إعلان

متحدث ملف سد النهضة: لن نسلك المسار التفاوضي إلى الأبد - (حوار)

11:11 م السبت 26 ديسمبر 2015

سد النهضة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار - محمود سليم:

عامان وأكثر من مفاوضات مستمرة بين الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة، سار خلالها المفاوض المصري على خطة وضعتها الدولة بأجهزتها المختلفة.

ملف جندت له الدولة فريق عمل متكامل في تخصصات مختلفة، استمر لعشر جولات متتالية في محاولة للوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف، لتستقر الجولة العاشرة، التي عُقدت بداية ديسمبر الجاري، على استئناف المفاوضات بعد أسبوعين، يومي 27 و28 من نفس الشهر.

قضايا كثيرة عالقة، وتساؤلات أكثر حول السد الذي تبنيه إثيوبيا بسعة 74 مليار متر مكعب، وارتفاع 145 مترًا فوق سطح الأرض، ضمن سلسلة سدود تضم سد "كارادوبي"، بسعة تخزينية 49 مليار متر مكعب، و"منداي" بسعة تخزينية 40 مليار متر مكعب، و"بيكو" بسعة تخزينية 42 مليار متر مكعب.

ويرد الدكتور علاء ياسين، المتحدث الرسمي باسم ملف سد النهضة، ومستشار وزير الري لشؤون السدود، على هذه القضايا، خلال حوار تليفوني لمصراوي، مشيرًا إلى أن مصر لن تسلك المسار التفاوضي إلى الأبد، "سيقف التفاوض عندما لا نصل للأهداف المصرية".. وإلى نص الحوار:

- نبدأ من اجتماع الخرطوم الأخير.. البعض اعتبره نهاية للتفاوض، ما رأيك؟

نطلع جيدًا على ما يقال في الإعلام، والجميع حر في تقييمه، ولكنهم لم يحضروا الاجتماعات، ولا يعرفوا ما يدور داخل الغرف المغلقة، وأطالبهم بعدم القفز إلى النتائج.

ونحن نتقبل أي نقد بشرطين: أولهما عدم التطاول، والآخر هو عدم المزايدة على المفاوض المصري فهو على أعلى مستوى من الوطنية والاحترافية والحرص على المصالح المصرية.

- كيف أدار المفاوض المصري الاجتماعات خلال ؟

يوجد مسار للمفاوض المصري خلال المفاوضات، وهو أن هناك خطوطًا حمراء لا تفاوض فيها وتضم: حصة مصر التاريخية في مياه النيل، وعدم الإضرار بالمصالح المصرية.

ويشترك في إدارة هذا الملف مجموعة من الخبراء المحترفين في تخصصات مختلفة على أعلى مستوى من الخبرة والكفاءة والوطنية، وكل جهاز يدرس كل تفصيله، ونجلس معًا على الأقل مرة أسبوعيًا، ونصيغ الموقف المصري؛ ما نقبله وما نرفضه، وما الذي نطرحه على مائدة الحوار.

وتُرفع هذه التوصيات إلى اللجنة العليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ومَن يجتمع مع رئيس الوزراء من الأجهزة المعنية يدرسون التوصيات ويخرجون برؤية معينة، يطَّلع عليها الرئيس بعد ذلك، وهو يتابع الأمر يومًا بيوم.

وفي النهاية يُنفذ المفاوض المصري هذه التوصيات بالحرف الواحد، فنحن أمام سياسية دولة، وليس رأي شخص، وهناك ظروف واعتبارات كثيرة تتدخل في إدارة هذا الملف: الداخلية منها والخارجية، وما يقال الآن، وما يُطرح بعد شهر.. كلها مؤشرات توضع في الاعتبار وتخضع لحسابات دقيقة.

وبالتالي لم ولن يقدم المفاوض المصري أي تنازلات من أي نوع خلال كافة جولات التفاوض، وأطالب من يتهمنا بتقديم تنازلات أن يُحكَّم عقله، لو كان المفاوض المصري قدَّم تنازلات لكانت الدراسات انتهت منذ مارس 2014، وبما أنها لم تنتهي - لأسباب كثيرة - فهذا يعني أن المفاوض المصري ينفذ سياسية الدولة المصرية في أنها مع حق دول حوض النيل في التنمية دون الإضرار بمصالحنا وحصتنا التاريخية والمكتسبة من مياه النيل، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي عدة مرات، حتى أثناء توقيع إعلان المبادئ في الخرطوم، وخلال خطابه في البرلمان الإثيوبي في اليوم الذي يليه. 

والمشكلة أننا لا نستطيع أن نحكي ما يدور في الداخل، ولو عرف الناس هذا، وموقف الوفد المصري لتغير كلامهم، ولكننا لا نستطيع إعلان هذا.

- إذن أطلعنا على ما يمكن ذكره.. ماذا حدث داخل الغرف المغلقة؟

نبدأ من اجتماع القاهرة في 7 و 8 نوفمبر الماضي، كان من المقرر بحث وحسم موضوع الخلاف بين المكاتب الاستشارية، لكن الوفد المصري طرح شواغله على الجانب الإثيوبي في أنهم متسرعين جدًا في بناء السد، وتقول تصريحاتهم الرسمية أنهم انجزوا 47 % من السد، وهذا مرصود لدينا من مصادر عديدة، وبالتالي فأن سرعة الإنشاءات هذه تقلقنا.

وأشرنا خلال الاجتماع أن الدراسات لم تبدأ بعد، وكان من المفترض أن تنتهي في مارس 2014، وهذا يعني أن مصر لا تمتلك ضمانًا حقيقيًا لتنفيذ توصيات المكتب الاستشاري.

وسلمنا الجانب الإثيوبي كل هذه الشواغل مكتوبة، ومن ضمنها طلبنا لإيجاد طريقة للإسراع في تنفيذ الدراسات، وعليه فأن الجانب الإثيوبي طلب اجتماع سياسي، لأن مهمة اللجنة الوطنية الثلاثية هي فنية في الأساس تقتصر على تنفيذ الدراسات.

ولهذا طلب وزير الري، حسام مغازي، عقد اجتماع سياسي فني بحضور وزراء الخارجية والري في أقرب فرصة، وانعقدت الجلسة الأخيرة في الخرطوم بداية ديسمبر الجاري، لمناقشة الشواغل المصرية وعناصر القلق، وبالتالي الطرف الإثيوبي طلب مهلة لمناقشة حكومته، واتفقنا أن نجتمع يومي 27 و28 لمناقشة هذه الأمور، وموضوع المكاتب الاستشارية أيضًا.

- هل من المطروح التخلي عن المكتبين الاستشاريين في ظل الخلافات بينهم ؟

الأولوية لدى مصر هو شواغلها وعناصر القلق، وأن تتم الدراسات بأسرع ما يمكن بأسلوب يضمن تنفيذ توصياتها، لكن مَن يقوم بها، المهم أن يكون مكتب استشاري عالمي له سمعته يتم الاتفاق عليه بين الدول.

- ما الذي يقلق مصر أكثر: السعة التخزينية للسد أم سنوات ملء الخزان؟

في الأساس وما يأثر علينا أكثر هي السعة التخزينية للسد، وهناك دراسات أمريكية تحدثت قبل ذلك عن سعة تخزينية 11.5 مليار متر مكعب لسد النهضة، وبعد ذلك دراسة أوروبية عام 2007، ذكرت 14.5 مليار متر مكعب.

ولكن عقب ثورة يناير، وما كانت تعيشه مصر من ظروف وانشغالها بشؤونها الداخلية، انتهز الإثيوبيون الفرصة وفاجأوا المصريون والعالم ووضع حجر أساس لسعه مبالغ فيها (74 مليار متر مكعب)، تضم حصتي مصر والسودان معًا.

هذه السعة ليس لها مبرر فني ولا اقتصادي، ولن تولد 6000 ميجا-وات كما يقال، باعتراف الإثيوبيين انفسهم، وهناك استاذة إثيوبيين كتبوا في هذا الأمر على المواقع الإليكترونية.

- كم تتوقع أن يولد السد من كهرباء؟

نحن نتوقع أن يولد السد 2000 ميجا-وات كهرباء، وهناك دكتور أثيوبي كان يحاول تبسيط الموضوع للشعب الإثيوبي، بأنه مثل عمارة مكونة من 10 أدوار، متوسط اشغالها 3 أدوار فقط. 

- إذن لماذا هذه القفزة المبالغ فيها في سعة تحزين السد؟

هذا ما تعترض عليه مصر، لسنا ضد أن تبني سد لكن ليس بهذه السعة المبالغ فيها، كلما زادت السعة زادت الأضرار علينا، وهناك شيء مهم يجب أن يعرفه الناس، وهو أن الأضرار ليست في فترات الملء الأول فقط، وإنما ستحدث أثناء التشغيل أيضًا، ولن تكون الأضرار متساوية في جميع السنوات، وفي أوقات كثيرة لن يكون هناك أضرار على الإطلاق بحسب كمية المياه التي تأتي إلى أثيوبيا "والفيضان شكله أيه" ومناسيب المياه.

و"سنأخذ حصتنا كاملة في سنوات، وفي أخرى لن نستطيع أخذها بالكامل، وبالتالي ليس هناك رقم ثابت للعجز".

- هل الضرر في كمية المياه فقط ؟

في المياه، وكهرباء السد العالي.. هناك سنوات ستتأثر فيها الكهرباء بشدة، وأخرى لن يكون هناك تأثير، وبالتالي فهناك خسائر مادية على مصر.

وعندما تقل المياه تتأثر الزراعة وبالتالي يتأثر الاقتصاد، ويكون له تأثير على النواحي الاجتماعية، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية، ولهذا فأن الجانب الإثيوبي كان يجب عليه أن يقوم بدراسات قبل البدء في تنفيذ السد لتحديد هذه التأثيرات، ويُخطر مصر والسودان برغبته في بناء السد ومواصفاته.

- هل قدمت أثيوبيا ضمانات لمصر؟

الجانب الإثيوبي يتحدث في الإعلام حول أن السد لن يضر مصر في شيء، لكننا نريد هذا في صورة كتابية، "ميبقاش شفوي"، هذا ليس في العلاقات الدولية. 

- هل تستطيع إثيوبيا أن تبدأ في تشغيل السد فور اكتماله؟

هنا يأتي أهمية اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعه رؤساء الدول الثلاث مارس الماضي في الخرطوم، وهو الوثيقة الوحيدة الرسمية التي تربط الدول الثلاث، حيث إن أثيوبيا لا تعترف بأي اتفاقيات دولية سابقة، وهناك بنود في منتهى القوة بالنسبة لمصر، من ضمنها ألا تبدأ إثيوبيا في ملء خزان السد إلا بعد اتفاق مصر والسودان على قواعد الملء الأول.

- وهل الاتفاقية ملزمة؟

في السطر الثالث من الاتفاقية مكتوب "أن الدول الثلاث ألزمت أنفسها بالمبادئ التالية"، إذن فالاتفاقية ملزمة للدول الثلاث.

ولا أظن أن أيًا من الدول الثلاث تريد خرق هذه الاتفاقية، نحن نحاول بناء ثقة، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي ينصان على أنه عندما يكون هناك نزاع بين الدول لابد أن يتفاوضوا لحل هذا النزاع بطريقة سلمية، وهذا ما تفعله مصر.

ولا تنسى الاجتماع الشهير الذي أُذيع على الهواء (بحضور الرئيس الأسبق محمد مرسي، وعدد من الخبراء لمناقشة قضية سد النهضة)، وهذا عرضنا للحرج الشديد، والطرف الأخر استغله أسوأ استغلال في التسويق بأن مصر تريد الاعتداء على إثيوبيا، وهو ما نحاول إزالة أثره.

ونحاول أن نثبت أمام العالم أن مصر دولة متحضرة تسعى إلى حل تفاوضي، يكون فيه الجميع فائز، لا يصح أن ندخل مفاوضات تسعي لأن يأخذ طرف كل شيء، فعندما يكون هناك تفاوض لابد أن يكون هناك ملائمة على أنه لا مساس بالحقوق الأساسية لمصر، فلا يملك أي مصري المساس بها ولا أن يقدم تنازلات، ولا نتحمل أي عجز إضافي للمياه. 

- إلى أي مدى وصل العجز المائي؟

هناك تعريف للفقر المائي، وهو أنه لو قل نصيب الفرد عن ألف متر مكعب تكون الدولة بها فقر مائي، ومصر حاليًا نصيب الفرد فيها حوالي 650 متر مكعب، لأن اتفاقية 1959 لتقسيم المياه وقعت وتعداد سكان مصر 25 مليون شخص، والآن تجاوزنا الـ 90 مليون ونفس الحصة.. " نزيد 2 مليون في العام".

- إذًا كان من المفترض أن تكون المفاوضات على زيادة حصة مصر.

فكرة السد منذ عام 1964، ولكن الإثيوبيون لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا منذ حينها وحتى 2011، واستغلوا فرصة انشغال مصر بأمورها الداخلية.

- متى ينتهي السد؟

انتهاء السد يتوقف على عوامل متعددة خاصة بالتمويل والبرامج الزمنية التي يستطيعون تنفيذيها، ولكنه بأي حال لن ينتهي في 2016، "واعتقد ولا 2017 كمان".

- وهل لدى مصر حصر بالجهات الممولة للسد؟

مصر نجحت في منع التمويل الدولي للسد، لأن القانون الدولي ينص على أن إثيوبيا لابد أن تقدم إخطار مسبق لمصر والسودان، وبيان بتأثير السد عليهما، وبالتالي فأن الجهات المانحة منعت التمويل، وفي أديس أبابا يمولون السد من خلال نظام داخلي للتمويل.

- بخصوص السودان.. كيف ترى دورها في المفاوضات؟

السودان دولة أكثر من شقيقة وتاريخيًا لدينا علاقة مميزة معها، والخرطوم العمق الاستراتيجي لمصر، والقاهرة العمق الاستراتيجي للسودان، والعلاقات المصرية السودانية تاريخة وأبدية، وهناك 4 مليون سوداني يعيشون في مصر بنفس الحقوق المصرية.

وفي يوم من الأيام كان يحكمنا ملك اسمه ملك مصر والسودان حتى منتصف الخمسينات، لكن في نفس الوقت يمكن أن تكون هناك رؤية مختلفة للسودان بالنسبة للسد، مثل رؤية كل دولة، فالكل يسعى إلى مصالحه، وهذا أمر مشروع. 

- ما هي مصالح السودان في سد النهضة؟

سد النهضة مفيد جدًا للسودان، لأنه يزرع الأرض على زمام النيل الأزرق طوال العام، وبالتالي سيزرع محصولين بدلًا من واحد، وسيولد كهرباء أكثر من سدود السودان، ولن يترسب الطمي أمام السدود.

- هل هناك اتفاقيات بين الخرطوم وأديس أبابا لشراء الكهرباء من سد النهضة؟

وارد جدًا أن تكون هناك اتفاقيات بين السودان وإثيوبيا بخصوص شراء الكهرباء.

- ماذا عن محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن.. متى تلجا مصر إليهما؟

هذه أحد الخطوات التي قد نلجأ لها في المستقبل، لكن في التحكيم الدولي لابد أن توافق إثيوبيا، وهي سبق لها أن رفضت مثل هذا الخيار كأسلوب للتحكيم في قضية سد النهضة.

- في النهاية.. البعض يلوح بخيار عسكري محتمل.. كيف ترد عليهم؟

مصر تسير في مسار تفاوضي سلمي، والحلول العسكرية ليست لغة العصر الذي نعيشه، ولن نستمر في المسار التفاوضي إلى الأبد، لو أنه لن يصل للأهداف المصرية "ستتوقف المفاوضات"، ونتحدث عن الحلول السلمية الأخرى.. "خلينا نشوف هيحصل أيه في الاجتماعات الجاية".

وخاضت القاهرة على مدار سنتين مفاوضات مع الجانب الإثيوبي والسوداني، حيث اُستأنفت المفاوضات في نوفمبر 2013، ثم عُقدت في أغسطس الجلسة الثانية بالخرطوم، ثم الثالثة، التي استمرت على مدى 3 أيام في الخرطوم بحضور الخبراء الفنيين، ثم جلسة رابعة استغرقت 6 ساعات في أديس أبابا في أجواء إيجابية.

ومثلَّت الجولة الخامسة نقطة الانطلاق الحقيقية للتفاوض بشأن الأزمة لوضع خارطة طريق مبدئية لاختيار المكاتب الاستشارية والقيام بالدراسات، وبدأت الجلسة السادسة حيث المناقشات الحادة حول النقاط الخلافية العالقة، الأمر الذي اضطر الرئيس عبد الفتاح السيسي للتدخل في الجولة السابعة ليزور السودان وإثيوبيا لحل الخلافات.

وفي الجلسة الثامنة تم تحديد مهلة للمكتبين الاستشاريين لتسليم العرض الفني، وبعد تأجيل إثيوبي عقدت الجلسة التاسعة لتعلن أديس أبابا فشل المكتبين الاستشاريين في العمل معًا، لتصل المفاوضات بين مصر وإثيوبيا لمحطتها العاشرة.. وتنتظر الدول الثلاث نتائج اجتماعات غدًا وبعد غدٍ لتحديد مصير المفاوضات.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج