إعلان

في الذكرى الثانية لحادث "الطفل يوسف العربي".. أثر الرصاصة لا يزول

01:23 م السبت 18 مايو 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب وصورـ عبدالله عويس:

أثر الفراشة لا يزول، وأثر الرصاصة كذلك.. والفراشة طفل لم يتخط الـ13 عاما، يحلم بغدٍ لم تكتمل ملامحه بعد، غير أن العتمة حلت حين استقرت في رأسه رصاصة طائشة، أفقدته الوعي 12 يومًا قبل أن يرحل.. أُخرجت الرصاصة من رأسه عقب وفاته، لكن أثرها لا يزال باقيا، تشهد عليه أركان المنزل وجوانبه وحوائطه، كما لو كان معرضًا لسيرته.

بدأت والدته جولات استمرت عامين، حاربت فيهما لوحدها أحيانا، ودعمها المحيطون في أوقات أخرى، تفرح لانتصار تحقق بعضه، وتحزن لغياب حق ابنها طويلا، واليوم، الـ18 مايو، هو الذكرى الثانية لإصابة الطفل "يوسف العربي" بطلق ناري بميدان الحصري بمدنية 6 أكتوبر، تسبب لاحقا في وفاته، مما قلب الأمور في منزل الصغير وأمه رأسا على عقب.

1

تحول منزل "يوسف" إلى ما يشبه المعرض؛ لوحات وجرافيتي وملصقات، ومتعلقاته، وهدايا من محبيه، بعضهم كان يعرفهم، وآخرون عرفوه بعد وفاته، على إثر رصاصة أطلقها أحدهم في أحد الأفراح، في مدينة السادس من أكتوبر قبل عامين.
لكل مساحة في المنزل "حدوتة" تتعلق بقضية يوسف، وحكايته التي يرى محبوه أنها "سيرة أطول من عمره". تستقر صور التقطها بنفسه لأفراد أسرته، ترى والدته أن عينيه لم تكن خلف الكاميرا فحسب، بل أن روحه أيضا لا تزال عالقة خلف تلك الصور، وكأنها تؤكد أن "الصورة أطول من العمر".

2

الاثنين الماضي، 13 مايو الجاري، أنهت مروة قناوي - والدة يوسف - إضرابها عن الطعام الذي استمر 45 يوما، بعدما قضت محكمة الجنايات بالقاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، تأييد الحكم الصادر بمعاقبة متهمين هاربين بالسجن 7 سنوات في إعادة محاكتهما، وبعد ذلك بيومين سلم الهاربان نفسيهما للأمن - أحدهما ضابط شرطة مفصول والآخر نجل عضو بمجلس النواب- في خطوة انتظرتها مروة على مدار عامين.وكانت المحكمة قضت في يوليو 2018 بمعاقبة 4 متهمين بالسجن 5 سنوات لحيازة سلاح ناري دون ترخيص، و3 منهم بالسجن عامين للقتل الخطأ. لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف لمروة، فهناك أكثر من "يوسف" يسقط برصاص الاحتفال الذي يقلب الأمور، وهو ما تحاول جاهدة تغييره بما استطاعت لذلك سبيلا، ولا تزال هناك إجراءات أخرى متعلقة بالمحاكمة: "هيتعاد محاكمتهم من أول وجديد، وفي جولات تانية، هناخد نفسنا بس للانتصار ده، وهيبقى لكل فعل رد فعل".

3

البداية كانت في 18 مايو 2017 حين كانت مروة مع طفلها على باب المنزل، تستعد للتوجه إلى وسط البلد، غير أن اتصالا من رفاقه بمدينة 6 أكتوبر، حيث كان يسكن قديما، قبل الانتقال لمنطقة المنيل، غيرت خطة اليوم: "قالوله تعالى اقعد معانا، فاستأذني وقاللي هروح ولما أخلص هرجعلك، فقلتله تمام".

وصل الصغير إلى رفاقه، أمضى بعض الوقت معهم، وحين كانوا بميدان الحصري، سقط على الأرض، دون أن يعرف أحد ما الذي حدث على وجه التحديد. نقله البعض إلى مستشفى 6 أكتوبر الجامعي، وفي ذلك التوقيت كان أصدقاؤه يتصلون بالأم: "أول ما وصلت المستشفى حسيت إنه خلاص رايح، بعد كده اتعمل ليه أشعة مقطعية، وعرفنا إن في رصاصة استقرت في جذع المخ".
احتفظت مروة بقطعة قماش كانت أسفل رأس يوسف داخل المستشفى، تظهر عليها قطرات دم: "كان في إيده حظاظات بس أصحابه طلبوها مني فادتها ليهم".

4

"ادعوا ليوسف" كانت تلك عبارة الأم على صفحتها في مواقع التواصل، ومع انتشار القصة صار الزحام قرب غرفة يوسف في المستشفى كبيرًا، من أشخاص تعرفهم وآخرون لا تعرفهم: "طلاب جامعيون، وناس متعاطفة، وأقارب، وناس كانت متخاصمة مع بعض جت".
تحب مروة ذلك المكان، تعتقد أنها رأت فيه محبة الله: "وكان الـ12 يوم دول قبل وفاته، فرصة إننا نستوعب اللي هيحصل ونشبع منه".

5

أشارت التحريات الأمنية إلى إطلاق أشخاص أعيرة نارية أثناء حفل خطوبة أعلى سطح أحد العقارات المتاخمة لمكان الحادث، كما جاء في بيان وزارة الداخلية، التي أعلنت في 26 مايو 2017 ضبط أحد المتهمين ومواجهته بما أسفرت عنه التحريات، ليعترف بقيامه وشخصين آخرين بإطلاق الأعيرة النارية، من بنادق آلية كانت بحوزتهم أثناء الحفل، وأكد البيان أن الوزارة تكثف جهودها لضبط المتهمين الآخرين، لكن ذلك كله لم يشغل مروة في ذلك التوقيت.

6

في 29 مايو من العام نفسه أعلن الأطباء وفاة يوسف، وأمرت النيابة بدفنه بعد تشريح جثته: "كانت غرفته قبل الوفاة بنحكي فيها ونقرأ الرسايل اللي صحابه كتبوها له، وكان في مشاهير ونجوم كورة بيبعتوله رسايل، منهم محمد صلاح، وكنت مقتنعة إنه سامعنا". ستضع مروة تلك الرسائل حول مجموعة صور داخل منزلها، في مكان مخصص لمقتنيات يوسف.

7

ارتدت مروة في جنازة ابنها ملابس بيضاء، اعتبرت ذلك اتساقا مع ما كان يؤمن به الصغير: "كان بيحب الألش والسخرية جدا ويكره الكآبة، ولو بتخيله دلوقتي شايفني هيتريق عليا ويقول إني أوفر" قالتها وعلى وجهها ابتسامة، بينما يزين حائط خلفها صور التقط بعضها بنفسه والأخرى التقطت له: "قبل وفاته بفترة كان بيقوللي نفسي أبقى بطل والناس تستقبلني".


كان يوسف يحكي مع أمه ذات ليلة، حين أخبرها برغبته أن يكون له غرفة خاصة، وأن يكون فيها «جرافيتي» خاص بشهداء مشجعي النادي الأهلي الـ74 ووعدته بذلك: "وفي عيد ميلاده اللي بعد الوفاة عملنا الجرافيتي بس بصورته وكتبنا عليها عبارته الشهيرة لو كل الناس بتقول إنك غلط هتكمل عشان إنت مؤمن بالفكرة" الجملة التي وردت على لسان صغيرها للدفاع عن موقفه من محبة الكرة ورغبته في أن يصبح لاعبا محترفا.
وبأحد الجوانب كان إناء يحتوى عددا من الورود الذابلة، تحتفظ بها مروة لحين جفافها ثم تذهب بها إلى مكان دفنه وتضعها أمامه: "ودي كلها ورود من محبيه".

8

9

كان "جو" -كما تطلق عليه أمه والمقربون منه- يحب لعب الكرة، وداخل دولاب ملابسه عشرات الصور للاعبين دوليين، وحذاء رياضي، وميداليات، وكوفية للنادي الأهلي، وكان يسمي والدته على هاتفه "مصر" وحين سألته عن السبب أخبرها "عشان مصر أم الدنيا".
وداخل المنزل كانت "بيتي" كلبة جلبتها الأسرة عطفا عليها، وسرعان ما وقع يوسف في غرامها، وكان يرفض أن تمنحها الأم لآخرين: "وعشان كده سايباها لحد دلوقتي هنا".
وكان لديه كاميرا حصل عليها من أحد أصدقائه المصورين، التقط بها كثيرا من الصور: "كان بيحب التصوير والكاميرا وكانت عينه حلوة".

10

11

نظمت مروة وقفة احتجاجية أمام مجلس النواب ـ في أكتوبر 2017ـ للمطالبة بإحضار المتهمين الهاربين، وسرعة تنفيذ العدالة، وفي نوفمبر من العام نفسه، انتهت النيابة من إعداد قائمة أدلة الثبوت في القضية، وأحالت المتهمين إلى محكمة الجنايات، باتهامات القتل الخطأ وحيازة أسلحة نارية وذخائر، وكانت أول جلسات المحاكمة في 10 ديسمبر 2017: "بعد كده صدر حكم بسجن 4 متهمين 5 سنوات، وسنتين لـ3 منهم، في 2018 وقبل جلسة النطق بالحكم في إعادة المحاكمة عملت الإضراب".
وفي فترة الإضراب، كانت هناك وقفات في أكثر من دولة، أمام سفارات مصر في الخارج، تدعم مروة وتطالب بمحاسبة 4 متهمين في القضية، هم ماجد خالد السيد، وزياد محمد فرج، والهاربان طاهر محمد أمين، وخالد أحمد عبدالتواب، وتمت تبرئة ماجد من القتل الخطأ، لكنه عوقب بالسجن المشدد 5 سنوات بتهمة حيازة سلاح، وهي نفس عقوبة الـ3 الآخرين، لكنهم عوقبوا بالسجن سنتين إضافيتين بتهمة القتل الخطأ، وحين أعيدت المحاكمة حصلوا على العقاب ذاته: "وكنت بعافر عشان أوصل لميعاد الجلسة وأنا مضربة عن الطعام".

12

كانت مروة في عملها، حين وصلت إليها أنباء عن تسليم الهاربين نفسيهما للأمن، ولم تصدق في البداية، خصوصا وأن أمرا كهذا أشيع أكثر من مرة، لكن رسائل عدة وصلتها تؤكد الأمر: "دي لحظة بالنسبة ليا انتصار، وكنت مجهزة من أول ما عملت الإضراب عبارة الدرس انتهى يا غبي".
اتصالات وصلت لمروة من أصدقاء يوسف وزملائه في الدراسة: "وكانت أجمل ألف مبروك وصلتني من أصدقاء يوسف، وواحدة منهم كانت بتعيط وفضلت أهديها، تصورت إنهم زعلوا لرحيله بس متصورتش إنهم متابعين لحد لحظة ما المتهمين سلموا نفسهم".
لا ترى مروة فيما فعلت بطولة، الأمر بحسبها كما قال المثل العربي "مجبر أخاك لا بطل"، وتتمنى أن لم تكن بطلة كما وصفها البعض، وأن ابنها لا يزال معها.

1314

كان شهر "مايو" كئيبا وثقيلا على مروة، ومفرحا في الوقت نفسه، ففيه قبل عامين وقع الحادث، وحصلت الوفاة، وفيه حكم المحكمة في 2018، ثم تأييد الحكم في 2019، ومن قبل مرت بالإضراب عن الطعام، وفيه سلم المتهمين نفسيهما للأمن: "عاملاله تقويم كده، وفي شهر مايو كاتبة جملة بحبها من قصيدة اتكتبت ليه وبحسها تيمة مايو، بتقول صباح الدعا المستحب.. يوسف يارب".

15

تتواصل مروة مع عدد من أعضاء مجلس النواب، لنظر مشروع قانون، بتعديل القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر، بهدف تغليظ العقوبة على إطلاق النار، في المناسبات العامة، وهو المشروع الذي تقدم به النائب محمد فؤاد: "وبيتواصل معايا طول الوقت، ومشروع القانون خطوة كويسة كبداية لكن مش دي النهاية".
مشروع القانون المقدم؛ يحظر حمل الأسلحة المرخصة في الاحتفالات الرسمية والحفلات العامة، واستحداث فيه عقوبة لاستخدام الأعيرة النارية والمفرقعات، دون موافقة مسبقة من السلطات المختصة.

16

تؤمن مروة بأن التوعية هي الحل، وتوقن أن التغيير يبدأ من عند الأطفال، ولذلك فقد قدمت ورشا داخل مدارس تتحدث فيها مع الأطفال، حول خطورة استخدام الرصاص في الأفراح والمناسبات، ولمست منهم تفاعلا مقبولا: "بعضهم كان بيكلمني عن حالات مشابهة، وعن أفراح بيحصل فيها ده، وكانوا متجاوبين تماما" .

وبالتشاور مع زملاء يوسف، قررت مروة أن تعد كراسة تحمل صورة الصغير، مدون عليها عبارات معارضة لاستخدام الرصاص في الأفراح، وتبيع تلك الكراسة، ومن ربحها ستنظم ورشا في المستقبل: لأن الموضوع مخلصش، أنا ناوية بعد رمضان اعمل ورشة في بني سويف، وعدد من المحافظات".

1718

التوعية للصغار والعقاب للكبار، مبدأ تؤمن به مروة، ولذلك تحاول جمع أكبر قدر ممكن من الأسر، التي فقدت أحد أبنائها في أحد الأفراح، بسبب استخدام الرصاص، وتتواصل مع تلك الأسر على أمل أن تشكل بهم ضغطا بعد ذلك: "لما نبقى عدد كبير هيبقى صوتنا أعلى والوضع هيختلف، وبعتبر إن كل اللي فات ولا حاجة قصاد اللي جاي".

19

لحظات الانتصار جميلة، لكنها صعبة، فهي تقود إلى البحث عن طبيعة مرحلة "أما بعد" لكن مروة لا تملك إجابة قاطعة بشأنه، وتأمل أن يتغير الواقع وتختفي تلك العادة الخاصة بضرب النار في المناسبات.
وينتظر آخرون ما سينتهي إليه مشروع القانون المقدم لمجلس النواب، وتتمنى الأم أن يكون يوسف آخر ضحايا ذلك التصرف، وأن يكون ذلك ثوابا له بحفظ دماء تهدر باستهتار.

2021

22

فيديو قد يعجبك: