إعلان

"أمير المؤمنين في الحديث".. البخاري أبرز المجددين في القرن الثالث الهجري (3)

05:52 م الثلاثاء 28 يناير 2020

البخاري

كتبت – آمال سامي:

بعد افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤتمر الأزهر أمس، حول تجديد الخطاب الديني، ومطالبته المؤسسات الدينية في مصر وعلى رأسها الأزهر الإهتمام بمسألة تجديد الخطاب الديني معتبرا أن التهاون في التجديد يعطي مساحة لأدعياء العلم لسلب عقول الشباب وتدليس أحكام الشريعة.. يقدم مصراوي في حلقات متتالية نبذة تاريخية عن أبرز المجددين في تاريخ الإسلام على مدار أكثر من ألف وربعمائة عام، حيث كان للأمة الإسلامية علماء عظام صنفوا باعتبارهم "مجددين" استنادًا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"..في السطور التالية نستعرض سيرة أحد أبرز هؤلاء المجددون وهو الإمام البخاري.. صاحب أكبر واشهر كتب الحديث الصحاح.

هو أمير المؤمنين في الحديث، هكذا عرفه المؤرخون والعلماء، الإمام البخاري، صاحب أحد الصحيحين وأحد أكبر مراجع كتب الحديث في التاريخ الإسلامي، هو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، وكان جده بردزبة مجوسيًا، أما والده المغيرة فقد أسلم على يد اليمان الجعفي والي بخارى..

ولد الإمام البخاري في يوم جمعة بعد الصلاة في 13 شوال عام 194 هـ في بخارى، ونشأ يتيمًا حيث مات أبوه وهو صغير، كانت كرامات البخاري ونشأته الصالحة وترفق العناية الإلهية به واضح منذ صغره، فكان قد أصيب في بصره وهو صغير لكن أمه رأت له رؤيا من إبراهيم عليه السلام حيث جاءها في المنام وقال: يا هذه قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك، فأصبح وقد رد الله عليه نور عينيه حقًا، وقد ظهر نبوغ البخاري منذ صغره حيث حفظ كثيرًا من الحديث وهو لم يبلغ بعد العاشرة من عمره، يقول الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة في كتابه "أعلام المحدثين" أنه لم يكن يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وعرف كلام أًحاب الرأي وأصولهم ومذهبهم.

في سنة 210 هـ خرجت أسرة البخاري إلى الحج، فاتموا الحج ثم عادوا إلى بخارى، لكن اختار هو المكوث في مكة وكانت وقتها منارة للعلم، وما بين الحرمين الشريفين ألف البخاري عدد من كتبه ووضع أساس الجامع الصحيح وتراجمه، وألف كتاب "التاريخ الكبير" عند قبر النبي، ويقول البخاري عن معرفته بتاريخ الرجال: "قل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب"، ويقول: إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني أني اغتبته، فذكر له كتابه التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك فقال: ليس هذا من هذ، قال النبي: "صلى الله عليه وسلم أئذنوا له بئس أخو العشيرة" ونحن إنما رونا ذلك ولم نقله من عند أنفسنا.

هل قال البخاري بخلق القرآن؟

بالطبع لم يقل البخاري بخلق القرآن، بل شنع عليه خصومه بذلك، فحين أرتحل البخاري إلى نيسابور ودخلها كان الذهلي، أحد ابرز علماءها حينها، يوصي الناس بالاستماع إليه، لكن أشاع عنه بعض الشيوخ أنه يقول بخلق القرآن وأوقعوا بينه وبين الذهلي، فقال الذهلي للناس: من زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع ولا يجالس ولا يكلم ومن ذهب بعد هذا إلى مجلسه فاتهموه، فانقطع الناس عنه إلا أثنين من تلاميذه وهما مسلم، وأحمد بن سلمة. أما رأي البخاري في خلق القرآن فذكر في مقدمة فتح الباري لابن حجر في شرح صحيح البخاري، فقد روى أن رجلًا سأل البخاري عن خلق القرآن فأعرض عنه البخاري ثلاث مرات ولم يجبه، فألح الرجل فقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة.

وفي كتاب الإمام البخاري للشيخ كامل محمد محمد عويضة، أورد رواية أخرى صرح فيها البخاري بعدم رغبته في الخوض في مسألة خلق القرآن من أساسها، حيث قال: هذه المسألة مشؤومة، رأيت أحمد بن حنبل وما ناله في هذه المسألة، وجعلت على نفسي أن لا أتكلم فيها. وقال أيضًا: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كاذب فإني لم أقله.

لم يعد البخاري من المجددين؟

وعده الشيخ محمد الطاهر بن عاشور مجدد القرن الثالث، حسب رواية فتحي حسن مكاوي في كتابه عن ابن عاشور "الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وقضايا الإسلاح والتجديد في الفكر الإسلامي"، وذلك لأنه أكمل عمل الإمام مالك فبطق قواعده لتمييز صحيح الحديث من ضعيفه، فوضح صحيحه الجامع لكل أنواع التشريع.

وكتاب الجامع الصحيح الذي قام بتأليفه البخاري هو أول كتاب ألف في الصحيح، وكان رحمه الله معروفًا بالحفظ والذكاء والمعرفة بالرجال وعلل الأحاديث فيقول أبو شهبة في أعلام المحدثين: "كأن الله أنعم عليه بهذه النعم ليحفظ على الأمة سنة نبيها"، وقد روي عن البخاري أنه قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح. وليس الجامع الصحيح وحده، فله عدة مؤلفات من أشهرها، الأدب المفرد والتاريخ الصغير والكبير وكتاب العلل، والتاريخ الأوسط.

الأحاديث المنتقدة على البخاري وردود علماء عليها

لم يسلم صحيح البخاري من النقد، لكن لم يتوقف تلامذته وشراحه عن الرد على هذه الإنتقادات وفقًا للقواعد العلمية المعروفة لعلم الحديث، فيقول أبو شهبة في كتابه أن عدد الأحاديث المنتقدة على البخاري في صحيحه بلغت 110 حديثًا، منها ما وافقه مسلم عليها، وعددهم 32 حديثًا، ومنها ما انفرد به البخاري بتخريجه وهم البقية، ويرشدنا أبو شهبة إلى جهود الحافظ ابن حجر في تفصيل تلك الانتقادات والرد عليها في مقدمة كتابه "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" ومن أشهر النقاد للبخاري هو الدارقطني، وهو ما رد عليه تفصيلًا ابن حجر، حيث يورد الحديث ثم نقد الدار قطني ثم رده على نقده.

وخلاصة ما ذكره ابن حجر في تلك القضية ما قاله: لا ريب في تقدم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في على ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث، وعنه أخذ البخاري ذلك،...، وقال البخاري: ما أدخلت في الصحيح حديثًا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته". ثم قسم ابن حجر الأحاديث المنتقدة على البخاري في ستة أقسام، ورد عليها جملة، ثم تفصيلًا كما ذكرنا بذكر الحديث والنقد عليه ثم الرد، وفي ختام ذلك قال ابن حجر: "فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه –يقصد صحيح البخاري- وجل تصنيفه في عينه، وعذر الأئمة من أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم، وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم".

وتبلغ الأحاديث الواردة في صحيح البخاري 7 آلاف و 275 حديثًا بالمكرر، وبغير المكرر 4 آلاف حديث، وحظى كتاب البخاري بعناية فائقة من الأمة ومن علماءها شرحًا له واستنباطًا للأحكام منه، حتى بلغت شروح البخاري ما تجاوز 82 شرحًا، وأشهرها: شرح ابن حجر العسقلاني "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" وهو الشرح الذي استفاض منه علماء عصرنا الحديث في لقاءتهم التلفزيونية وحلقاتهم المسجلة بشرحه، ومن الشروح أيضًا شرح العلامة بدر الدين الحنفي الذي أسماه "عمدة القاريء"، وشرح الإمام أبي سليمان الخطابي الذي اسماه "معالم السنن"، وأيضًا شرح الإمام مجد الدين الشيرازي والذي اسماه "منح الباري بالسيح الفسيح الجاري".

فيديو قد يعجبك: