إعلان

من أرض جبلية لـ150 شجرة.. حكاية صالح مع الزراعة في سانت كاترين

12:25 م السبت 07 ديسمبر 2019

صالح الجبالي زرع 150 شجرة في سانت كاترين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي:

في صغره، كان جد صالح الجبالي يزرع باحة منزله بأنواع فاكهة مختلفة، يرويها حتى تكبر أمام عينيه، يرعاها كأبنائه ويوصي أولاده بعده بالاهتمام بها، أحب صالح الفكرة، تعلم أساليب الزراعة المختلفة، تمنّى أن يصبح له حديقة مماثلة، فاشترى أرضا حينما اشتد عوده، لكن نقص المياه في مدينة سانت كاترين حيث يعيش، أعاقه عن تحقيق الحلم حتى مطلع العام الحالي.

لم يبتعد صالح عن كاترين يومًا، كبر ليجد والده الشيخ موسى يعمل في السياحة، يصطحب الأجانب في رحلات جبلية مختلفة "أبويا فاتح المكتب من سنة 80"، تعلم صاحب ال43 عامًا من والده الكثير، أتقن الإنجليزية والألمانية والعبرية "طلعت أشتغل من وأنا عندي 12 سنة"، كانت السياحة زاد معظم أهل المدينة الواقعة بجنوب سيناء، لكن افتتان صالح بالزراعة لم يقل "خالي كمان عنده جنينة.. كنت بروح أراعيها وأشوفه بيعمل إيه".

1

على أطراف سانت كاترين، يملك صالح أرضا تبلغ مساحتها 8 أفدنة، صارت ملكه عام 2000، سحرته طبيعة المكان الذي تحيطه سلاسل جبلية متفاوتة، يُحصيها صالح وهو مُغمض العينين؛ فذلك جبل "المعاداة"، أمامه "المناجاة"، ويظهر جزء من جبل "موسى"، بجانبه جبل "عباس". عشرات القمم ممتدة على مرمى البصر.

كان حلم صالح أن يتم تحويل قطعة الأرض لمنزل له ومزرعة ومشروع استثماري لتأجير البيوت أو غرف للراغبين، لكن الزراعة كانت الأساس "لو الأرض فضلت بور مش هعرف أجي أعيش هنا"، حاول زراعتها عام 2000 أول مرة "والزرع مكملش شهور ومات لأن الماية كنا بنشتريها عشان نسقي بيها ومش بتكفي".

2

لا تتوافر المياه في كاترين بصفة مستمرة، تمر السيارات المُحملة بها على المدينة طوال اليوم "فيه ناس بتشتري بشكل دوري وفيه ناس عندها خزانات"، أحياناً لا يكون سعر المتر المكعب للمياه مناسب "ممكن لو حصلت أزمة اللي بينقلوا يغلوا علينا وبدل خمسة جنيه يبيعوه بعشرة جنيه"، يُصبح الأمر أصعب على أصحاب الأراضي الزراعية، فالأولوية لمياه الشُرب والبيوت لذلك فقد صالح أشجاره في المرة الأولى، قبل أن يحاول شقيقه زراعتها مرة أخرى منذ سبع سنوات.

"ساعتها كانت الدولة بتدي 20 شجرة زيتون كدعم عشان تشجع الناس"، بدأ الأخ الأصغر لصالح في العمل، ساعده بعض الأقارب في تنظيف التربة، ظن الجميع أن المحاولة ستنجح، خاصة أن الزيتون لا يحتاج لكثير من المياه، لكن المحاولة فشلت عقب أشهر أيضًا لنقص المياه وارتفاع سعرها، كاد صالح أن يتنازل عن فكرة الزراعة، لولا وجود بئر مياه جوفية في منطقة قريبة "البير ده حددت مكانه من سنة 96 بس مكنش معايا فلوس أحفره".

3

معرفة موسم الأمطار في كاترين أمرًا يسيرًا هناك على كل طفل، كذلك استنتاج أماكن الآبار، يُشير صالح لخطين يسيران في سلسلة الجبال أمامه، يوجد مثلهما في جميع الجبال "الخط الأول اسمه الجدة الزرقاء والتاني اسمه الحثرور الأحمر"، هذان الخطان هما الدليل على وجود مياه تسير أسفلهما في الجبل، وهي المياه المتجمعة بسبب الأمطار، لكن يبقى البحث عن البئر أصعب، حيث يجب تتبع الخطين نزولا لمنطقة منخفضة (الوادي) ومتابعة سيرهما حتى انقطاعه "وده مكان الحفر غالبا".

لكن الأمور ليست بتلك السهولة، فحتى مع الخبرة، قد يحفر الشخص لعمق 200 مترًا تحت الأرض ليصل إلى المياه "وده مكلف جدا"، يحتاج البحث عن بئر لمعرفة وبعض الحظ كما يقول صالح "وده اللي حصل معانا.. لقينا الماية على عمق 40 متر"، كان العمل مُرهقًا، شارك فيه شقيق صالح وابنه الأكبر موسى، غير أن المكافأة استحقت الإرهاق "بقى عندنا ماية موجودة نقدر نجيب منها أو نوصلها على الأرض".

4

ما إن انتهى صالح من البئر قبل حوالي 6 أشهر، حتى وضع البذور الأولى لأرضه، اختار الأشجار بعناية، فهو يعرف ما يمكن زراعته دون الحاجة لكثير من المياه، بدأ بالزيتون، ثم المشمش، وشجر اللوز والفستق، حاول تقليل النفقات قدر المستطاع، فاستبدل شتلات اللوز مرتفعة الثمن ببذرة واحدة دون مقابل، وكذلك الحال مع باقي الأنواع، أحاط أشجاره ببذور الطماطم، علّمه جده ذلك "الطماطم بتطلع بسرعة جدًا.. ولما الشجرة بتعطش الطماطم لونها بيغير فنقدر ساعتها نلحقها ونسقيها"، حيث يُروى الشجر مرة كل 3 أيام صيفا وكل عشرة أيام شتاءً.

لا بيوت قريبة من مزرعة صالح سوى منزل واحد فقط، فيما تُرى منازل تابعة للمحافظة من تبة مرتفعة موجودة في أرضه، أشجاره الصغيرة تجذب الانتباه رغم أنها لم تطرح بعد سوى الطماطم "أكلنا منها الصيف دا ووزعنا على الناس"، فيما مازالت باقي الأشجار تحبو "بتحتاج 3 سنين عشان تطلع أول زرعة وبعد كدة بتطلع كل كام شهر"، يتحلى صالح بالصبر، يبتسم حين يمر على "زرعة" الزيتون الصغيرة التي طرحت زيتونة واحدة فقط "دي من 5 شهور مكنتش موجودة خالص".

5

الأرض هي مشروع العُمر بالنسبة لصالح، يستثمر فيها ويستغل استخدام البيئة المحيطة لاستكمال العمل، فبدلا من بناء سور إسمنتي، يجمع الأحجار المتناثرة في الجبل ويبني بها واحدًا "عشان الأغنام متدخلش تاكل الزرع"، وبدلا من استقدام عدد كبير من العُمال لبناء منزله الجديد، يبنيه هو ويُساعده ابنه وأقرباءه، وبدلا من الاعتماد على من يزرع له الأرض، استعان بثلاثة أجانب من فرنسا وسويسرا ليفعلوا ذلك تطوعا مقابل إقامتهم عنده "قابلتهم لما كنت في النمسا واتفقنا.. جم قعدوا شهر حطوا أساس الأرض وزرعوا البذور ومشيوا".

6

ذلك المنهج هو ما يُعين صالح على تدبير أموره "لأن المشروع مكلف جدًا"، يضحك قائلًا إن أبناءه الأربعة سيكون لكل منهم دور معين بعد الانتهاء من المكان "الولاد يزرعوا ويخلوا بالهم من المخيم وبنتي عبير هتساعدنا في المطبخ"، إذ ينوي عمل مطعم على تبة مرتفعة في أرضه الجديدة بجانب الغُرف التي سيؤجرها "بس ده قدام شوية لأن الإمكانيات لسة مش معايا"، يُركز حاليا فقط على الزراعة وبناء منزله الجديد.

حينما يضيق صدر صالح، يذهب ليجلس بين الأشجار التي وصل عددها 150 شجرة، يُشاهد الشمس إذ تغرب بين الجبال، يتخيل المكان وقد تعمّر بالبيوت والفاكهة وتصله المياه طوال الوقت، يتمنّى أن يربح لكن ليس على حساب أرضه الزراعية، فلن يجرّفها يوما لحساب المباني "أحنا بنرويها بعرقنا.. الماية عندنا عزيزة وبنقدر قيمتها عشان مش موجودة على طول".

7

فيديو قد يعجبك: