إعلان

مؤتمر الأخوة الإنسانية ورسائل السلام

الدكتور محمود الهواري

مؤتمر الأخوة الإنسانية ورسائل السلام

06:26 م الثلاثاء 05 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. محمود الهواري

في عالمنا المعاصر موجات من التطرف إلى أقصى اليمين الذي يصل إلى التكفير، ومن ثم إلى التفجير، ومن التطرف إلى أقصى اليسار الذي يصل إلى الإلحاد، ومن ثم إلى إنكار إيمان المؤمنين ومن آمنوا به.

وتعلن الكرة الأرضية في قاراتها المتعددة وجود هذا التناقض الغريب العجيب الذي قد يجمع بين التكفير والإلحاد في آن واحد، ومكان واحد.
وما بين أقصى يمين التطرف إلى أقصى شماله يقع ما تعانيه البشرية الآن من أحداث تفجير لم تنج منها بقعة، وجماعات مزورة تتخذ الدين شعارا لها ترتكب في عصر الحضارة ما لم يرتكبه إنسان الغاب، وتتهم أديان السماء بما لم يوجد في كتاب إلهي منزل، ولا دستور بشري موضوع. فضلا عن الجماعات التي تطل بين الحين والآخر برأسها لتزدري التدين، وتنتقص من شأن أهله. إضافة إلى هذا السعار المادي وغياب الضمير الإنساني، وهذا الخواء الروحي الذي ضجت به وشقيت كثير من بلاد العالم.

وللخروج من هذه الأزمة التي قد تعصف بالإنسانية كلها، فلا تفرق بين إنسان وآخر، مؤمن بعقيدة أيًّا كانت هذه العقيدة، أو غير مؤمن بها لا بد من الرجوع إلى الأديان وما فيها من قواسم مشتركة لا خلاف عليها، وهو ما يحاول أن يترجمه هذا المؤتمر الذي يحمل عنوان: "الأخوة الإنسانية" بحضور قادة الأديان من شرق الأرض وغربها.

وقد كان من أهم ثمرات هذا المؤتمر أن تم التوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية، في هذه البلاد التي ترعى السماحة، وتحترم الاختلاف، وتصون التنوع، وتحمي الأخوة.

وإني لأذكر هذا النموذج الحي في قلوبنا الذي لا تذهب ذكراه عنا، وهو نبينا صلى الله عليه وسلم يوم أن مرت به جنازة ليست لأحد من أهله ولا لأحد من أقاربه، بل ليست لأحد ممن آمن به وصدقه ونصره فقام لها معلنا تقديره لهذه النفخة الإلهية فيها، فقال: "أليست نفسا؟" ليقرّر بذلك أحقية كل نسمة خلقها رب الكون ورب الناس أجمعين في الاحترام، وليعلمنا كيف تكون الأخوة الإنسانية.

إن وثيقة الأخوة الإنسانية التي تمت صياغتها باتفاق القادة والرموز لتعلن في صراحة ووضوح أن هذه المنطقة بما لها من بعد ديني وحضاري وقيمي وتاريخي تمدُّ يدها بالسلام والأخوة والتعايش والسماحة للبشرية كلها لينجو ركب البشرية الحائر.

وتؤكد في صراحة ووضوح أيضا أن هذه البلاد التي نشأ في تربتها دين وحضارة وتاريخ، وسَرَى في عروق أبنائها تدين والتزام أنها لم تكن يوما ولن تكون صانعة لكراهية ولا حاضنة لعنف ولا راضية عن إرهاب أو تخويف.

وغني عن البيان أن الرسالات ما نزلت إلا من أجل الإنسان والإنسانية، لذلك كان من غير المعقول أن يستخدم اسم الدين لتأجيج الكراهية والعنف والتعصب الأعمى، أو أن يستعمل اسم الله تعالى لتبرير أعمال القتل والتشريد والبطش، فالأديان الإلهية بريئة كل البراءة من الحركات والجماعات المسلحة التي تسمى حديثا بـ "الإرهاب" مهما حملت من رايات أو شعارات، كائنا ما كان دينها أو عقيدتها، وبغض النظر عن ضحاياها أو الأرض التي تمارس عليها جرائمها المنكرة.

إن وثيقة الإخوة الإنسانية تدعو لنشر ثقافة السلام والعدالة واحترام الغير والرفاهية للبشرية جمعاء، بديلا من ثقافة الكراهية والظلم والعنف وسفك الدماء.

وتقيم هذه الوثيقة بما فيها من نُبلٍ إنساني الحجة على قادة العالم، وصناع السياسات، ومن بأيديهم مصائر الشعوب، وموازين القوى العسكرية والاقتصادية من المسئولين شرقا وغربا أن يقوموا بواجبهم لوضع حد لهذا العبث الذي يشهده العالم من حروب وصراعات، وأن يتعقبوا المفسدين الذين يتعرضون للحياة في جوانبها المختلفة فيفسدون فيها ويهلكون الحرث والنسل، وأن يدعموا التدين وأهله.

إن وثيقة الأخوة الإنسانية تحمل في ثناياها هذه السماحة وهذه الرحابة التي تميَّز بها الأزهر الشريف منهجا ورجالا، والتي تأصلت عبر ما يزيد على ألف عام، والتي تؤكد أنه مؤسسة الوسطية التي تتجاوز الشعارات إلى برامج حقيقية تحترم التنوع وتتخذ منه وسيلة للتكامل والثراء.

إعلان