إعلان

بـعزل ذاتي مسبق ومبادرات توعية وتعقيم.. حياة أهل بلقاس في الحجر الصحي

09:11 م الخميس 26 مارس 2020

مستشفى بلقاس المركزي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

لم يكن قرار حظر التجوال والمطالبة بملازمة المنزل قد بدأ بعد، لكن السيد عبد الله المنشاوي اتخذ قرار طبقه على أسرته وعمله "مفيش حد هيخرج إلا للضرورة". أعلن المهندس القاطن في مدينة بلقاس حالة الطواري بشكل شخصي ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، فعل ذلك بعد إعلان وزارة الصحة، 12 مارس الجاري، عن أول حالة وفاة مصرية في محافظة الدقهلية، تحديدًا من قرية السماحية المجاورة، ومع تسجيل الحالة الثانية من بلقاس، فعل العديد داخل المدينة الأمر ذاته، اتخذوا الحيطة، كلُ بطريقته يحاول دفع احتمالية الأذى في ظرف بدت ملامحه استثنائية، خاصة بعدما وُضعت مدينتهم تحت الأنظار باعتبارها البقعة الأولى لظهور الفيروس في مصر.

للأسبوع الثاني لا يغادر المنشاوي وأسرته المنزل، يتابع سير عمل مكتبه الهندسي عبر الهاتف فيما أعطى الموظفين معه إجازة مفتوحة. يطلع الرجل الستيني على أنباء وباء كورونا منذ بداية انتشاره، ظل مستبعِدًا وصوله لمصر إلى أن بلغ أوروبا وخاصة إيطاليا "من وقتها بدأت أخد حذري".

أخبر المنشاوي بناته الثلاث أن يبقين في المنزل، ولم يلب دعوة زفاف تزامنت مع ذلك الوقت تجنبًا للتجمعات، وكذلك ابنه طالب الثانوية العامة "قلت له ممنوع الخروج حتى للدروس مش مشكلة السنة دي مش عاوزينها"، كان ذلك قبل أن تعلن وزارة التربية والتعليم، 14 مارس الجاري، تعليق الدراسة وغلق المراكز التعليمية وكافة الأنشطة التربوية.

لم يكن حذر الأب لدرجة القلق أو الهلع كما يقول المنشاوي لمصراوي، يدلل على ذلك باكتفاء شراء احتياجاتهم من الطعام دون "التخزين" كما فعل البعض، إنما جاء قراره لتلافي وقوع الضرر الذي يعلم أنه لن يصيب أسرته فقط.

تغيرت طقوس أسرة المنشاوي داخل منزلهم "بدأنا ناخد بالنا من التفاصيل". تنصحهم الابنة خريجة العلوم باستخدام المياه المضاف لها كلور للتنظيف، تمُسح أرضيات وجدران الطوابق الثلاث للبيت مرتين في الأسبوع بدلاً من مرة، فيما ينقلون التوعية للسيدة التي تأتي لمساعدتهم في النظافة، يخبرونها أن الأمر جدي "وأن حتى لو لمسنا ترابزين السلم نمسحه من وقت للتاني".

0

في الأسبوع الماضي، خرج الرجل الستيني لشراء احتياجات للمنزل من ناحية، وتفقد أوضاع الشوارع من جانب آخر. قاد سيارته بينما انزعج من تصريح وزيرة الصحة بأن ثمة 300 أسرة في بلقاس تحت الحجر الصحي، أخذ يلتفت المنشاوي للطريق "الناس ماشية لكن مش بالكم اللي قبل كده"، فيما لاحظ ارتداء البعض للكمامات والقفازات، وتغير بعض التعاملات "في صيدليات قفلت الباب وفتحت شباك لبره بتتكلم منه عن بعد مع الناس".

كان ذلك في أعقاب حديث مجلس الوزراء عن تقليل التجمعات ووقف الأنشطة الرياضية مع السابع عشر من مارس الجاري، وتحرك محافظ الدقهلية ورئيس مجلس مدينة بلقاس للتشديد على مراقبة الأسواق وإتخاذ إجراءات احترازية. وجد المنشاوي أن ثمة تغييرًا طرأ "الحياة طبيعية لغاية العصر وبعدين الحركة بتقل والمحلات بتقفل مع الساعة 7".

لم يكن قرار الحظر الذي طبق بالأمس على الجمهورية قد بدأ. اندهش الرجل الستيني لما اعتبره وعي سريع من أهل المدينة. "عند المغرب الدنيا بتقف. عملنا حظر على نفسنا" كذلك وجدت ميرا محمد عطا الحياة في بلقاس، قبل أن تعمم على باقي الجمهورية، وذلك بعد وفاة الحالة الثانية بـكورونا في المدينة، وكان موظف في الضرائب.

لمست المحامية الثلاثينية رد الفعل في محيطها "الناس محستش بالخطر غير لما قامت بنفسها وقالت لأ أحنا عندنا كورونا فقلنا لازم نوعي نفسنا". اشترك الكثير في بلقاس دون اتفاق وقبل خروج قرار رسمي على لفظ المرض الذي حل بالمدينة على حين غرة "حتى البياعين اللي بعربيات كارو مكنتش تفضل بعد العصر" كما تقول ميرا.

2

انعكست الحياة بالخارج على المحامية، منعت ميرا ابنها ذو السبعة أعوام من النزول لشراء "طلبات المنزل" كما بالسابق، لكنها استمرت في إرساله وشقيقه الأصغر إلى المدرسة حتى توقف الدراسة، فقط تزيد التنبيه عليهم بغسل اليدين باستمرار وعدم استعمال أشياء زملائهم، أما عملها فبات إدريًا "القضاة من ساعتها معدوش يعملوا جلسات فلو في ورق بنزل أخلصه وأرجع على طول"، أما الذهاب إلى المنصورة حيث عقد جلسات الاستئناف، فاتخذت السيدة الثلاثينية قرارًا بالتوقف عنه.

انتاب ميرا شيئًا من الخوف، حدثت نفسها "إيه ده الكورونا وصل عندنا فعلاً وفين في بلقاس؟"، لكن ذلك دفعها للبحث عما تفعله وليس الاكتفاء بحماية أسرتها فقط. بعد وفاة موظف ضرائب المدينة بالفيروس، خطر على بالها أفكار رأت أن بإمكانها المساهمة في حماية المركز الواقع شمال غرب محافظة الدقهلية "خوفت يبقى عندي حاجة ممكن تفيد وأبقى قصرت".

3

6 مقترحات قررت السيدة إرسالها إلى رئيس مجلس المدينة عبر الفيسبوك، ثم نشرتها على حسابها الخاص؛ منها إخراج سيارات الرش التي تعمل بالصيف لرش الشوارع بالمياه والكلور، والسماح لعربات المطافي لتنظيف المباني الحكومية "بدل ما ده بيحصل في الزيارات الرسمية"، وخروج رجال المرافق للتنبيه على سائقي التكاتك بحمل بخاجات كلور وخل لتعقيم مركباتهم والركاب، فيما اقترحت أن يتعاون شباب الشارع الواحد لتعقيم الطرقات، وهو ما حدث دون تنسيق.

في الوقت الذي كانت تكتب فيه ميرا المقترحات، كان محمد طلبه يتناقش مع المتطوعين في مجموعته الإلكترونية "أنا وابن عمي بنساعد أهل بلقاس" لعمل شيء يساهم في توعية الأهالي، فاقترح أحدهم النزول وتعقيم الشوارع وآخر تبرع بنحو 5 أجهزة للرش بالمياه والكلور.

انشأ طلبه المجموعة الإلكترونية قبل عام لتجميع المتطوعين على "عمل الخير" داخل المدينة، لذلك سرعان ما تشارك نحو 15 شابًا للنزول. من 18 وحتى 23 مارس الجاري، واصل طلبه التردد على كافة المناطق لتعقيمها، فقط منطقتين تعذر الذهاب إليها، بعدما أصبحت الأجهزة غير متاحة لحاجة صاحبها إليها.

0

في المساء ظل يتوجه الشاب ورفاقه للمهمة "عشان الحركة بتكون خفت والناس متحسش بذعر لما يشفوا شباب ماشي على ظهره جهاز وبيرش". هدف طلبة إلى الحماية والتوعية "كنا بندخل المحلات اللي فاتحة ونكلم الناس عن الفيروس ويعملوا إيه وإزاي يعمقوا بشكل دوري"، لكن ذلك لم يكن يسيرًا كما الحال على الانترنت.

"بعض الناس شتمتنا في الأول. ماكنتش مصدقة أن في فيروس فعلاً"، يتذكر طلبه الرجل الذي منعهم في يومهم الأول من تطهير محله، وأخبرهم "أنتوا اللي هتجيبوا لنا المرض ده. أحنا معندناش حاجة"، لكن المتطوعين تعاملوا مع مثل هذه المواقف بهدوء بال، ففي المقابل استمعوا لدعوات وكلمات دعم دفعتهم للاستمرار.

لم يكن فعل طلبه ورفاقه عشوائيًا "كنا بناخد احتياطتنا بنقسم نفسنا في الأماكن وبعد التعقيم نتخلص من الأدوات بشكل أمن. بنجمعها في أكياس بلاستيك ونرشها بالكلور"، فيما يتجنبون الاختلاط بأحد حتى الوصول لمنزلهم والاستحمام وتعقيم أنفسهم.

0

تواجد طلبه في الشارع جعله يتفقد حال الناس "لغاية آخر يوم لينا كان في اللي مش مستوعب أن في كورونا وفي اللي مش مصدق أصلاً وبيقول عليها مكرونة"، يسألهم البعض عن تبعيتهم لجهة رسمية "ولما يعرفوا أننا مش تبع حاجة يطمنوا لأن لو تبع الحكومة يبقى الأمر خطير"، وهو ما تأكد للمنكرون بعد قرار حظر التجوال في 25 مارس الجاري كما يقول طلبه.

ظل أهل بلقاس يمارسون أيامهم "بشكل عادي" كما يصف طلبه، لكن ثمة حزن أصابهم "عشان السمعة اللي حصلت لبلقاس. اتنشر أننا مصدر الوباء فبدأ اللي حوالينا يتجنبونا"، لمس الشاب موقفًا يعكس رغم طرافته الصورة الذهنية التي تمكنت من البعض، فذات يوم نشر طلبه مقطع مصورًا له، تحدث إليه أحدهم معربًا عن استحسانه لما نشره، ثم سأله عن مكان إقامته في المنصورة، فأجابه طلبه "أنا من بلقاس"، ليحدث ما استغربه الشاب "عملي بلوك بعد ما رديت على طول مفهمتش الصراحة كأن العدوى هتنتقل من الأجهزة" ضاحكًا يروي الطالب الجامعي.

مع التاسع والعشرين من مارس، تنتهي مدة الـ14يومًا للحجر الصحي في بلقاس منذ وفاة موظف الضرائب. يبلغ عدد الإصابات في مصر حتى الآن 456 حالة. يلزم المنشاوي منزله مع أبنائه وكذلك ميرا، يجد الرجل الستيني خيرًا في البقاء "بقى عندنا وقت نتناقش.. جايز دي فرصة نتقابل مع بعض ونرتاح من زحمة الحياة"، فيما يعقد طلبة العزم على استمرار تقديم المساعدة لأهالي بلقاس "الخير مش هيقف. بنحضر لرمضان وهناخد احتياطتنا برضه".

فيديو قد يعجبك: