إعلان

الفتاوى الشاذة وآثارها على الفرد والمجتمع

د رضا محمود السباعي

الفتاوى الشاذة وآثارها على الفرد والمجتمع

09:00 م الإثنين 23 سبتمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم ـ د: رضا محمود السباعي

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

عندما لاحظت تنامي ظاهرة الفتاوى الشاذة والغريبة بشكل سريع في العصر الحاضر، ورصدت إسهامات بعض وسائل الإعلام المتعددة ومواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، آثرت أن أكتب عنها وأحذر الأمة الإسلامية والعربية عامة والمجتمع المصري خاصة من خطورتها ضمن مقالات متعددة؛ إسهامًا مني في الحد من تناميها وتقويض آثارها السلبية والضارة.

ويجب أن أؤكد لك أيها القارئ في بداية هذا المقال أن الأمة الإسلامية والعربية قد ابتليتْ في العصر الحاضر ببعض الدعاة والمفتين الذين لم يأخذوا العلم من أهلِه، فلم يتعلموا على أيدي العلماء الثقات الأثبات، ولم يرجعوا إلى مظانِّه الأصيلة الصحيحة المعتبرة، ولم يفقهوا منهج الوسطية والاعتدال الذي ينادي به الأزهرُ الشريفُ في فهم نصوص الشريعة ومقاصدها، ومن ثَم وجدناهم قد نصبوا أنفسهم فقهاءَ كباراً يفتون بغير علمٍ فضلوا وأضلوا، وأخذوا يكفرون - في فتاواهم الشاذة وخطابِهم الدعويِّ - أفرادَ الأمة الإسلامية، ويفسقونَهم، وقد استساغوا الخوض - بجهلٍ ودون علمٍ - في قضايا الأمة الكبرى ومصالحها العليا، وأثروا بفتاواهمُ الشاذةِ على حالة السلم والأمن المجتمعيِّ في الأمة والعالم، وقد كان ذلك ذريعةً للاضطراب والفتنة وتحقيق المفاسد العظيمة، وفي حقهم يقول ربيعةُ الرأي (شيخُ الإمامِ مالكٍ رحمهما الله): "استفتي من لا علمَ له، وظهر في الإسلام أمرٌ عظيمٌ، وبعضٌ من يفتي ههنا أحقُّ بالسجن من السراق".

القارئ الكريم: تأتي كلمة الفتوى في اللغة العربية ويقصد بها أمور، منها: إبانة الأمر، يقال: أَفْتَاه فِي الأَمر: أي أَبانَه لَهُ.

وقد أتى هذا المعنى في قوله تعالى:﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾[من الآية (127)، سورة النساء].

وقد عرفها الإمام القرافي رحمه الله بقوله: "إِخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِلْزَامٍ أَوْ إِبَاحَةٍ". ومن ثم قالوا: المفتي موقعٌ عن الله تعالى.

وقد أشار فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) حفظه الله إلى أهمية الفتوى وعظيم منصبها – وذلك أثناء كلمة فضيلته في مؤتمر الفتوى إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل، الذي نظمته دار الإفتاء المصرية في الفترة من 17 – 18 أغسطس 2015م، والكلمة منشورة ضمن أعمال وبحوث المؤتمر، (1/ 16) - فقال: "منصب الإفتاء في قلوب المسلمين دائمًا له منازل التقدير، ومشاعر التعظيم والإجلال ... حتى إن الكلمة التي تصدر من فم المفتي لتقطع كل جدل أو خلاف أو تردد في المسائل المستفتي عنها، ولا يزال الناس يستقبلون فتاوى المفتين المعتمدين استقبالهم لصحيح الدين الذي لا معقب عليه، وهذا ما يجعل من الفتوى والإفتاء أمانة شاقة، ومسئولية ثقيلة يشفق منها كل من يخشى الله، ويتقيه ويخاف حسابه وعقابه".

ولخطورة الفتوى وأهمية منصب الإفتاء نجد الصحابة -رضي الله عنهم - يتورعون عنها، فعن عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: "أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَرَاهُ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ فَمَا كَانَ مِنْهُمْ مُحَدِّثٌ إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ الْحَدِيثَ وَلَا مُفْتٍ إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهَ كَفَاهُ الْفُتْيَا". [شرح السنة، البغوي، (1/ 305)].

وورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -أنه قال: «مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِكُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ». [المعجم الكبير، الطبراني، (9/ 188)].

وتظهر خطورة الفتوى وجلالة منصبها في أن من تصدر لها دون أن يُحصِّل العلومَ الشرعية والدنيوية المتعلقة بها، وأفتى الناس بغير علم يدخل ضمن التهديد الشديد والوعيد العظيم الذي أخبر عنه رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بقوله: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". [سنن الترمذي، ك تفسير القرآن، ب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه].

وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ". [سنن أبي داود، ك العلم، ب التوقي في الفتيا].

وأتعجب بعد تحذير النبي صلى الله عليه وسلم الشديد من التصدر للفتيا دون علم من هؤلاء الذين أفتوا – وما زالوا -الناس فتاوى شاذة ومضللة سوف يتحملون إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم الدين.

إعلان