إعلان

رؤوف حامد: زيادة أسعار الأدوية "فوضى".. وهذه آثار الإسراف في المضادات الحيوية (حوار)

02:40 م السبت 14 يناير 2017

محمد رؤوف حامد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار – أحمد جمعة ويسرا سلامة:

تصوير – محمود أبو ديبة:

كانت جلسة حوارية مفتوحة مع الدكتور محمد رؤوف حامد مؤسس مركز الإتاحة الحيوية داخل هيئة الرقابة الدوائية، أكبر من كونها حوارًا صحفياً تقليدياً. اختار هوّ أحد مقاهي وسط القاهرة لتلك الجلسة. كان صوت فيروز يصدح في المكان، بينما يشرح أستاذ الرقابة الدوائية: أين تقف مصر الآن في مجال الدواء؟

"حالة من الفوضى".. هكذا وصّف محمد رؤوف حامد السياسات الدوائية في مصر حاليًا. فهو يرى أن قرار تعويم الجنيه ليس السبب الرئيسي في الأزمة الحالية التي يعاني منها القطاع، بل اعتبره الثقب الذي أظهر عورات المنظومة ككل، والتى تراكمت منذ سبعينات القرن الماضي.

سألنا حامد: لماذا لا تدخل الدولة بقوة في صناعة الدواء؟ أجاب: الأصح لماذا انسحبت الدولة من الأساس؟!

يرى حامد أن الدولة تسببت في إضعاف قطاع الأعمال، لأنها نمت القطاع الخاص على حساب العام، ثم أضعفت الاثنين معًا لأنها أدخلت الأجانب بدون أي شروط خاصة بنقل التكنولوجيا وتطوير الصناعة نفسها.

وزير الصحة أعلن زيادة أسعار الأدوية بعد جولات من المفاوضات مع الشركات منذ تعويم الجنيه.. كيف تقرأ القرار وتأثيره خلال الفترة المقبلة؟

في أي مشكلة كبيرة لابد أن تكون هناك طريقة للتوصل إلى حل. ألمس أن كل الأطراف حاولت وضع الحل من منظورها هيّ، وافتقدت مصر من يحمل مسؤولية العمل الجماعي من أجل إيجاد الحل، فلم تدع الأطراف للجلوس معًا والتدارس حول حل قضية تحرير سعر الصرف وتأثيرها على توافر الأدوية، وهنا أخطأ الوزير ورئيس الوزراء وغرفة صناعة الدواء ونقابة الصيادلة.

كان لابد من وضع منهج للحل، يتضمن تحديد الأولويات وتقديم تصورات أمام كل الأطراف، كما كان يجب تطبيق الحل بشكل لامركزي ولكن بمتابعات قوية.

حامد: زيادة أسعار الأدوية "فوضى".. وكان يجب استبعاد أدوية الأمراض المزمنة

هل كانت الزيادة الحل الوحيد أمام وزارة الصحة؟

الزيادة كانت لازمة، لكن كان يمكن استبعاد بعض الأدوية من تلك الزيادة حرصًا على المرضى، كما أن أدوية الأمراض المزمنة يمكن استبدالها بمثائل محلية بنفس الفاعلية ونوجه الأطباء لاستخدامها. ما حدث فوضى !

من المسؤول عن هذه الفوضى؟

من المنظور الواقعي فإن الحكومة هيّ التي تُدير الموقف، وإن كان وزير الصحة غير متخصص في قطاع الأدوية كان لابد من الاستعانة بشخصية تعي الموقف وتدرك أبعاد صناعة الدواء ويستخدم المنهج العلمي.

نقابة الصيادلة طالبت بتعيين نائب لوزير الصحة لشؤون الدواء.. لماذا لم يستجب الوزير؟

هذا بالفعل موجود، هناك رئيس الإدارة المركزية للصيدلة، ورئيس هيئة الرقابة الدوائية. الإشكالية في المنهج وليس في الشخص. الوزير يُعاند النقابة، والصيادلة تريد تنفيذ مطالبها، ورئيس الوزراء "راجل مش بتاع سياسات"، وكان الأصح أن يطالب وزير الصحة بالحكمة في التعامل في هذا الملف.

1

كيف تنظر إلى مقترحات الزيادة التي تقدمت بها غرفة صناعة الدواء لزيادة الأسعار؟

غرفة صناعة الدواء تبحث عن مصالح شركاتها، وترفض تماما أن تساهم في ربط البحث العلمي بمجال الدواء ماديا.

حامد: غرفة صناعة الدواء تبحث عن مصالح شركاتها، وترفض تماما أن تساهم في ربط البحث العلمي بمجال الدواء

ماذا يُضير الشركات بوجود بحث علمي في مجال الدواء؟

الشركات تبحث عن السعر، والصناعة في مصر لا تقوم على المغامرة والإبداع، ولا تصل مستوى بعيد المدى، ويبحثون عن الربح الكثير بأقل التكاليف "هما مستريحين ومبسوطين كده".

البعض نادى بتحرير أسعار الأدوية.. ما المخاطر جراء هذه الدعوات؟

الدواء سلعة من نوع خاص. في كل بلاد العالم، فالدواء يخضع للتسعير، فيما عدا أمريكا التي نجحت الشركات في الضغط على الحكومة لتحرير الأسعار، وهذا يعزى إلى دور الشركات في الانتخابات الأمريكية، لكن في ذات الوقت هناك تأمين صحي يُغطي قطاع كبير من السكان، وكذلك السعودية التي بها مستوى معيشة مرتفع، حتى اليابان تُعد أكثر نظم التسعير صرامة، وكذلك الحال في فرنسا وإيطاليا. ومن يطالب بتحرير الأسعار "يخرج عن نظام الكون". إما مش فاهم أو مصالح خاصة وينتهز فرصة ضعف المنظومة.

هل تضاهي الزيادات المتكررة في الأسعار مطالب الشركات بتحرير الأسعار؟

السعر يتغير طبقًا لمتغيرات المعادلة، لكنني أرفض تحرير السعر تمامًا. والشركات يجب أن تربح "علشان تعيش" لكن يجب أن تكون هناك شفافية فيما يخص اقتصاديات شركات الدواء.

حامد: يجب أن تكون هناك شفافية فيما يخص اقتصاديات شركات الدواء

لكن منطق الشركات يقول إن المادة الخام ولوازم الإنتاج ارتفعت بعد تعويم الجنيه.. ما تعليقك؟

الخامات تزيد بلا شك، ولكن هل تزيد كل الخامات بنفس النسبة؟ هناك أدوية سقطت براءتها ولابد من حساب ذلك، والخامات مع الوقت يقل سعرها والمفترض أن يؤخذ هذا في الحسبان، وهناك أدوية ليست مطلوب طرحها في السوق فهناك شركات تنتج أصناف كثيرة لا يصح أن تنتجها من الأساس، وهناك 80 شركة تول (مصنعين لدى الغير) وأدويتهم "مخترعة".

2

وزير الصحة هاجم الشركات في وقت سابق واتهمهم بتحقيق "مكاسب خرافية".. ما حقيقة تضخم أرباح قطاع الدواء؟

الوزير يتحدث "كلام مُرسل" ولا يصح أن تصدر تلك التصريحات. والوزارة يجب أن تدرس اقتصاديات الشركات وتحاسب أي خلل أو تهرب، وبعض أصحاب شركات الدواء أنشأوا فروعًا للصرافة.

ما دور هيئة الرقابة على الأدوية؟

"بيلعبوا كرة".. بعض العاملين بالهيئة اعتقد أنه يجب تحليل كل تشغيلة، لكن الرقابة يجب أن تكون لها سياسة واضحة تظهر "أسنانها" للشركات، ولها الحق في تحليل أي عينة في الشركة في أي وقت، ولا توجد أي سياسة دوائية في مصر. الرقابة هيّ المسؤولة أولًا وأخيرًا، ويجب تمكين الهيئة.

لماذا أهملت الدولة صناعة الدواء حتى وصلت نسبة شركات قطاع الأعمال 4% فقط؟

الدولة هيّ السبب في إضعاف قطاع الأعمال، لأنها نمت القطاع الخاص على حساب العام، ثم أضعفت الاثنين معًا لأنها أدخلت الأجانب بدون أي شروط خاصة بنقل التكنولوجيا وتطوير الصناعة نفسها. الشركات الأجنبية فازت في معركة الدواء في مصر، ولم تضع الدولة سياسات واضحة للصناعة تساهم في تطوير شركات القطاع العام. نحن نحتاج إلى القطاع الخاص ولا نساهم في إضعافه.

لماذا انسحبت الدولة من قطاع الدواء؟

صناعة الدواء قامت على أساس القطاع العام، وظل متواجدًا بشكل كبير، حتى أصدر عاطف عبيد قانون قطاع الأعمال العام، وهذه الشركات "شالت مصر في الأدوية" في كل حروبها وأزماتها. الحكومة هيّ المسؤولة، حيث أنشأت في 1992 قطاع الأعمال العام ثم أسست الشركات القابضة التي نظرت إلى المحفظة المالية وأهملت التكنولوجيا والتطوير.

أين دور البحث العلمي في تطوير صناعة الدواء؟

الإنفاق على البحث العلمي للدواء منعدم، والشركات أغفلت البحث ومن النادر أن تجد مشروعات بحثية، كما أن الدولة لا توجه أو تدفع الصناعة أن تنمي طلب البحث العلمي، والباحثين "بيشتغلوا أبحاث للترقية". الدولة هيّ الأساس "والدولة المنسحبة بتخلي كل حاجة تنسحب".

3

ما خطورة ذلك؟

سيتم الاعتماد بشكل كلي على الاستيراد، كما أن دورة حياة الباحث ستنتهي دون أن يحقق شيئًا يُحسب له.

تقدمت الأردن وإسرائيل في صناعة الدواء.. فلماذا تخلفت مصر؟

الشركات الأردنية عندما تعرف أن هناك طرق جديدة في الانتاج تذهب إليها بسرعة، وتحرص على حضور أعضائها للمؤتمرات الدولية، ويبحثون عن التحسن والتطوير المستمر ولا ينتظرون أن تحدث مشاكل ويتفاهمون ويتبادلون الخبرات، هناك حالة من التحدي الحقيقي بين الصناع، بخلاف أنهم "حريفة تسويق" والجزء الأكبر يميل إلى البحث العلمي.

ما أهم العقبات لتطوير أبحاث الدواء في مصر؟

في مصر قانون "غبي" يعطل الباحثين، وهو إن الباحث في أي مركز بحثي لابد أن يسجل البحث الخاص به في الجامعة، في الماجستير أو الدكتوراه، وهذا يُعطل تحرك الأبحاث التطبيقية خاصة في مجال الدواء، وللأسف "مصر لا فيها أبحاث ولا صناعة، إحنا بنستورد بس".

في رأيك ما الحل لتنشيط البحث العلمي؟

لابد أن تكون هناك جهة في الدولة تساعد الشركات في مجال البحث، وهذا ما اقترحته بوجود "المجلس الأعلى للدواء"، يقدم التحالفات بين الشركات في مجال البحث، ومنذ فترة عرض عليِ وزير التعليم العالي الأسبق حسام عيسي أن يتم ربط البحث العلمي بالصناعة، وقبلت به من خلال نموذج الدواء، وعدت وتحمس له لكن الأمر لم يخرج للنور بسبب تعنت شركات الدواء في الدخول في مجال البحث العلمي، وقالوا "مش محتاجين للبحث العلمي"، وأرى أنه من الواجب وجود إرادة سياسية من خلال المجلس العلمي للدواء.

5

مشروع المجلس الأعلى للدواء الذي اقترحته.. ما أسبابك لوجود هذا الكيان؟

للأسف لدينا هيئات للدواء، وللأسف مقترح المقدم للبرلمان من الصيادلة لإنشاء هيئة الدواء يدعي إنه لا توجد رقابة دوائية في مصر وهذا ليس صحيحًا، لكن هناك هيئات غير ممكنة من مراقبة صناعة الأدوية، وفي النهاية هناك عدة كيانات تختلف اسمائها من دولة لأخرى تقوم على مراقبة الدواء، لكن المشكلة ليست في الاسم، ففي ماليزيا اسمها "ديوان الأدوية" وألمانيا "الهيئة الفيدرالية للدواء ومستحضرات التجميل". واقتراحي أن يختص المجلس بالسياسات والاستراتيجيات والمتابعة والتنفيذ للكيانات الدوائية داخل وزارة الصحة وخارجها.

ما الفرق بين طرح المجلس الأعلى للدواء وهيئة الرقابة الدوائية؟

المجلس لن يدير أي شركات، ولن يهتم بالترقيات أو الجانب الإداري، لكنه سيكون مهمته وضع السياسات العامة للدواء، وأن تقيس حاجة الدواء لكل محافظة، والأمراض الأكثر احتياجا للعلاج، وأن تضع نظام للرعاية الصحية في مصر.

هل تقوم هيئة الرقابة الدوائية بدورها في فحص الأدوية في مصر والمتابعة لها في الأسواق؟

للأسف هيئة الرقابة الدوائية تعاني ما تعاني منه كل المنظومات الرقابية في مصر، فهم تحت طوع رجال الأعمال، وللأسف هيئة الرقابة غير مُمكنة من المراقبة على الدواء.

في رأيك.. هل تختلف فاعلية الدواء الأجنبي عن نظيره المصري؟

هذا أمر صحيح، لكنه يختلف بحسب إتقان الصناعة المصرية ووارد بالنسبة لبعض المستحضرات، وهذا معناه أن بغض الأدوية العلمية لم يصل إلى كفاءة الأجنبي، وأن الأجنبي تم "طبخه" في أجواء هادية، وجودة في الصناعة والخامات، وبحسب "حبكة" الدواء، وفاعلية المواد الخام، وهناك واقعة طريفة ذكرها الكاتب يوسف إدريس في مقال له عن إنه كان مداوم على دواء زالكس في مصر لكنه لم يأت بنتيجة، رغم إنه كان أجني أيضا، وحين سافر للخارج وجعله يتناول الدواء الأجنبي طبيبه "ذهني فراج"، وكتب مقال "جرى إيه يا رقابة دوائية في مصر"، ويومها رددت عليه في مقال.

6

في رأيك من المسؤول عن ذلك؟

من المفترض ألا تقبل هيئة الرقابة الدوائية نزول أي أدوية إلى السوق المصري تقل كفائتها عن المنتج الأجنبي.

ماذا عن اقتراح تطبيق الاسم العلمي للدواء بدل التجاري في الروشتة؟

أفضل الاسم الاصطلاحي أو الجنيس، وذلك لإتاحة الحرية للصيدلي إعطاء المريض أي بديل، خاصة لو كان الأرخص، واقتراحي أن الاسم العلمي أيضًا يتواجد على علبة الدواء نفسها، فكتابة الاسم التجاري يفتح باب البيزنس وهو ما يحتاج لقانون لإجبار الطبيب لكتابة الاسم العلمي.

أثير مؤخرًا أن الإسراف في المضادات الحيوية يفقد الجسد مناعته.. ما صحة ذلك؟

هذا حقيقي جدا، لأن البيكتريا أو الميكروب يبدأ التعود على المضادات، وتقوم بعمل بعض التغيرات بتفاعل الدواء معه، ويخلق الميكروب ما يسمى بـ"المقاومة" للميكروبات للأدوية، وللحقيقة هناك إسراف من الأطباء المصريين في كتابة المضادات الحيوية، وهدفه للأسف هو إسكات المرض حتى لا يذهب لطبيب آخر "هتاخد إسبوع بس الجسم هيستعيد إمكانياته وتزيد مناعته".

حامد: التجارب السريرية تحدث بطريقة خارج القانون في مصر.. وتحتاج إلى تشريع

التجارب السريرية في مصر للدواء.. كيف تراها؟

للأسف تحدث بطريقة خارج القانون في مصر. هناك مواثيق علمية تحمي حقوق المريض، ونحن بحاجة إلى تشريع مصري، تضمن حق الحالات، وأن يكون المتطوع صحيح البدن، وكذلك تضمن القيمة المضافة لصناعة الدواء في مصر.

في نهاية حوارنا.. هل أنت متفائل بشأن الوضع الدوائي في مصر؟

بالطبع متفائل. مصر لديها الكثير من الإمكانيات، أنا مؤمن أن مصر تقدر تقوم مرة أخرى، مثل الهرم الأكبر، كثير من الدول لديها أحجار لكن ليس لديهم هرم! نحن لدينا كل "الأحجار" الخاصة بالدواء التي تتمثل في الامكانيات البشرية والمادية، غير أنها مرصوصة على الأرض أفقيا، لكن العملية تحتاج إلى تنظيم هندسي الذي يجعلها ترتقي لمكانة الهرم الأكبر.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج