص خيالية تتجاو الزمن، لكنه كان أول من ترك وقعاً مؤثراً في ذلك الإطار. (قصة "مذكرات القرن العشرين" عام 1733 للكاتب الأيرلندي "صموئيل مادن"، وهي هجائية ومعادية للكنيسة على طريقة الكاتب "جوناثان سويفت"، سبقته بنحو 100 عام. لكن جرى التعتيم عليها وقتذاك وتم إتلاف أكثر النسخ الباقية منها.)

في "ترنيمة عيد الميلاد" لديكنز، نستطيع إرجاع جملة وردت فيه إلى مسرحيات القرون الوسطى عن الأخلاق والسلوكيات، وكتاب "رحلة سائح" للمؤلف "جون بُنيان". ومع ذلك، فلا زالت القصة تجد أصداء لها في عصرنا الحالي الأكثر علمانية.

فقد فتح السفر عبر الزمن أبواب استكشاف خلاص النفس والجماعة على حد سواء: إذ تُبتكر شخصية "إبنزر سكروج" من جديد كفاعل خير مليونير. تخيّل "وليام موريس" لاحقاً مدينة فاضلة مستقبلية في "أخبار من ’لامكان‘" (1890).

وبالتأكيد كان يوجد شيء من انبعاث الفن والتصميم والمعمار للعصور الوسطى الفيكتورية مما غذى فكرة الافتتان باسترجاع الماضي وإحيائه في الحاضر.

أشباح داخل الآلة

1

كان الكاتب والإنسان المتحضر "هـ. ج. ويلز" من وهبنا فكرة السفر عبر الزمن كتعبير مجازي لانعدام المساواة الاجتماعية؛ في معمل علفه الخيالي، حيث يكدّ ويكدح قوم "مورلوكس" لينفذوا أوامر أفراد النخبة الخاملة من قوم "إيلوي".

كما ابتكر ويلز رؤية حاسمة لعلم الميكانيكا اللازمة لآلة السفر عبر الزمن في رواية "آلة الزمن" (1895)، "إنه شيء من النحاس الأصفر وخشب الأبنوس والعاج وحجر الكوارتز البراق الشفاف". جرى تصوير ذلك بشكل جميل في فيلم صدر عام 1960 للمنتج "جورج بال":

"بدا لي وكأني أرى طيفاً في شكل إنسان غير واضح المعالم وهو يجلس لبرهة داخل كتلة سوداء نحاسية تدور حول نفسها. كان الطيف شفافاً إلى حد أنك كنت تستطيع أن تميز المائدة الواقعة خلفه، بأوراق الرسم الموجودة عليها؛ لكن هذا الوهم تلاشى عندما فركتُ عيني. لقد رحلت آلة الزمن."

لقد ولّد ذلك الخيال حبَّ التكنولوجيا لدى مهربٍ رومانسي. إن آلة الزمن هي في الاساس سفينة شراعية للمستكشفين من عصر الملكة إليزابيث الأولى، أو سفينة فضاء بالنسبة لأصحاب الأحلام في عصرنا الحاضر.

لقد أصبح الوقوع في غرام شيء مرادفٍ لعذراء من القرون الوسطى تعبيراً مجازياً محبباً بقوة، بداية من رواية "يانكي من كونيكتيكت في بلاط الملك آرثر" لمؤلفها "مارك توين"، إلى مجموعة مؤلفات "الدخيلة" للكاتبة "ديانا غابالدون" ومسلسلها التلفزيوني بنفس الاسم. حتى أنهم أدخلوا حبكة فرعية لقصة حب عبر الزمن في فيلم ضمن فيلم للممثل والمخرج "جين كيلي" وهو يحاول معالجة الموضوع في فيلم "الغناء تحت المطر" (1952).

وقد ألّف "ريتشارد ماثيسون" سيناريو "عاد وقت المزايدة" (1975) ـ وتم إخراجه كفيلم بعنوان "في مكان وزمان ما" (1980) مع "كريستوفر ريف". واستوحى "ماثيسون" الفكرة من وقوعه في غرام لوحة تاريخية، ولكنه يستمد طاقته من طريقة محكمة وغير اعتيادية للسفر عبر الزمن ذات عواقب وخيمة.

ويستعمل بطل الفيلم "ريتشارد كوليير" طاقة التنويم المغناطيسي الذاتي في غرفة ملأى بأشياء تعود لحقبة ماضية. إن نظرة خاطفة على قطعة معدنية معاصرة في يده تكفي لتدفعة بقوة إلى رحلة عبر الزمن الحاضر، لكن بجسد وذهن محطّم.

مستقبل بائس

خدم "ماثيسون" في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، كما أن عصراً ذهبياً لقصص الخيال العلمي في السفر عبر الزمن قد بدأ مع ظهور المشاهدات الجماعية لرواة القصص الذين يسردون أهوال وفظائع الإبادة الجماعية في هذه الحرب.

لعل أعظم قصة للسفر عبر الزمن في فترة ما بعد الحرب هي "منصة المشاهدة" (1962) للمخرج "كريس ماركر". لقد أصبح هذا الفيلم، فيما بعد، ملهماً للمخرج "تيري غيليام" ليخرج فيلمه بعد ذلك بعنوان "12 قرداً".

2

إن معظم أفلام الخيال العلمي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي التي تضمنت السفر عبر الزمن كانت ممتعة وساحرة. إلا أن "ماركر"، الذي عمل ضمن "المقاومة الفرنسية"، قدم لنا شيئاً أكثر تشاؤما وسوداوية. ففي مستقبله البائس، يتمتم العلماء بلغة ألمانية بينما يجرون تجاربهم على سجنائهم للسفر عبر الزمن لإنجاز مهمتهم العظمى.

وتماثل قوة ذلك الفيلم رواية "أقرباء" (1976) للكاتبة "أوكتافيا بتلر"، حيث تجد امرأة عصرية أمريكية من أصل أفريقي نفسها وقد رُحِّلت إلى عصر العبودية. وتجد كلا الحكايتين مثقلتين بمعاناة جسدية ونفسية حقيقية.

وفي فيلم "منصة المشاهدة"، تطارد أطيافٌ كانت قد شوهدت من قبل بطلةَ الفيلم وهي محاصرة في حلقة زمنية محددة. ولكي نفهم السبب، يتوجب علينا العودة إلى عشرينيات القرن الماضي. في سنين ما بين الحربين العالميتين، جاءت نظرية آينشتاين باعتبار الزمن بعدا رابعا.

لقد قلبت هذه النظرية تماماً علاقتنا بالماضي والمستقبل، وتحدّت مفهوم المصير المحتوم الذي أوجدته الديانتان اليهودية والمسيحية. إن كلمات أغنية "مع مرور الوقت"، رغم أنها اشتهرت بعد عرضها في فيلم "كازابلانكا"، قد كُتبت في الحقيقة عام 1931 حول نظرية آينشتاين، ولذا فهي مؤرقة أكثر.

مشاهدة شيء مألوف

إن الافتتان الغربي بالثقافات الأخرى ـ لا سيما مفهوم الديانة الهندوسية القديمة بدوران الزمن، ومفهوم "وقت الحلم" لدى سكان أستراليا الأصليين ـ قد تصادم مع عصر الحروب وتقنيات الطيران. ولما أصبح من الممكن إلقاء نظرة على العالم من أعلى، لأول مرة على متن طائرة، كانت آلاف العائلات الثكلى تحاول التواصل مع أبنائها من الجنود المفقودين عبر استحضار الأرواح، والتواصل الروحاني.

ولهذين السببين، قام "ج. و. دان"، مهندس طيران وفيلسوف، بتأليف أكثر الكتب مبيعاً، وهو كتاب "تجربة مع الزمن" (1927)؛ والذي أشاع فيه "دان" فكرة مفادها أن جميع الأزمان هي موجودة بالفعل كمنظر طبيعي يمكن التحليق فوقه، ولا سيما عن طريق الأحلام.

إن ظاهرة مشاهدة شيء مألوف، كما يوضح لنا دان، هي عملية تبصّر لأسفار أوقات الحلم. وكان لـ"دان" تأثير هائل على "جيه. بي. بريستلي"؛ الذي ألّف بعد ذلك مسرحيات تطاردها أطياف الزمن، مثل "كنت هنا من قبل" (1937)، و"الزمن وأفراد عائلة ’كونوي‘" (1937) و "محقق يستدعيك" (1945).

3

وقد بُنيت هذه المسرحيات حول فكرة تواجد أزمان الماضي والمستقبل في نفس الوقت. كما تهيمن ظاهرة مشاهدة أمرٍ مألوف على السرد القصصي لفيلم مؤثر هو من بين أوائل أفلام الرعب لشركة "إيلينغ"، وهو فيلم "جوف الليل" (1945).

في العقود الأخيرة، نجد أن أفلام هوليوود السينمائية غالباً ما ركزت على الجانب الغرامي لفكرة خلاص الفرد، كما في فيلم "زواج ’بيغي سوو‘" (1986)، و"يوم فأر الأرض" (1993)، أو سلسلة أفلام "العودة إلى المستقبل". إلا أن محاولات إنقاذ الكرة الأرضية قد شغلت بال العديدين من المؤلفين الكبار لقصص الخيال العلمي.

في فيلم "الخلاص من الزمن" (1980)، قام "غريغوري بنفورد" بدمج قصة منع عملية إغتيال جون كندي (وهي فكرة متكررة) مع صراع بيئي ضد الزمن لإنقاذ كوكبنا.

وللمؤلف "راي برادبري" قصة قصيرة بعنوان "صوت الرعد" (1952)، حيث أشاع فيها فكرة "تأثير الفراشة" ـ وهي ظاهرة تتلخص في وجود تغييرات صغيرة لكنها تؤثر على نتائج مستقبلية على نطاق واسع.

وهناك تشابك ما بين كل الكتابات الأدبية الماضية التي تناولت فكرة "ماذا لو"، وبين العديد من الكتابات المتعلقة بالوقت الحاضر والمستقبل كبدائل تشبه الأحلام، مثلما في رواية "الرجل في القلعة العالية" (1962) للكاتب "فيليب ك. ديك" التي تدور أحداثها في أمريكا وتنقسم أحداثها بين محاور القوى المتنازعة.

لكن ينبغي علينا ألّا ننسى المتعة التي تأتي من أكثر الأوقات العزيزة علينا، والمتمثلة في خيال السفر: إذ يتضح أن المفارقات التاريخية والشخصيات التريخية كذلك هي بالأحرى أمور مبتذلة، كما تم تصويرها في رواية "مغامرة ’بيل‘ و ’تيد‘ الممتازة" (1989)، وكذلك في رواية "لصوص الزمن" (1982) التي تصور نابليون كطاغية يخاف من الأماكن المرتفعة ويحب مسرح العرائس.

ويقع في جوهر افتتاننا بالسفر عبر الزمن سؤال يدور حول ما إذا كنا قد وقعنا في شراكه ("سام" في المسلسل التلفزيوني "نقلة نوعية") أم لا نزال أننا نسيطر على الموقف.

يمكنك أن تراجع مرة أخرى الرمز السطحي المسيحي في رواية "ديكنز"، إذ أنه في إحدى أكثر المشاهد المقلقة في "ترنيمة عيد الميلاد"، ينسلُّ الطفلان الجائعان "فقر" و "جهل" تحت جلباب "هدية عيد الميلاد"؛ إنه تحذير حقيقي للقاريء.

ربما يبدو السفر عبر الزمن كوهمٍ للخلاص، لكنه في أحسن أحواله عبارة عن استكشاف للنتائج وإقرار بأن المستقبل لا يزال بأيدينا.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: