إعلان

رمضان هو شهر نزول الوحي وبداية الدعوة

مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية

رمضان هو شهر نزول الوحي وبداية الدعوة

09:19 م السبت 08 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. مصطفى محمد عبد النبي عوض

مدرس التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر

وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

تعيش الأمة الإسلامية خلال هذه الأيام شهر رمضان المبارك، وتتمتع فيه بالصيام والقيام والصدقة وفعل الخير والتقرب إلى الله، ورمضان كله خير ولياليه كلها بركة، حيث فيه ليلة هي خير من ألف شهر وهي ليلة القدر.

ويمتلئ تاريخ المسلمين بالأحداث العظيمة والتي تركت بصماتها في نفوس المسلمين، ويختص شهر رمضان الكريم بوقوع أحداث تاريخية مهمة فيه؛ غيرت من حياة المسلمين على وجه العموم، والتي تحتاج إلى الوقوف عندها لاستخراج العبر والعظات واستلهام الدروس منها، وأهم تلك الأحداث التي حدثت في رمضان الكريم بداية نزول الوحي من السماء على رسول الله ، وبدء الدعوة، وبداية نزول القرآن.

فقد نزل جبريل الأمين على رسول الله  يوم الإثنين وهو في غار حراء يتعبد في ليلة القدر في شهر رمضان الكريم، وهذه الليلة هي خير من ألف شهر حيث قال تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"( )، وكان عمر رسول الله  وقتها أربعين سنة.

وقد تعود رسول الله  أن يتعبد في الليالي ذوات العدد بعيدًا عن قريش وعبادتها للحجارة والأصنام التي تُعبد من دون الله، حيث كان رسول الله  يخرج إلى غار حراء القريب من مكة المكرمة يحمل معه طعامه وشرابه، ويظل يفكر في هذا الكون وخالقه حتى نزل عليه جبريل الأمين في شهر رمضان الكريم وبالأخص في ليلة القدر والتي ذكر العلماء أنها كانت أحد الليالي الفردية في العشر الأواخر من رمضان، وقال له: اقرأ، فقال رسول الله : ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغَطَّنِي –أي ضمه ضمًا شديدًا أجهده- ثلاث مرات حتى بلغ منه الجهد، فقال له جبريل: اقرأ، فقال رسول الله : ما أنا بقارئ، فقال له جبريل ثالثًا: اقرأ، فقال رسول الله : ما أنا بقارئ، فقال له جبريل الأمين: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"( ).

وهذه أول آيات القرآن نزولاً على رسول الله ، وكان ذلك في شهر رمضان، وبعدها عاد النبي  مسرعًا إلى بيته حيث زوجته خديجة رضي الله عنها، فدخل وهو يرتعش خائفًا يقول لها: زملوني زملوني، فأخذت خديجة تزمل - أي تغطي رسول الله - ثم هدَّأت من روعه، وسألته ماذا حدث له، فقص عليها ما رأى، فقالت له: والله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر.

ثم أخذت بيد رسول الله  منطلقة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، الذي طمأن رسول الله  وأخبره بأنه سيكون نبي آخر الزمان، وعاد رسول الله  لغار حراء ليكمل تعبده لله بقية أيام شهر رمضان، لتحدث له حادثة انقطاع الوحي عنه وفتوره؛ ليكون من آثرها حزن رسول الله ، ولكن هذا الانقطاع كان لهدف تثبيته وإزالة الخوف من قلبه، وتهيئته لاستقبال الوحي الكريم مرة أخرى، وليزداد شوق رسول الله  لرؤيته مرة ثانية، وليعلمه ربنا الصبر؛ لأن تبعات الدعوة تحتاج إلى عزم وصبر شديد قال تعالى: "وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ"( ).

وشق انقطاع الوحي على رسول الله  وأحزنه، فكان رسول الله  يذهب إلى جبل حراء ورؤوس الجبال الشواهق، وكلما وصل لأعلى ذروة جبل ظهر له جبريل قائلاً له: "إنك نبي الله"؛ فيسكن لذلك جأشه وتطمئن نفسه.

وبعد أن أتم رسول الله  التعبد بقية أيام شهر رمضان الكريم وبينما هو ينزل من الغار في غرة شهر شوال إلى الوادي ليعود لبيته بمكة المكرمة يأتيه جبريل الأمين مرة ثانية وسمع صوته من السماء فرفع بصره فإذا بالملك الذي جاءه من قبل يجلس على كرسي بين السماء والأرض، فرفع بصره إلى السماء فإذا بجبريل الذي جاءه بحراء ففزع منه رسول الله ، فعاد إلى أهله يقول لهم زملوني زملوني فأنزل الله عليه قوله تعالى: "يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ"( )، ثم تتابع الوحي بعد فتوره، وبدء رسول الله  بتبليغ الرسالة ودعوة الناس لعبادة الله وترك عبادة الأصنام.

فرمضان هو شهر نزول القرآن، ورمضان هو شهر بداية الوحي، ورمضان هو شهر بداية الدعوة، ورمضان هو شهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

إعلان