إعلان

رحلة الحد الأدنى للأجور في 10 سنوات.. وحلم الموظف "الأسعار ما تزدش"

04:16 م الإثنين 22 مارس 2021

الحد الأدنى للأجور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد شعبان:

بدأت رحلة "علي حسن" مع الوظيفة الحكومية في عام 2012. عمل مدرساً بالحصة في مدرسة للتعليم الفني بالمنيا، براتب بلغ حينها 400 جنيه، مبلغ ضئيل لم يكن يكفيه "كنت بصرف أكتر من نصفه مواصلات بس"، حاول تكييف حياته قدر ما يستطيع، ساعده في ذلك معيشته مع أسرته، التي أزالت من على كاهله أعباء كثيرة. كان الراتب ضئيلاً لشاب مقبل على الحياة ويتطلع إلى الزواج وتكوين أسرة مستقلة، غير أنه ظل في عمله "على أمل إني أتثبّت والمرتب يزيد"، يقول علي.

بعد عام، تحرك راتب "علي" قليلاً، وزاد 200 جنيه، فكّر في البحث عن عمل إضافي، تارة في سمسرة العقارات، لكن لم تؤت أُكلها. وتارة أخرى حين قرر افتتاح محل بسيط للبقالة في قريته الصغيرة بمركز المنيا، كان الشاب يبحث عن مصدر دخل يغطي مصروفاته، ويساعده على البدء في بناء وتشطيب بيت الزوجية. لكن لم يحقق مشروعه ما أراد، وسط تعامل المستهلكين في بيئته الريفية بالآجل في عمليات شراء المنتجات الغذائية البسيطة، فقرر البحث عن مشروع بديل، لكن دون جدوى.

على نفس الوتيرة، استمرت حياة الشاب الذي علّق آماله على أن يُثبّت في وظيفته، خاصة مع زيادة الحد الأدنى للأجور في عام 2013 بنسبة 71.43% ليصل إلى 1200 جنيه، في عهد حكومة الدكتور حازم الببلاوي بعد ثورة 30 يونيو. وهي الزيادة الثالثة منذ عام 2010، الذي شهد زيادة بنسبة 42.68% ليرتفع من 280 جنيهاً إلى 400 جنيه، فيما زاد، للمرة الثانية، بنسبة 75% في 2011، بعد ثورة يناير، ليصل إلى 700 جنيه.

في عام 2014، انضم "علي" إلى عداد الموظفين المثبّتين، ها قد جاءت اللحظة التي ينتظرها منذ التحاقه بالعمل، صار راتبه الآن 1200 جنيه. فرح به، لكن لم يدم ذلك طويلاً. ففي شهر يوليو من ذلك العام، رفعت الحكومة أسعار الوقود بنسب متفاوتة للمنتجات البترولية المختلفة، إذ قفز سعر لتر بنزين 80 من 90 قرشاً إلى 160 قرشاً، بزيادة 78%. وبنزين 92 ارتفع سعر اللتر من 185 قرشاً إلى 260 قرشاً، بزيادة 40%. في حين زاد سعر لتر السولار إلى 180 قرشاً بعدما كان بـ110 قروش، بزيادة بلغت 63%.

زيادة أسعار الوقود تبعها زيادة في أجرة المواصلات وسلع عديدة، فأصبح "علي" يتكلف في رحلته إلى العمل على مدار الشهر، ذهاباً وإياباً نحو 350 جنيه، أي ما يقرب من ثلث راتبه "والباقي كان مصاريف ومساهمة مني في طلبات البيت، خاصة أن والدي كان على المعاش. وبعدها زادت أسعار الكهرباء برضه وأسطوانات الغاز وغيرها"، فيما قالت الحكومة وقتها إن هذه الإجراءات الجديدة تستهدف خفض العجز الهائل في الميزانية وإنعاش اقتصاد البلاد المُنهك.

في عام 2015، وصل راتبه إلى 1800 جنيه، فقرر "علي" أن يدخر جزءاً منه "دخلت في جمعية ورا التانية، مرة بـ500 جنيه ومرة بـ800 وهكذا عشان أجمع فلوس للزواج"، وبمساعدة والده أتم زواجه في عام 2016. يقول إنه كان محظوظاً "اتجوزت قبل التعويم بحوالي شهرين، قبل ما الأسعار تزيد وتتضاعف"، لكن بعد قرار الحكومة تعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر 2016، ضمن "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، تبدّل كل شيء.

تضاعفت أسعار السلع المعيشية، ليجد "علي" نفسه بين مرتب ثابت يذهب أكثر من ثلثه في رحلة العمل اليومية، وموجة قاسية من غلاء الأسعار، والتزامات شهرية تلتهم نحو 40% من الراتب "من جمعيات وفواتير كهرباء ومياه وأنبوبة الغاز"، فيما حاول أن يتكيّف وزوجته قدر ما يستطيعون بما تبقى من الراتب "وساعدنا على تجاوز الفترة الصعبة دي مساعدات أهالينا "إحنا عايشين في بيت جنبهم ودايما كانوا بيساعدونا لأنهم كانوا عارفين إن المرتب مش بيكفينا لنص الشهر"، يقول علي.

حاول العمل في الفنادق السياحية بالمنيا، كونه يمتلك خبرة في ذلك المجال "اشتغلت قبل الثورة في أماكن كتير، لكن لما حصل ركود بعد الثورة مبقاش فيه شغل. وفضلت عاطل شوية لغاية ما اتعينت في 2012"، لكن لم يجد عملاً يوفر له دخلاً مناسباً، خاصة مع ضعف الإقبال على فنادق المحافظة الواقعة في صعيد مصر "السياحة في محافظات زي الغردقة وشرم الشيخ والأقصر تضررت جداً، فبالتالي الوضع في المنيا كان أصعب. اشتغلت حوالي شهرين بمرتب لا يتجاوز 1500 جنيه، على أمل إنه يزيد لكن لقيت الوضع هيستمر كده فسبته خاصة إن مكنش بيتبقى منه بعد مصاريف المواصلات وغيره غير نصفه".

لكن لا يزال علي يبحث عن عمل إضافي مستقر ودائم، بجانب وظيفته الحكومية، التي صار يتقاضى منها راتباً بلغ 2200 جنيه، بعد زيادة الحد الأدنى للأجور في 2019، خاصة بعدما زادت "مصاريف البيت" مؤخراً، بعدما رزق بطفلين، ورغم أن عمر أكبرهما لا يتجاوز الرابعة، إلا أنه أدرك أن الأيام المقبلة تحتاج منه توفير دخل يناسب الأسرة المكونة من 4 أفراد "أنا مرتبي مقسمه 1500 جنيه بديهم لمراتي عشان البيت ومصاريف الأولاد، والباقي بيروح في بنزين الموتوسيكل اللي بروح بيه الشغل والفواتير ومش مكفي طبعاً، فمرة بستلف من حد، ومرة بعتمد على بيت أبويا، مساعدنا كتير وعايشين باللي سايبه لينا".

لذا أبدى فرحاً كبيراً مع الزيادة الأخيرة التي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة ووزارة المالية بتطبيقها في يوليو المقبل، برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 20% ليصل إلى 2400 جنيه، شهرياً للعاملين في الجهاز الإداري للدولة.

بعد إقرار هذه الزيادة، سيصبح راتب "علي" 2800 جنيه "أنا حالياً على الدرجة الرابعة، الزيادة حلوة والدنيا ممكن تمشي معايا بس لو الأسعار فضلت زي ما هي. من غير ما يحصل غلاء تاني وزيادة في أسعار البنزين والسولار. ده كل أملي لإن محدش قادر يعيش بوظيفته بس ومبقاش سهل بعد أزمة كورونا تشتغل في قطاع خاص، وبحاول دايماً أتأقلم مع الوضع اللي موجود"، وفق ما يذكر.

فيديو قد يعجبك: