إعلان

أولريش بيك.. عالم الاجتماع الذي يُمكن أن يُنقذنا من فيروس كورونا

03:18 م الإثنين 03 أغسطس 2020

أولريش بيك.. عالم الاجتماع الذي يُمكن أن يُنقذنا م

كتبت- هدى الشيمي:

كثيرون سمعوا بكارثة مفاعل تشيرنوبل. لمن لا يعرفونها فقد حدث خلل في أحد المولدات التوربينية بالمحطة عام 1986، تسبب في وقوع انفجار وأدى إلى حدوث اضطراب في إمدادات الطاقة بأوكرانيا، حاول الاتحاد السوفيتي سابقًا التستر عليها، تعرض ملايين للخطر، في النهاية ظهرت الحقيقة، ودفع النظام الحاكم الثمن، وأصبحت شرعيته على المحك، وفي النهاية انهار الاتحاد السوفيتي.

وبعد انتشار فيروس كورونا المُستجد المُسبب لمرض كوفيد-19 في العالم، تساءل كثيرون عما إذا كان الوباء بمثابة تشيرنوبل بالنسبة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وقد يتسبب في انهيار الصين، بالنظر إلى أن الفيروس تم التعرف عليه لأول مرة في مقاطعة ووهان الصينية.

3

تشيرنوبل صينية

وجدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تشابهًا كبيرًا بين الكارثتين، تمثل ذلك في مراوغة بكين في البداية وإخفاء المعلومات الأولية عن تفشي الفيروس في ووهان، حيث ظهر لأول مرة، وسعي السلطات إلى تشديد قبضتها على المنطقة، حتى جاءت اللحظة الأسوأ وكانت يوم 7 فبراير الماضي، عندما احتج مئات الملايين من الصينيين على الإنترنت اعتراضًا على مقتل الطبيب لي ون ليانج، إثر إصابته بالمرض.

منذ ذلك الحين، لفتت فورين بوليسي إلى أن بكين تحاول السيطرة على كل التفاصيل المتعلقة بالمرض، وتتدخل في التغطية الإعلامية الخاصة به، مُشددة الخناق على وسائل الإعلام والأطباء وكافة الأطراف المعنية بالأزمة.

inside-photo-temp

أولريش بيك والأزمات العالمية

فيما تستمر محاولات العلماء والأطباء والسياسيين للعثور على حلول للتغلب على فيروس كورونا، قالت المجلة الأمريكية، في تقرير مطوّل على موقعها الإلكتروني، إن العالم قد يجد حلاً لأزمة الفيروس التاجي في جعبة عالم الاجتماع الألماني أولريش بيك، خاصة في كتابه "مجتمع المخاطر العالمي" الصادر في ربيع عام 1986.

كانت الفكرة الرئيسية لكتاب بيك، حسبما نقلت فورين بوليسي، هي أن الوجود الكلي للتهديدات العالمية، المجهولة وغير المرئية، هو القاسم المشترك لعصرنا الحديث، والسؤال الذي يجب طرحه بعد حدوث أزمات مثل كارثة تشيرنوبل أو انتشار الفيروسات التاجية، هو كيف يمكن التنقل والتحرك في العالم بهذا الوقت.

قدم بيك في كتابه إجابات واضحة لكافة التساؤلات المُتعلقة بالأزمات والكوارث التي قد يواجهها العالم، وأكدت المجلة أن ما يُطرح في الكتاب بات أكثر أهمية الآن عما كان عليه في أي وقت، نظرًا إلى خطورة أزمة كوفيد-19.

كان أولريش بيك شخصية رمزية لألمانيا ما بعد الحرب. ذكرت المجلة الأمريكية أنه وُلد في عام 1944 بالقرب من ساحل البلطيق في بلدة ستولب، التي أصبحت الآن سلوبسك في بولندا، وهربت عائلته من الجيش الأحمر واستقرت في مدينة هانوفر الصناعية المزدهرة، درس علم الاجتماع في فرايبورج وميونيخ، وبحلول أوائل الثمانينيات، أصبح أستاذًا لعلم الاجتماع.

4

كيف نتعامل مع المخاطر البيئية؟

اهتم بيك بالحركات البيئية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، في هذه الفترة زاد الوعي بالمخاطر الهائلة الناتجة عن التنمية الاقتصادية الحديثة، وكثر الحديث عن الخطر النووي.

كما شهدت فترة الثمانينيات زيادة الوعي بتغير المناخ، ونموذج الأمراض الناشئة، وهي الأمراض التي تظهر لدى السكان لأول مرة، أو التي ربما كانت موجودة سابقاً لكن وقوعها أو مداها الجغرافي يتزايد بسرعة.

قال بيك، إنه إذا كان تغير المناخ قد يحدث نتيجة لانبعاثات الكربون، فإن ظهور فيروسات مثل نقص المناعة البشرية (الإيدز)، أو الفيروس التاجي (سارس- كوف-2) قد يرجع إلى تدخل البشر في النظام الأيكولوجي (العناصر الفيزيائية والبيولوجية المجتمعة في البيئة).

6

باعتبارنا مواطنين في المجتمعات الحديثة، فإننا نواجه مخاطر واسعة الانتشار قد تقضي على كل شيء، بسبب تدخلنا المستمر في الأنظمة البيئية، وهو ما تحدث عنه بيك في كتابه وتطرق إلى مفهوم نعرفه اليوم باسم (الأنثروبوسين)، وهي حقبة زمنية يعود تاريخها إلى بداية التأثير البشري الكبير على جيولوجيا الأرض والنظم الإيكولوجية، بما في ذلك تغير المناخ البشري المنشأ.

إلا أن بيك ذهب إلى منطقة أبعد قليلاً، قالت فورين بوليسي إن عالم الاجتماع تساءل عن كيفية التعامل مع هذا النوع من المخاطر والتكيف معه.

وفقًا لبيك، فإن البشر يرفضون التعامل مع المخاطر حتى يظهر تأثيرها المباشر عليهم. وقال: "حتى التسمم الإشعاعي على سبيل المثال يبقى خطرًا مجهولاً وغير واقعي وغامض، حتى تبدأ في المعاناة من التسمم، أو يُصاب جنينك بطفرة جينية مروّعة تؤثر عليه".

تفاعلات بشرية خطيرة

في مجتمع المخاطر، قال بيك إننا أصبحنا نعتمد بشكل جذري على المعرفة العلمية المُتخصصة لتحديد ما هو خطير وما هو ليس كذلك قبل مواجهة هذه المخاطر بأنفسنا.

ولفت عالم الاجتماع الألماني إلى أن البشر أصبحوا غير أكفاء في التعامل في التعامل مع الكوارث والأزمات، وباتت الأكاذيب الضارة والتهديدات والعدائية موجودة في كل مكان، وأصبحت تتجاوز قدرة الفرد على الحكم على الأمور، وبالتالي غدونا نواجه صدمة مزدوجة، تتمثل في مواجهتنا لأزمة قد تشكل خطرًا محُتملاً على صحتنا وبقائنا، وفي الوقت نفسه تهدد استقلالنا وقدرتنا على قياس تلك التهديدات.

2

كل تفاعل مع مواطنينا أثناء ذهابنا إلى عملنا يوميًا أو الالتقاء بأحد الأصدقاء وغيرها من الأمور الحياتية البسيطة محفوفة بالمخاطر الافتراضية وقد يترتب عليها مشاكل خطيرة، حسب عالم الاجتماع الألماني، مُشيرًا إلى كون النتائج في هذه الحالة مُتناقضة.

قال بيك إن طريق العلم يقودنا إلى عالم مليء بالقوى الخفية التي تهدد حياتنا على الأرض، وإلى خليط غريب من الخوف والحسابات التي تلاحق أحلامنا، بينما يقودنا طريق الدين إلى التفكير بطريقة أخرى روحانية.

أكد بيك، في كتابه، أننا لن نستطيع التعامل مع الأزمات إلا عندما نتعامل مع كل شيء من خلال هذه النظرة المزدوجة، ولا يمكننا فهم الأمور والحكم عليه إلا من خلال هذه الطريقة المتناقضة، وهو ما يتجلى هذه الأزمة الحالية.

قالت فورين بوليسي إن ارتداء الكمامة في الولايات المتحدة أصبح يُنظر إليه بنظرتين مُختلفتين، الأولى تتعامل مع القناع باعتباره جزء من الإيمان، ومحاولة للتأكيد على الاهتمام بالآخر، فيما يتعامل آخرون معه باعتباره إشارة إلى تصديق ما توصل إليه العلماء فيما يتعلق بأزمة الفيروس التاجي.

الكوارث تُمزق البشر

أثناء التعامل مع كوفيد-19، وجد البشر أنفسهم مُمزقين بين مُعسكرين، والتي تحدث عنها بيك في مقالته عن تشيرنوبل، وقال: "الأول يرفض الاعتراف بالمخاطر الحقيقية، بينما يصر آخرون على إطلاق الإدانات الشاملة باسم الحماية الذاتية، أو الحفاظ على الحياة على الأرض".

قال بيك، في كتاباته، إن حالة الانقسام تلك قد تمتد لتشمل العلم نفسه، مع استمرار الحديث عن الأشياء غير المرئية، والتأكد من أنها تُشكل خطرًا على حياتنا وعلى كوكبنا، ستنشأ مجتمعات جديدة وبديلة، وستتغير وجهات نظرنا حيال العديد من القضايا والأمور، وستعيش البشرية حالة من انعدام اليقين ربما تؤثر على كافة مناحي الحياة.

5

وهناك أيضًا الإنكار. وفق بيك فإنه أحيانًا ما يلجأ الأشخاص إلى الاستهانة بخطورة كارثة ما، والتقليل منها، وبذل جهدًا كبيرًا لمنع العقل من إدراك أو استيعاب خطورتها، وهو ما حدث على سبيل المثال في الولايات المتحدة، البرازيل، المكسيك، عندما قال حُكّام هذه البلاد إن كوفيد-19 ما هو إلا انفلونزا يُمكن التغلب عليها بسهولة، ولا يجب المبالغة في تقديرها، أو منحها أكبر مما تستحقه.

لم يعد أولريش بيك معنا الآن لمساعدتنا على إيجاد إجابات لإنهاء أزمة كوفيد-19، كما ساعد كوريا الجنوبية على وضع خطة تطوير حضاري عقب الكوارث والأزمات التي تعرضت لها في القرن العشرين، فقد توفى إثر أزمة قلبية مُفاجئة ليلة رأس السنة في عام 2015، بينما كان عائدًا إلى منزله من جامعة لودفيج ماكسميليان في ميونيخ. وقالت فورين بوليسي إن ما تركه من إرث عظيم مليء بالمقالات والكتابات قد يساعد العالم على التعامل مع الأزمة، التي يُنظر إليها باعتبارها أكبر كارثة تواجهها البشرية.

فيديو قد يعجبك: