إعلان

من التمرد للنجاح.. حكاية أحمد وعبدالرحمن مع المنظومة التعليمية في مصر

07:47 م الخميس 03 يناير 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- نوران عاطف:

هناك أكثر من 100 سنة في السينما المصرية سجلت تطور اهتمام المصريين بالتعليم بداية من اعتباره رفاهية لا يستطيع الفقراء اقتناءها، مرورًا بالاكتفاء بالابتدائية أو الإعدادية أو "بالبكالوريا" التي أصبحت فيما بعد الثانوية العامة، ثم لمصطلح "الشهادة الكبيرة" واعتبارها الغاية الأسمى، وصولًا لانقلاب المؤشر والعودة لنقطة الصفر مرة أخرى بعد الانفجار السكاني وانخفاض مستوى التعليم، حتى أصبح المبدأ أن "ماحدش بيشتغل بشهادته" إلا فيما ندر.

تحولت المنظومة التعليمية بالنسبة للبعض، لقربان يدفعونه للمجتمع ليتخذوا أماكنهم كأصحاب مؤهلات عليا تمكنهم من العمل، على جانب أخر بعد تقديم ذلك القربان يمكن البدء من جديد في دراسة المناسب لطموحك وأهوائك خاصة بعد ظهور مجالات جديدة لم تواكبها بعد الجامعات المصرية.

ذلك الخلل في التعامل مع مبدأ هدفه بالأصل التعليم والارتقاء أدى لظهور متمردين عليه، وتحولت قصص الكفاح من أجل استكمال التعليم لقصص عن كيفية الإفلات منه بأقل خسائر.

"يوميات نائب في الأرياف؟ اليوم خمر؟ الأيام؟ هي دي الدروس اللي بتذاكريها؟! قسمًا عظمًا ما أنتِ ناجحة ولا شايفة نجاح!"
حسين رياض- أنا حرة 1959                                                                             

معادلة التمرد هي ما حاول أحمد مصطفى وعبدالرحمن عاطف العمل على معطياتها أملًا في وزنها، بعد مرورهم بمراحل التعليم الأساسي والثانوي ثم الكلية، حيث عاشا قصة مختلفة في تفاصيلها، متشابهة في دوافعها وصعوباتها.

لفظت المنظومة "أحمد" خارجها قبلما يلفظها هو، نشأ لأب أزهري وأم "مدرسة فيزيا"، تعلم بمدارس حكومية مزدحمة، طبيعة انطوائية زادتها بعض مشكلات بالنطق، فلم يمتلك الحياة الاجتماعية الطبيعية لأي طالب، بجانب تجاهل الأسرة لشكواه "شوف زمايلك بيعملوا إيه واعمل زيهم"، الحياة التي انتهت بمجموع 71% في الثانوية العامة ثم الالتحاق بمعهد الخدمة الاجتماعية.

على العكس كانت حالة "عبدالرحمن" الذي وصل بمراحل التعليم إلى كلية الهندسة قسم ميكاترونكس، ولم يجبره تنسيق الثانوية العامة على شيء: "ورغم كدة ماكنتش مبسوط وحاسس إني دايمًا في المكان الغلط وكنت دايمًا بتهرب من إني أروح الكلية أو احضر المحاضرات وكنت بستغل وقت المحاضرات في إني أذاكر لشغلي وللحاجة اللي بحبها".

"- كنت بتشتغل إيه يا سعيد قبل ما تيجي هنا؟
- كنت في المدرسة... وما جبتش مجموع.
- الله يخربيتك!
- أبويا قالي ما تستاهلش لقمتك
- الله يخربيت أبوك!
- إذا كان هو عايزني أخش طب، وأنا ما بحبش أذاكر علوم ولا عايز أبقى دكتور!
عادل إمام- أحمد سلامة- المولد 1989

يستأنف "عبدالرحمن": "قررت أسيب البيت بعد ما سبت الكلية بأسبوع واحد عشان أكمل شغل في الحاجة اللي أنا بحبها، فنقلت من المنيا للقاهرة عشان فرص الشغل هنا أحسن، بابا كان ومازال معترض على اللي عملته وحصلت بينا مشاكل كبيرة ممتدة لحد دلوقتي، بس ماما كانت ومازالت الداعم الأكبر ليا طول السنين دي، بالنسبة لأصحابي كانوا شايفين ان ده قرار غلط جداً باستثناء 3 أو 4 أشخاص كانوا داعمين ليا جدًا".

أما "أحمد" الذي عانى فترات اضطراب متعددة قبل قرار ترك المنزل يروي: "سقطت في سنة تانية وما بقاش ينفع أحول أي مكان لأنهم "مش بياخدوا فاشلين"، فاستمر الضغط والإحباط.. حتى لو ذاكرت، أنا مش هقدر أكمل 4 سنين بتظاهر إني بتعلم، أو مجرد بقضي وقت في الجامعة لأني حتى الاجتماعيات والحياة الجامعية دي أنا مش كويس فيها".

بدأ البحث عن منح دراسة لغير الخريجين، تأثر بالتجارب المشابهة حول العالم وبالنوابغ في العلوم المختلفة ممن يعرضون تجاربهم ومشروعاتهم خلال "TED Talks" ففتح ذلك أمامه أبواب الشغف تجاه مجالات جديدة، بالتوازي استمر ضغط أسرته ومن حوله لاستكمال تعليمه أو البحث عن عمل، فكانت الفرص المتاحة دون مؤهل هي الأعمال الشاقة مثل الأفران أو الحراسة.

"نجيبة متولي الخولي الأولى على الثانوية العامة وعايزة اشتغل"
ياسمين عبدالعزيز- الثلاثة يشتغلونها2010                                                      

استمرت مجهودات "أحمد" لتحسين وضعه، عمل على تحسين اللغة الإنجليزية حتى أصبح يتحدثها بطلاقة، كذلك أيضًا عمل على مشكلة النطق حتى تم قبولة بشركات خدمة العملاء والتي تقدم خدماتها لدول أوروبية، لم يكترث القائمون عليها بعدم حصوله على شهادة جامعية، بل احترموا مجهوده الذاتي.

يستأنف أحمد حكايته: "في الأول فكرة إني هفضل طول عمري في مصر كانت هتجنني.. بعد كدة كان بيعذبني إني لازم أكمل هنا في حاجة مش بنتميلها أو أسافر برة وأعاني بردو عشان أوصل لحاجة، وكل دة عشان احقق توقعات الناس اللي حواليا، وعشان هما ما يبقوش زعلانين عشاني، لحد ما وصلت إني مش عايز إنجازات أكاديمية، دة اللي هما عايزينه ليا سواء عشان أبقى زيهم أو عشان يثبتوا فشل النظام التعليمي هنا لو أنا كملت برة، لكن أنا أثبّت إن الاتنين غلط بالتعليم أونلاين".

يعدد "أحمد" ما استطاع تعلمه ذاتيًا وعن طريق الإنترنت والمناهج المتاحة عليه: "Photoshop, 3DMaya, Android development, UX, Creative writing, Social media marketing”.

أما عبدالرحمن فقد أحب العمل كمصمم جرافيك، وتدرج في مراحل التعليم الذاتي وفي الشركات والمؤسسات حتى امتلك الآن شركته الخاصة في نفس المجال بالاشتراك مع صديق له وهو ابن الـ24 عامًا:

"أجمل حاجة فى التجربة إن فيه جزء صغير مني كان شايف إني غلط بس الجزء الاكبر كان شايف إني صح وده اللي أثبته لنفسى ولكل اللي حواليا حتى اللي كانوا معترضين وبالتبعية تخلصت من قيود كتير على تفكيري.. فيه ناس شايفين إنه اللي ما أخدش شهادة مش هيعرف يخلي أطفاله في المستقبل يتعلموا كويس وممكن يكون عائق في مدارسهم وده غلط، وبالنسبة لأطفالي هديهم الحق في اختيار مستقبلهم لأني مريت بالتجربة دي قبلهم".

"أولاً تبقى رئيس قسم، وبعدين تبقى مراقب، وبعدين نائب مدير، وفي النهاية تبقى مدير عام.. يعني كلها عشرين سنة وتقعد على الكرسي دة"
علي حسنين- خرج ولم يعد 1984                                                               

أحيانا يكون الاستغناء عن امتلاك قدر معين من التعليم والمعرفة مجازفة في التعامل مع جهات العمل المختلفة، في ذلك السياق تعبر سارة علي مسؤولة الموارد البشرية بإحدى الفنادق الكبرى: "زمان كان ممكن يحصل إن يدخل واحد مؤسسة بمؤهل متوسط أو دبلوم في وظيفة إدارية ومع الوقت يثبت نفسه ويتدرج وظيفيًا لحد ما يبقى له وضع في المكان، لكن حاليًا ما حصلش وما بيحصلش إننا ممكن نقبل واحد معهوش مؤهل لوظايف المؤهلات العُليا، إحنا بالكاد بنقبل الناس اللي بتبقى عندها خبرة في مجال مختلف عن شهادتها سواء عالية أو متوسطة، لأن على أرض الواقع الخبرة هي أهم حاجة".

لا يمكن اعتبار "أحمد" و"عبدالرحمن" ومن سبقهم أو خلفهم الشكل الجديد للحرفيين أو العاملين في عصر العلم والتكنولجيا، فكلِ منهم يحمل بجانب المجهود الذاتي في التعليم والخبرة، شهادات من جهات أخرى توازي المعاهد والجامعات، لكن غير معترف بها حكوميًا على الرغم من اختلاف طبيعة تلك المجالات عن الطب أو الهندسة أو التدريس وهي مجالات لا يمكن أن يدرسها الفرد ذاتيًا حيث تتطلب التدريب العملي على أرض الواقع وبمعاونة خبراء.

فيديو قد يعجبك: