إعلان

من داخل مدرسة ضحية البطرسية.. "فبرونيا" لن ترتدي فستان التخرج

11:24 م الأربعاء 14 ديسمبر 2016

ضحية البطرسية "فبرونيا"

كتبت-رنا الجميعي ويسرا سلامة:

تصوير:نادر نبيل​

الاثنين قبل الماضي، كانت المرة الأخيرة لفبرونيا فهيم داخل مدرسة راهبات سيدة المعونة الدائمة، قدمت الطالبة بالصف الثالث الثانوي، لموعد التقاط صورة التخرج مع دفعتها، استعدادًا للحفل الذي سيقام في مارس المقبل، استعارت حينها زي التخرج و"الكاب"، بجانب الصورة الجماعية رغبت في التقاط صورة لها، وظلّت تُلح على مدام ميري قائلة "آخر صورة يا ميس".

1

بعدها بأسبوع كانت فبرونيا برفقة أختها مارينا، متجهتين إلى الكنيسة البطرسية لأداء القداس "كنت بشوفهم كل يوم حد"، تقول "تريز يوسف"، سكرتير المدرسة. قبل الانفجار بدقائق حيّت السيدة الفتاتين "دي صلاة صلح ومحبة بيننا" والتي أكدّت على أن التفتيش غير مشدد عليه سوى بأيام المناسبات.

أعادت تريز رسم موقعها داخل الكنيسة، بشكل كروكي، حيث جلست في الصف الخامس من الخلف في الجهة اليمنى، على بعد مقعدين من الشقيقتين "كانوا قدامي في نص الكنيسة".

2

لمحت السيدة منفذ التفجير نفسه، فيما كانت تصلي "كنا واقفين قدام ربنا ومركزين في الصلاة"، وبعد عشر دقائق حدث الانفجار "طرت ونزلت على الأرض، محستش بنفسي"، إلى أن أتى زوجها لنجدتها، وقت مضى لم تشعر به تريز، حتى رأت الفتاتين في عداد الموتى، وألقت عليهما النظرة الأخيرة "شفتهم جثث".

3

أصيبت تريز بخدوش طفيفة في الجبهة والقدم، وثقب في الأذن من شدة التفجير، يمنعها من الحديث بصوت مرتفع، إلا إنها تجاهد لتحكي لـ"مصراوي" عن الحادث، وعن الفتاتين، ورغم الألم كانت السيدة بالمدرسة، تُكمل سير عملها "ربنا ليه حكمة يفرق بين العايش والميت حتى في وسط النار".

داخل الفصول كان الطلاب يُتابعون حصصهم، أصواتهم تعلو فوق أي صوت يُحث على الموت، ووسط ذلك لم تزل فبرونيا موجودة داخل ورقة كبيرة، عُلقت في إطار بفناء المدرسة كُتبت عليها كلمات وداع للفتاة الصغيرة، سطور خطّها تلامذة وأساتذة يقولون فيها "كان نفسي تبقي موجودة وتشجعيني زي كل سنة"، "فيبي هتوحشيني أوي.. مبروك عليكي السما".

ما إن عرف مدرس العربي، أستاذ محمود، بالتفجير المروع ووفاة فبرونيا، يوم الأحد الماضي، بعث برسائل تعزية للطلبة على "واتساب"، ألغى امتحان المادة لأولى ثانوي، وفي اليوم التالي لم يعد طابور المدرسة كما كان، حيث أعلنت الأخت تقلا أبو الوي، مديرة المدرسة، الحداد لمدة أسبوع "لغينا تحية العلم والنشيد".

4

وفي الثامنة إلا ربع، صباحًا، جاءت صديقات "فيبي"، كما يُطلقون عليها، تحوّل الطابور إلى عزاء، حيث استمعن إلى الكلمة التي تلقيها الأخت تقلا تعزيهن فيها، وتشد من أزر طلابها، كذلك ألقى كلمات تعزية وشعر مُدرسي اللغة العربية، ومن بين الحضور كان مديري إدارة النزهة والخدمات والعام، بعد الطابور اتجهت الفتيات إلى الحضانة، حيث التلفاز، ليُشاهدن الجنازة "هنا المكان اللي كنا بنتفرج فيه على الكارتون، دلوقت بنتفرج على خروجها من الدنيا وصعودها للسما".

انضمت فبرونيا إلى المدرسة منذ الصف الرابع الابتدائي "أنا اول واحدة اتعرفت عليها"، تقول دينا جمال، تتذكر الفتاة كيف أشارت إليها الأخت تقلا لتُصبح فيبي زميلتها بنفس المقعد "قالتلي خلي بالك منها"، حينها كانت الوافدة الجديدة التي لا تتحدث مع أحد، بمرور الأيام صارت جزء من "الشلة"، ثماني فتيات يشتركن سويًا بحفلات المدرسة "كانت بتحب ترقص أوي" تحكي "يوستينا يوسف"، وتتذكر كيف كان جسد فيبي ضعيفًا "بفتكر لما كانت بتقولي هتكسر يا يوستينا" خلال لعبهما سويًا.

فيما كانت الفتيات يُشاهدن الجنازة داخل حضانة المدرسة، ذهبت الأخت تقلا برفقة أربعة أساتذة إلى هناك "كان معانا خمس دعوات"، ورغم التشديد الأمني إلا أن مديرة المدرسة تمكنت من الوصول إلى جثامين الأختين، ركعت بجوارهما، دعت وصلت لهما، لم تنس أرقام توابيتهما "فيبي 8 ومارينا 9"، تُربت عليهما في مسحة حنان أخيرة.

5

"البنات مشيوا في كل مكان جت فيبي فيه".. تقول مدام سونيا، بعد مشاهدة الجنازة ذهبن إلى الكنيسة الموجودة داخل المدرسة "مسلمة أو مسيحية اللي صلى واللي دعا ليها، وولعوا الشموع"، كان يومًا حزينًا لم ينتهِ عند ذلك، استمر حتى العزاء المُقام بكنيسة العذراء المليحة، في الساعة الخامسة صعدت زميلات فيبي أتوبيسات المدرسة، واتجه بهن إلى هناك "كانوا حوالي 200 بنت".

6

أما صديقات الفقيدة فذهبن بمفردهن "دخلنا الشارع، كان فيه صورة للشهدا، وصورة فيبي ومارينا أكبر شوية، أنا بدأت وقتها أحس إنها ماتت فعلا"، تذكر دينا كيف استغربت مشهد السواد الذي قابلها عندما دخلت سرادق العزاء، لم تستوعب ما يحدث، وما إن رأت الأم صديقات الابنة تحديدًا "رنا وايريني"، حتى جذبتهما إليها بشدة قائلة "فيبي راحت".

في حديث الأخت تقلا عن فيبي تذكر إنها كانت تلميذة هادئة ومتفوقة "عمر ما حد اشتكى منها"، انضمت الفتاة إلى قسم الأدبي "مكنتش بتحب الفيزياء ولا الأحياء"، وكانت تميل أكثر إلى "الجغرافيا وعلم النفس"، وتمنّت دخول كلية الإعلام.

7

الاشتراك بحفلات المدرسة هو أكثر نشاط أحبّته، داومت عليه منذ الصف الثاني الإعدادي "دايمًا بيكون عندنا حفلة في عيد الأم"، تقول هند محمود، مسئولة النشاط الرياضي، بين الرقصات الصعيدي والبلدي والاسكندراني أدّت الفتاة دورها المقرب إليها "آخر رقصة اشتركت فيها كانت صعيدي السنة اللي فاتت".

مؤخرًا انشغلت فيبي بالإعداد لحفل التخرج، دخلت هي وصديقاتها إلى وكيلة المدرسة، ليطلبوا منها تغيير تقليد كل عام " كانوا عاوزين الحفلة تبقى في حوش المدرسة مش في المسرح"، يعدونها بالتجهيز للحفل كاملًا "قالولي هنجيب كراسي ونظبط الحوش، وهنعمل رقصات خاصة باليوم دا".

8

من بين الإعداد للحفل كان شراء الفستان، إلا أن فيبي لم تكن قد اشترت بعد، تتذكر يوستينا آخر مرة التقت فيها صديقتها بدرس الجغرافيا "كانت بتسألني هتجيبي الفستان امتى"، غير أن دينا والأخريات جلسن سويًا بعد وفاة فيبي، لتتذكر إحداهن ما قالته ذات مرة دون أن يولي أحد للكلمة اهتمام "أنا حاسة إني مش هحضر حفلة التخرج".

فيديو قد يعجبك: