إعلان

في ذكرى إعدامه.. ما لا تعرفه عن جهاد الداعية عمر المختار ضد الفرنسيين والإيطاليين لأكثر من عشرين عام

04:34 م الإثنين 16 سبتمبر 2019

عمر المختار

كتبت - آمال سامي:

كان عمر المختار - رحمه الله - عالمًا فقهيًا، داعيًا في سبيل الله، جاهد الفرنسيين في تشاد، والإيطاليين في ليبيا، ورغم ضعف الإمكانيات، ومحاولات الإيطاليين استمالته بشتى الطرق، إلا إنه لم يرضخ لهم ولم يستسلم، حتى تم إعدامه بعد محاكمة صورية في 16 سبتمبر 1931م أمام أهالي بنغازي الذين قدر عددهم بنحو 20 ألف نسمة أجبروا على الحضور في محاولة من الاستعمار لإزلالهم وبث الخوف في نفوسهم..

ولد الشيخ عمر المختار في البطنان بالجبل الأخضر في ليبيا، في أغسطس 1858م، وتوفي والده أثناء رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، دخل مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم التحق بالمعهد الجغبوبى ليدرس علوم الدين، فظل يتعلم فيه طوال ثمانية أعوام، ويقول الصلابي عنه في كتابه "الشيخ الجليل عمر المختار": "ظهر منه نبوغ منذ صباه مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوبى الذي كان منارة للعلم وملتقى للعلماء". وكان عمر المختار حريصًا على أداء الصلوات في وقتها وكان يختم القرآن الكريم كل سبعة أيام. وكان تفوق عمر المختار وتميزه سببًا في إصدار محمد المهدي الزعيم الثاني للحركة السنوسية قرارًا بتعيينه شيخا لزاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج. فنجح المختار في فض النزاعات بين القبائل هناك بعلمه ودعوته.

ويقول عنه صاحبه المجاهد محمود الجهمي الذي حارب تحت قيادته "لم أشهد قط أنه نام لغاية الصباح، فكان ينام ساعتين أو ثلاثًا على أكثر تقدير، ويبقى صاحيًا يتلو القرآن الكريم، وغالبا ما يتناول الإبريق ويسبغ الوضوء بعد منتصف الليل ويعود إلى تلاوة القرآن.."

وبعد أن دخل الاستعمار الفرنسي تشاد وحارب مراكز الحركة السنوسية هناك، كان من ضمن القادة الذين اختاروهم: عمر المختار، وكان من أشجع قادتها حتى قال عنه محمد المهدي السنوسي "لو كان لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينا". فلم تكن شجاعة عمر المختار في الجهاد ضد الإيطاليين في ليبيا فقط، بل جاهد في تشاد ضد الفرنسيين أيضًا، وفي رسالة أوردها الصلابي في كتابه "الشيخ الجليل عمر المختار" رد فيها عمر على الشارف الغرياني الذي جعلته إيطاليا وسيطا بينها وبين عمر المختار لإيقاف الحرب، قال فيها عمر ردًا عليه "ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس، ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار ووضعوه على الزروع النابتة في الأرض، نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون"

كانت أولى معاركه ضد الإيطاليين في ليبيا عام 1911م وكان عمر المختار وقتها في واحة جالو، فتحرك إلى زاوية القصور وأمر بتجنيد كل من كان صالحًا للجهاد من قبيلة العبيد التابعة لزاوية القصور، وحضر أكثر من ألف مقاتل، ويروي الصلابي كيف كان دعم المختار لمعسكر المجاهدين سببًا في نجدتهم قائلًا: "فرح معسكر المجاهدين بقدوم نجدة عمر المختار ورفقائه ثم شرعوا يهاجمون العدو ليلًا ونهارًا وكانت غنائمهم من العدو تفوق الحصر".

وفي أثناء زيارته لمصر في مارس 1923م حاولت الحكومة الإيطالية الاتصال به وعرضت عليه أن يبقى في مصر ويظل لاجئًا فيها ويقطع علاقته بإدريس السنوسي ويترك حركة المقاومة وستوفر له راتبًا ضخمًا، وأنها على استعداد أن تجعله الشخصية الأولى في ليبيا بشرط أن يقنع أهلها بالاستسلام للإيطاليين، واستمرت عروض الإيطاليين عليه بعد رجوعه لليبيا لكنه كان يرفضها جميعًا، وكان يرى أن من يقوم به من جهاد فرض وواجب ديني ووطني، وكان يدعو دائما "اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة"، وعندما عرض عليه أن يترك الجهاد ويسافر للحج قال: "لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي، وأن ثواب الحج لا يفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة" وقال أيضًا: "كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منة، وليس لغرض أشخاص وإنما هو لله وحده".

ظل عمر المختار يقاتل الإيطاليين ويقاومهم حتى يوم 11 سبتمبر 1931م، حيث وقع المختار في الأسر حيث وصل الخبر إلى الحكومة الإيطالية في برقية نصها: "بالقرب من سلطنة فرقة الفرسان قبضت على وطني وقع من على جواده أثناء المعركة، وقد تعرف عليه عساكرنا بأنه عمر المختار".

تم نقل عمر المختار إلى سجن بنغازي ومنع أي وسيلة للاتصال به من مراسلي الصحف أو المجلات، وينقل الصلابي حواره مع غراسياني قائد القوات الإيطالية الذي جاء خصيصًا من باريس ليحضر محاكمة عمر المختار، وقبل المحاكمة استدعاه وسأله:

لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشيستية؟

فأجاب المختار: لأن ديني يأمرني بذلك.

فسأله غراسياني: هل كنت تأمل في يوم من الأيام أن تطردنا من برقة بإمكانياتك الضئيلة وعددك القليل؟

فأجابه قائلًا: لا هذا كان مستحيلًا.

فقال: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟

فأجاب المختار: لا شيء إلا طردكم من بلادي لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهو فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.

وفي الخامسة من مساء يوم 15 من سبتمبر 1931م جرت المحاكمة في مكان بناء برلمان برقة القديم، وكانت محاكمة صورية ودليل ذلك أن الإيطاليين كانوا قد جهزوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات تنفيذ حكم الإعدام قبل صدوره أصلا. وفي اليوم التالي، تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا بعد أن جمعوا عددا كبيرًا من الأهالي ليشهدوا الاعدام، فكان عددهم ما لا يقل عن 20 ألف نسمة وكانوا قد أرغموا جميعًا على الحضور.

فيديو قد يعجبك: